جوانا فرحات
المركزية - منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية ارتسم السؤال الوجودي الأكثر إلحاحاً، كيف ستنتهي هذه الحرب وهل الهدف منها القضاء على البرنامج النووي ومنشآت تخصيب اليورانيوم في طهران أم إسقاط النظام بعدما بدأت ترتسم خارطة الشرق ألاوسط الجديدة بعيدا من الأنظمة المتشددة؟ وإلى أي مدى هناك قدرة لدى إسرائيل التي تخوض وحدها تلك الحرب الوجودية على إسقاط النظام الإيراني وهل تذهب إيران إلى رفع الراية البيضاء بعدما قضت إسرائيل على كل برنامج دفاعاتها الجوية وباتت طائراتها تسيطر على سماء طهران؟
واللافت أن منذ اندلاع الحرب لم تُنشر عبر القنوات الإيرانية الرسمية سوى حصيلة القتلى من كبار مسؤولي الحرس الثوري الإيراني وعدد من العلماء النوويين مع بيانات مجتزأة حول استهداف المنشآت العسكرية والنووية، وأرقام متفرقة عن القتلى والجرحى أعلنها بعض المحافظين، أو نوابهم، أو في بعض الأحيان مسؤولو الهلال الأحمر في المدن.وكثيرًا ما يحاول المسؤولون الإيرانيون عرض الحقائق بالطريقة التي يرونها "صائبة" لمنع ما يسمونه "اضطرابات" و"حربًا نفسية" و"إثارة البلبلة"، ولذلك نسمع باستمرار عبارات مثل "الأضرار طفيفة"، و"المدن آمنة"، و"لقد لقّنا العدو الآن درساً قاسياً". لكن، هل المدن فعلاً آمنة؟ وهل جرى حقاً تلقين "العدو" درساً قاسياً؟ وهل بدأت بداية نهاية النظام الإيراني ترتسم أم ستكون مجرد عملية تقليم أظافر؟
"إسقاط النظام الإيراني نتيجة الحرب مع إسرائيل أمر ممكن نظريًا، لكنه غير مرجّح عمليًا على المدى القريب" تقول مصادر جيوسياسية لـ"المركزية" وتضيف" في حال تطورت هذه الحرب إلى مواجهة شاملة، وترافقت مع انتفاضة شعبية داخلية قوية أو في حال حصل تغيير مفاجئ في الموقف الدولي، آنذاك يمكن ترجيح نظرية إسقاط النظام الإيراني لكن المرجّح أكثر هو أن هذه الحرب، مهما اشتدت، ستؤدي إلى تقليم أظافر إيران إقليميًا لا إسقاط النظام كليًا. وقد أظهر الإيراني مرونة وقدرة على البقاء على رغم الضغوط ومحاولات الإنقلاب التي انتهت باعتقال المتمردين وقادة المعارضة داخل إيران وزجهم في السجون أو تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم".
صحيح أن كثيرًا من دول العالم تتجه نحو أنظمة أكثر اعتدالًا، سواء في ما يتعلق بحقوق الإنسان، أو الحريات الشخصية، أو السياسات الخارجية الأقل عدوانية، وهذا التحول ناتج من ضغط شعبي داخلي، وتشابك الاقتصاد العالمي، و هيمنة خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية في النظام الدولي، لكن الأهم هل تريد الدول إسقاط النظام الإيراني وفرض الأكثر اعتدالاً، وهل يملك المجتمع الدولي الحق القانوني في فرض نموذج سياسي معين، علماً أن هذا لا يحصل إلا في حالات قصوى مثل الإبادة الجماعية أو الاحتلال.
الباحث السياسي عباس هدلا يطرح جملة أسئلة قبل الوصول إلى الهدف من هذه الحرب التي يذهب البعض إلى تحديدها بإسقاط النظام الإيراني ويقول لـ"المركزية"، "الفكرة الأساسية التي يجب أن ننطلق منها هي أن إسرائيل بادرت بهذه الحرب وكانت تعلم أنها ستكون مكلفة بدليل أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال عند بدء الهجمات الإيرانية على تل أبيب بالصواريخ الباليستية"ستأتي أيام صعبة علينا". والسؤال الذي يطرح، هل ثمة ضوء أميركي أو تنسيق أميركي-أوروبي- إسرائيلي في هذه الحرب؟".
حتى الآن لا وجود لأي دعم مباشر من أميركا، وإسرائيل تخوض الحرب وحدها فهل تكون أميركا على ثقة تامة بأن إسرائيل قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني وحدها؟ واللافت، يضيف هدلا أن " لماذا لا تبادر الدول إلى القضاء كليا على البرنامج النووي بعدما تمكنت إسرائيل من تدمير منشآت الدفاعات الجوية في إيران وباتت تتحكّم بالمجال الجوي الإيراني ؟ وهل إن هدف إسرائيل تدمير البرنامج النووي ومنشآت الصواريخ البعيدة المدى أم هناك اتفاق أميركي-إيراني-إسرائيلي تحت الطاولة ويصار إلى تظهيره تحت النار؟".
على الصعيد العسكري أظهر النظام الإيراني ضعف دفاعاته الجوية "وبالتالي فإن إسقاط النظام الإيراني ليس بالصعب لكن هل هناك رغبة في ذلك، أم أن هناك حاجة ملحة لإبقاء نظام متشدد سني أو شيعي في الشرق الأوسط؟".
من السيناريوهات المطروحة حول إمكانية أن تكون خواتيم الحرب الإسرائيلية -الإيرانية إسقاط النظام، حصول انفجار شعبي واسع النطاق يقود إلى سقوط النظام أو إضعافه بدرجة تجبره على التفاوض على دستور أو نظام جديد، وهذا يشبه ما حدث في أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. أما العوامل المساعدة فتتمثل بانفجار اقتصادي وانهيار العملة، وحصول انشقاقات داخل الجيش أو الحرس الثوري. والسيناريو الثاني هو دخول إيران في حرب شاملة ومباشرة مع أميركا وإسرائيل معا تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة وسقوط النظام كما حدث في العراق عام 2003، والقيام بهجمات خارجية مركزة على القيادة والجيش، بالتزامن مع انتفاضة داخلية .
وفي هذا السياق، يوضح هدلا أن "الضربات التي تتلقاها إسرائيل اليوم موجعة ولا أحد يعلم مدى قدرتها على التحمل وقد تستمر الحرب لسنة وأكثر كما حصل في حرب غزة والجنوب، وقد تتطور الأمور وصولا إلى إسقاط النظام. لكن الضربة الأخيرة في نهاية المطاف هي لإسرائيل لأنها تملك القنبلة النووية. فهل تفعلها إسرائيل؟
ويختم: " الواضح أن النظام الإيراني أضحى غير مؤاتٍ لسياسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية وكما هو ظاهر للعيان فإن الأنظمة غير قابلة للسقوط، إلا إذا أضحت غير ملائمة لسياسات الدول الغربية . فهل يسقط النظام الإيراني أم يقتصر الهدف على تقليم أظافره؟ وهل البديل المرضى عنه موجود؟
الأجوبة ترتبط بتطور الحرب فإذا ما استمرت لأسابيع معدودة ، هذا يعني أن أمورا ستتغير بعد فترة وجيزة ويجلس الأعداء إلى طاول مفاوضات. أما إذا طال أمد الحرب فالنهاية ستكون بإسقاط النظام ليوائم الشرق الأوسط الجديد ".