Mar 7, 2025 11:32 AMClock
خاص
  • Plus
  • Minus

ماكرون "يهدد" والقيصر يرد وترامب يعيد تشكيل علاقاته الخارجية... النظام العالمي الجديد حقيقة لا مجرد خطاب!

جوانا فرحات

المركزية- يبدو أن تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن فيه عزمه على مناقشة وضع أوروبا تحت حماية السلاح النووي الفرنسي، هزّ عرش القيصر الروسي فلاديمير بوتين إذ اعتبره "تهديداً لروسيا" وفق ما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف وقال" إذا كان يعتبرنا تهديداً ويقول إنه من الضروري استخدام سلاح نووي ويستعد لاستخدام سلاح نووي ضد روسيا، فهذا بالطبع تهديد". في حين وصفت المتحدثة بإسم الخارجية الروسية تصريحات ماكرون بشأن ترسانة بلاده النووية بالمنفصلة عن الواقع والمتناقضة... يا له من راوي قصص!".

ما قاله ماكرون لم يأتِ من العدم. "فالحدث التاريخي الجلل " الذي شهده البيت الأبيض خلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينسكي خربط أوراق القارة العجوز بعدما سمع الضيف كلاما مشينا بحقه من ترامب، وانتهى بطرده من البيت الأبيض. واستلحاقا لما يمكن أن ينتج عن هذه الواقعة التاريخية من تداعيات،  خرج ماكرون ليقولها بالمباشر" روسيا هي من بدأت بغزو أوكرانيا عام 2014، والسلام لا يكون بالاستسلام. علينا الاستمرار بتقديم المساعدات لأوكرانيا لتكون أقوى في المفاوضات".

إلى هنا، كان يمكن فهم تصريح ماكرون إلا أنه قرر أن يرد الصاع لترامب الذي بدأ بحياكة النظام العالمي الجديد مع حليفه الجديد روسيا حيث قال" روسيا تهدد فرنسا وأوروبا وبوتين يتدخل في انتخابات دولنا، وروسيا ستزيد عدد جنودها وأدواتها القتالية بشكل كبير خلال 5 أعوام" ليختم "السلام قد لا يتحقق قريبا وعلينا التعايش مع هذا الأمر".

قد لا تكون أوروبا القارة الوحيدة التي تأثرت بهذه التغيرات المفاجئة،حيث عطلت إدارة ترامب خلال شهر من صعودها عقودا من السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، بدءا من فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، واقتراح السيطرة على قناة بنما بالقوة، وتأييد الخطط التي تعتبر تطهيرا عرقيا في غزة، وتعليق المساعدات الخارجية المدنية، ومهاجمة الأعراف والمؤسسات التي دعّمت النظام العالمي الذي تقوده واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب تقرير نشره موقع ستراتفور فإن تحركات ترامب لا تبدو مجرد خطابات ، فكلماته وأفعاله حتى الآن تشيرإلى نية حقيقية لإعادة تشكيل السياسة الخارجية الأميركية جذريا.

مصادر معنية بالشأنين الاميركي والاوروبي  توضح لـ"المركزية" أن " انحياز ترامب الجديد لروسيا، تجلّى من خلال الرسائل التي بعثها إلى أوروبا عن طريق نائبه جي دي فانس ووزير دفاعه بيت هيغسيت في مؤتمر ميونيخ. إذ شدد فانس على حرية التعبير للقادة الأوروبيين، مدعياً إن الخطر الأكبر الذي يواجهونه ليس متمثلا في روسيا أو الصين، بل في رفضهم قبول القوى اليمينية المتطرفة في مجتمعاتهم. أما هيغسيت فقال إن استعادة أوكرانيا لجميع أراضيها المحتلة غير ممكن، وأن لا مستقبل لها في حلف الناتو". وهذه المواقف تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن مواقف روسيا.

انحياز ترامب لروسيا لم يعد ضمنياً. ففي الجمعية العامة للأمم المتحدة رفض القرار الذي يدين الاعتداء الروسي على أوكرانيا قبل ثلاثة أعوام، وأعلن تأييده لكل من روسيا وكوريا الشمالية وروسيا البيضاء، وعدد من زعماء الدول مما أثار إعجاب ودهشة قادة روسيا لانحياز ترامب العلني والصريح إلى جانبهم.

إلى ذلك، لا تخفي المصادر نية ترامب قطع علاقاته مع الإرث السياسي الذي تعامل به رؤساء جمهوريون وديمقراطيون منها التعاون مع الحلفاء وتحديدا حلف الناتو وقد أعلن عن ذلك في أحدى مؤتمراته الصحافية عندما قال" الإدارة الأميركية تعتزم القيام بقطيعة حاسمة مع قيم السياسة الخارجية للحكومة السابقة، وبصراحة مع الماضي"، وكأنه بذلك يريد أن يكون المشرف والمنفذ لهندسة علاقات دولية جديدة مبنية على مناطق نفوذ للدول الكبرى على غرار تلك التي كانت سائدة بين الدول والإمبراطوريات الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر.

واللافت تردف المصادر، أن الولايات المتحدة اعترضت على وصف روسيا ب"المعتدي" في الحرب ضد أوكرانيا في مسودة قرار أرادت مجموعة الدول الصناعية السبعة إصداره في الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا. حتى أن الولايات المتحدة رفضت اقتراح ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا تقديم مساعدة عسكرية أميركية لأي قوة حفظ سلام أوروبية، تشمل توفير الغطاء الجوي والمشاركة في المعلومات الاستخباراتية، وكان يردد بأن بلاده قدمت لأوكرانيا هبات بقيمة 350 مليار دولار، وأنها، بعكس الأوروبيين، لم تقدم القروض التي يجب أن تسددها لهم، مما أرغم ماكرون وستارمر على تصحيحه علناً في البيت الأبيض، والتأكيد بأن أوروبا قدمت أيضاً هبات وضمانات قروض لأوكرانيا بقيمة 145 مليار دولار. في حين أن المساعدات الأميركية لأوكرانيا بلغت 140 مليار دولار معظمها أعطي لشركات الأسلحة الأميركية لتزويد أوكرانيا بالعتاد.

خلاصة الكلام يبدو أن قيصر روسيا قرر أن يتحرر بدوره من إرث القياصرة الذين حكموا الإتحاد السوفياتي سابقا، ويصر على أن تدخل روسيا بوتقة النظام العالمي الجديد يدا بيد مع الزعيم الأول ترامب. على أن عملية ترسيم الحدود بين الدول ستكون وفقا لحضارة الدول وثقافتها وليس قوتها العسكرية والإقتصادية وخلق مناطق نفوذ خاضعة لها. وهذا ما يفسر استخفاف ترامب بأوروبا، واحترامه "الجديد" لروسيا بوتين. وفي حال أخفق ترامب وانكسرت الجرة مع روسيا آنذاك لا بديل عن الفوضى العالمية.

إخترنا لك

Flat Ara
Beirut, Lebanon
oC
23 o