جوانا فرحات
المركزية – بدهاء وحنكة سياسية استطاع دونالد ترامب أن يفرض معادلة جديدة في الحرب الإسرائيلية -الإيرانية عنوانها السلام بالقوة. وما جرى في الساعات الماضية يثبت أن الكلمة للميدان وليس للديبلوماسية وإن كان ترامب يسوّغ لعدم الإعلان عن الرابح والخاسر في هذه الحرب . أما تفاصيل الإتفاقيات فتجري على وقع النتائج والباقي مجرد هوامش.
ترامب أعطى الأمر بوقف إطلاق النار، لكن الإلتزام به رهن برغبة إيران في استمرار التصعيد أو التهدئة وهذا يتوقف على توازن معقّد بين أهدافها الاستراتيجية والضغوط الداخلية والخارجية. وتشير مصادر مطلعة لـ"المركزية" أن النظام الإيراني لم يحدد موقفه بعد من هذه الحرب فهو يريد أن يُظهر قدراته في الرد على إسرائيل مباشرة بعد استهداف منشآته النووية واغتيالات كوادره، ويعتبر أن أي "تساهل" هو بمثابة نقطة ضعف تضرب مصداقيته أمام الحلفاء الإقليميين وأذرعه وتحديدا حزب الله، الحوثيين، والميليشيات العراقية.
بالتوازي، تعمل القيادة العسكرية الإيرانية على امتصاص النقمة الشعبية من خلال استخدام المواجهة الخارجية و توظيف "الصراع مع إسرائيل" كرمز للمقاومة والسيادة، وتجاهل الضغوطات الأميركية من خلال فرض معادلات ردع جديدة. لكن إيران تدرك أن التصعيد العسكري المفرط، قد يدفع واشنطن إلى توسيع ضرباتها وإطالة عمر الحرب مما يشكل خطرا على الوضع الإقتصادي والإجتماعي في إيران ويولّد نقمة وربما احتجاجات في الشارع. من هنا، قد توافق إيران على التهدئة الموقتة لإفساح المجال أمام المفاوضات والحد من الضغوط الإقتصادية وتدهور العملة.
على جبهة إسرائيل يبدو الوضع أكثر تعقيداً لا سيما بعد الضربات الصاروخية على منطقة بئر السبع قبل دقائق من إعلان وقف إطلاق النار وأدت إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة العشرات بجروح بعضها بليغة .وهذا ما اعتبرته القيادة العسكرية في إسرائيل خرقا واضحا ويكفي لتبرير موقفها في حال الرد. وعلى رغم المصالح المشتركة وتقديرها للدعم الأميركي لكن نتنياهو يعتبر نفسه بمنأى عن توجيهات ترامب. وتتابع المصادر "في حال رأت إسرائيل أن مصالحها الأمنية في خطر ستتجاهل ضغوطات ترامب موقتا كما فعلت في غزة لأنها تعلم أن تهديداته غير مضمونة وقد يكون استخدامها للضغط الإعلامي وليس بهدف التهديد العسكري . أكثر من ذلك يدرك نتنياهو أن ترامب لن يعاقب إسرائيل عسكريا أو استراتيجيا لأن من شأن ذلك أن يؤثر على نتائج الإنتخابات".
حتى الآن تثبت الوقائع الميدانية أن الإعلان عن وقف إطلاق النار لا يزال هشا وإذا قرر الطرفان الأميركي والإيراني الجلوس إلى طاولة المفاوضات فالأكيد أن إيران ستدخل الباب بصفة المهزوم لأنها تعلم أن أي تصعيد يتجاوز الرمزية سيدفع واشنطن إلى ضربات حاسمة قد تطيح بالنظام نفسه. لذلك، كانت الضربة على القاعدة الأميركية في قطر أقرب إلى "رسالة مشروطة"، تشترط معها الوساطة، وتفتح الباب لتفاوض خجول، تخرج منه طهران بجزء من كرامتها، ولو مضرّجة بالهزيمة.
إنطلاقا من هذه الجدلية حول مدى جدية التزام كل من إيران وإسرائيل بوقف إطلاق النار ترى المصادر أن هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة وقد تترجم إحداها في الأيام المقبلة. الأول وهو الأكثر ترجيحا أن ترد إيران عبر أذرعها أي حزب الله والحوثيين بقصف محدود، في ما تستهدف إسرائيل مخازن أسلحة في سوريا أو جنوب لبنان، وقد يضطر ترامب إلى الضغط أكثر على إسرائيل لكن من دون أن يفرض عليها أية عقوبات.
السيناريو الثاني استمرار التوتر، والتهديدات المتبادلة من دون توسع ميداني. ويتزامن ذلك مع التحركات الدبلوماسية من خلف الكواليس بين تركيا وقطر. وهذا السيناريو بحسب المصادر يُبقي الوضع تحت "سقف الانفجار" ويُرضي الأطراف داخليًا من دون وقوع خسائر استراتيجية ضخمة.
السيناريو الثالث يراوح بين التهدئة المشروطة والتصعيد الشامل .في الشق الأول ترجح المصادر أن يُصار إلى توقيع اتفاق ضمني بين إيران وإسرائيل بوساطة غير معلنة ويترافق ذلك مع بروباغندا إيرانية تتحدث عن "نصر استراتيجي" لامتصاص غضب الشارع. وفي حال التصعيد الشامل يتوقع أن تشن إيران ضربات على منشآت إسرائيلية ويكون الرد عنيفا من الجانب الإسرائيلي.
كل السيناريوهات تبقى في إطار الترجيحات إلا واحداً تختم المصادر: ضربات سيبرانية أو استخباراتية صامتة وهي مرشحة للإرتفاع في حال عدم التوصل إلى اتفاق معلن على وقف إطلاق النار.