جوانا فرحات
المركزية- على هامش بركان الأخبار الميدانية للحرب الإسرائيلية-الإيرانية، خبرٌ يؤشر لأكثر من دلالات. في تفاصيله أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي قام بتفويض جزء كبير من صلاحياته إلى المجلس الأعلى للحرس الثوري، في الوقت الذي لا يزال فيه "مختفيًا هو وعائلته". ويحمل هذا التفويض دلالات استراتيجية وسياسية عميقة، تمس جوهر النظام الإيراني وتوازن القوى داخله.
مصدر ملم في الشؤون الإيرانية يوضح لـ"المركزية" أن خامنئي، منذ بداية حكمه، اعتمد على الحرس الثوري كـ "حامي النظام". ومع مرور الوقت، بدأ يفوّضه تدريجيًا بمهام شملت إلى الأمن، الاقتصاد من شركات مهمة أبرزها خاتم الأنبياء والإعلام المحسوب على الحرس الثوري، وصولاً إلى السياسة الخارجية مثل دعم حزب الله، الحشد الشعبي، الحوثيين. ويشمل التفويض المعلن عنه اليوم صلاحيات شبه سيادية كالمفاوضات الإقليمية، والرقابة على الفضاء الإلكتروني، وإدارة النزاعات الداخلية والخارجية.
القرار يأتي في لحظة مصيرية تشهدها إيران في ظل الحرب الدائرة اليوم مع إسرائيل، من هنا ترجح المصادر أن يكون تفويض خامنئي صلاحياته للحرس الثوري نتيجة انحسار دور المؤسسات المدنية والإصلاحية وتراجع دور موقع الرئاسةخصوصًا بعد انتخاب إبراهيم رئيسي، الذي يُنظر إليه كمنفذ لتوجيهات المرشد، وتضاؤل تأثير مجلس الشورى التشريعي، وتغليب الطابع الأمني على مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام وهذا التمركز العسكري يُضعف النخب الإصلاحية، ويقوّض آلية التوازن داخل النظام.
حتى الآن لا يبدو أن قرار تغيير النظام في إيران قد وُضع على نار حامية، أقله من جانب الولايات المتحدة الأميركية وإن كان تهديد خامنئي المباشر قد صدر من جانب حكومة نتنياهو العسكرية أمس على خلفية القصف الإيراني الصاروخي الصباحي على مستشفى سوروكا في بئر السبع. لكن الواضح أن المرشد الأعلى أراد إيصال رسالة ضمنية إلى المعارضة في الداخل وأميركا وإسرائيل والمجتمع الدولي عموما مفادها "حتى لورحل الولي الفقيه أو اغتيل إلا أن الحرس الثوري باقٍ كحارس للثورة والدولة".
السفير الأسبق هشام حمدان يقرأ في عملية تفويض خامنئي الجزء الأكبر من صلاحياته للحرس الثوري خطوة لتعزيز موقعه ويقول لـ"المركزية" "أعتقد أن هذا الموقف هو بمثابة فتوى تسمح للحرس الثوري بإعلان حالة الطوارئ في البلاد وفقاً لمفاهيم الطوارئ التي تعطي القوة العسكرية الصلاحيات والأمر المباشر بإعلانها تحت حجة حماية الأمن. وفي هذه الحالة يصار إلى تقييد الحريات العامة والإعلام وكل ما يتصل بالحياة الديمقراطية".
يضيف حمدان " لا شك أن حالة الطوارئ هي نوع من الدفاع عن النظام في إيران الذي يعيش اليوم حالة مصيرية . وأما اعتبار عملية تفويض خامنئي جزءا كبيرا من صلاحياته للحرس الثوري مؤشرا لإسقاط النظام فهو ليس دقيقا، لأن هذه المسألة حساسة جدا نسبة إلى العلاقات الدولية، بحيث يصعب على أية دولة أن تعلن عن نيتها أو رغبتها في إسقاط النظام في دولة هي عضو في الأمم المتحدة إلا إذا اتخذت موقفا عدائيا منها أو كانت تخوض معها حربا علنية، كما الحال بين إسرائيل وإيران.من هنا تستطيع إسرائيل أن تقول أنها تسعى لإسقاط النظام في إيران لأنها في حالة حرب معها، أما الولايات المتحدة الأميركية فلا مبرر لديها. والأمر أيضا يتعلق بوجود قوى محلية مستعدة لتولي النظام في حال سقوط السلطة الحالية".
يسقط النظام ومعه ولاية المرشد الأعلى أو لا يسقط؟ إنه السؤال الأكثر جدلا وإلحاحا في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران والأهم من يسقط النظام؟ ومن مكان إقامته في الولايات المتحدة حيث يتابع عن قرب تطورات الأحداث يقول السفير حمدان" هناك جدل كبير داخل الولايات المتحدة بين مؤيد ومعارض لفكرة إسقاط النظام الإيراني. حجة المعارضين أنهم لا يريدون أن تتورط الولايات المتحدة مجددا في ما يشبه ما حصل في العراق عندما قام بوش الإبن بإسقاط نظام صدام حسين. وهم لا يريدون أن يتكرر هذا المشهد ويؤدي بالتالي إلى تدخل عسكري أو أعمال عسكرية وسواها. ما تريده الولايات المتحدة هو نزع السلاح النووي إو إمكانية إقامة سلاح نووي في إيران. ولا اعتراض لدى الولايات المتحدة وسواها أن يكون لدى إيران طاقة نووية للإستخدامات السلمية . هذا هو لب المفاوضات التي كانت قائمة لكن إيران تتشدد في الشروط المطلوبة منها، حتى أنها أخلّت بمعاهدة عدم نشر الأسلحة النووية بحسب تقرير الوكالة الذرية. حجج استندت إليها إسرائيل لضرب النووي في إيران وتحقيق حلمها بإنهاء الجمهورية الإسلامية، وهي بذلك أحرجت الموقف الدولي والولايات المتحدة".
" نحن أمام حالة تزاوج بين مصالح وطنية خاصة ومصالح أميركية على مستوى علاقات الولايات المتحدة الدولية. ولهذا السبب يقول ترامب " قد نضرب وقد لا نضرب إيران" وإذا كانت هناك من ضربة أميركية فهو يحددها بالمفاعل النووية التي تُستخدم لإقامة قنبلة نووية. أكثر من ذلك هو يقول " نعرف مكان المرشد ويرفض القبول بالطلب الإسرائيلي باستهدافه لأنه لا يريد أن يتورط إنما يتصرف كزعيم تحت شعار إعادة أميركا قوة عظمى".
وفي ما خص المرشد الأعلى والصلاحيات التي فوضها إلى الحرس الثوري يختم السفير حمدان" نظام الجمهورية الإسلامية لا يزال قائما وعندما يمنح خامنئي جزءا كبيراً من صلاحياته للحرس الثوري، إنما يفعل ذلك لمنح القوة العسكرية ،أي الحرس الثوري، صلاحيات استعمال السلطة التي تصيب حقوق الإنسان في العمق. وبذلك يعزز موقعه وصلاحياته من خلال استخدام القوة لضرب المعارضة من دون أن يعطي الأوامر بذلك لأن الصلاحيات بيد الحرس الثوري".