بعد حرب غزة...حل دولتين وتحلل دولة
نجوى ابي حيدر
المركزية- منذ لحظة تنفيذ "طوفان الاقصى" في 7 تشرين الاول الماضي، لا تنفك الجمهورية الاسلامية الايرانية تنفي اي علاقة بالعملية المُخطط لها والمُنفذة من قبل حماس حصرا. وحينما اجتمع الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على هامش القمة العربية- الإسلامية في الرياض، قال له أن "المنطقة اليوم بحاجة إلى المقاومة والصمود، ولبنان وفلسطين رمز للمقاومة....ويحاول البعض الإيحاء بأن (فصائل المقاومة) تعمل بأوامرمن إيران، بينما نفينا هذا الادعاء مرارا وتكرارا، وأعلنا أن فصائل المقاومة مستقلة في التشخيص والقرار والعمل".
على وقع التساؤلات المرتسمة في افق مواقف رئيس ايران حول كيفية التوفيق بين ما يعلن، وما سبق واعلنه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله من ان مأكله ومشربه وماله وسلاحه من ايران وانه يفتخر ان يكون جنديا في ولاية الفقيه، تؤكد اوساط دبلوماسية غربية لـ"المركزية" ان ايران وحزب الله كانا وراء الحرب في غزة، ونفيهما المعلن لا يعكس واقع الحال ولا الحقيقة الساطعة، بل هو مجرد تعمية لاستمرار استثمار ملف غزة بطريقة ذكية، استتبعت بكسب ود الشارع السنيّ، الذي انخرط في اللعبة فرفع صور ابوعبيدة في طريق الجديدة وعلى طريق مطار بيروت ، كما رُفعت في الضاحية الجنوبية لابعاد الطابع المذهبي عن الحرب، لا سيما ان الفلسطينيين في الداخل رفعوا شعار تخلي ايران وحزب الله (شيعة) عن حماس (سنة). والانخراط هذا لم يقف عند حدود التأييد شفهيا، لا بل انضمت تنظيمات سَلَفية ومنظمات اصولية الى المواجهة بدليل ان من بين من قتلوا في الجنوب باستهداف سيارتهم بغارة اسرائيلية، ، لبناني كان مسجونا على خلفية مشاركته في حوادث الضنية عام 2000 ثم شارك في الحرب في سوريا ضد النظام وحزب الله بعد اطلاق سراحه، في معادلة غريبة عجيبة، اذ كيف يُفَسَر ان من قاتل الحزب في سوريا يقاتل الى جانبه في حرب غزة.
بعيدا من مدى نجاح الاخراج الايراني لعملية طوفان الاقصى او فشله، وقد بلغ عدد الشهداء الفسطينيين ما يناهز 15 الفا والمصابين نحو 35الفا والمفقودين 7 الآف ، تقول المصادر الدبلوماسية ان لبنان وحده من بين سائر دول محور الممانعة بقيادة ايران شرّع حدوده الجنوبية وأُقحِم في الحرب، باعتبار ان الدولة غير معنية بما يجري وليس قرار الحرب والسلم في يدها كما اعلن رئيس الحكومة ، وتم فتح جبهته تحت شعار اشغال العدو وشل ثلث قدراته العسكرية، بحسب الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي حوّل لبنان ساحة مستباحة لمحور الممانعة تُرفع في شوارعه وساحاته صور القادة الايرانيين ومجسمات وتماثيل وشهداء المحور، فباتت ارض الجنوب سائبة يستبيحها كل من يحلو له اطلاق صاروخ في اتجاه اسرائيل، من داخل القرى الآمنة متسببا بتداعيات كارثية على اهلها.
حال لبنان باتت تستوجب اليوم تعاطفا عربيا واقليميا ودوليا بقدر ما تحتاج فلسطين وربما اكثر. فالضريبة التي دفعها ويدفعها اللبنانيون بسبب القضية الفلسطينية منذ النكبة بلغت الخط الاحمر. وقد غابت كل جبهات الصمود والتصدي من سوريا والعراق الى الجزائر والدول التي كانت في المحورالفلسطيني ، وتبخرت معها المواجهة العربية. وحده لبنان بقي على موقفه الداعم للفلسطينين على رغم تجاوزات لا تغتفر ارتكبتها منظمات فلسطينية بحق الدولة والشعب وصولا الى محاولة بعضها اتخاذ لبنان وطنا بديلا. وعلى رغم ذلك، لم يعاقب اللبنانيون الفلسطينيين الذين يتمتعون بامتيازات استمرت بعد الغاء اتفاق القاهرة.فهم يعيشون في مخيمات مسلحة، يمنع على الدولة دخولها وضبطها ، وتندلع اشتباكات بين الفصائل يمنع على القوى الامنية دخولها . شأن لايحصل في اي دولة حتى في سوريا قلعة الصمود والتصدي، حيث نكّل جيش النظام بفلسطينيّ مخيم اليرموك بعد اتهامهم بدعم الثورة، من دون ان يصدر ادنى مواقف ادانة ، فيما يرفض الرئيس بشار الاسد فتح جبهة الجولان.
اثبتت حرب غزة بما لا يرقى اليه شك، بعد اعلان نصرالله ان دور الحزب هو المساندة وانه لن يوسع الجبهات، ان سردية حتمية استمرار المقاومة لحماية لبنان واللبنانيين وتحريرارضه سقطت، كما الشعارات التي رفعها ضد اسرائيل، واعلانه منذ اشهربعد اجتماع لفصائل الممانعة في بيروت بحضورمسؤولين امنيين عن قيام غرفة عمليات مشتركة وتوحيد الجبهات والساحات. وثبُت للقاصي والداني ان الحزب يعمل وفق الاجندة الايرانية لا اللبنانية، وللغاية استقدم فصائل الممانعة الى الجنوب لفتح الجبهة ضد اسرائيل.
اذا كان قادة العالم وفي مقدمهم الرئيس الاميركي جو بايدن يؤكدون ان حل النزاع الفلسطيني -الاسرائيلي لن يكون الا بحل الدولتين، فالأجدى باللبنانيين والمهتمين ببقاء لبنان على الخريطة العالمية ان يهبوا لانقاذه سريعا وتحريره من الارتهان للقوى الاقليمية من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية وتحديدا الـ1701 والـ1559 ،لأن خلاف ذلك، يعني قيام دولتين، وزوال دولة .