

أمام البيان الوزاري هل يُعلن حزب الله حلّ جناحه العسكري؟
يشكّل الإنسحاب الإسرائيلي المرتقب استكماله اليوم من جنوب لبنان التحدي الأكبر أمام انتقال الحكومة اللبنانية لمواجهة نتائج وذيول مرحلة طويلة امتدت لعقود وانتهت بحرب مدمرة أُخضع لها لبنان. مواجهة عدم إلتزام إسرائيل بالتاريخ المحدد للإنسحاب سيواجه بموقف وطني جامع كما قال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وفي هذا الموقف تحديد واضح لخيار الدولة في المواجهة في ظلّ الظروف والمعطيات القائمة.
يتزامن خيار الدولة إياه في التعامل مع الإنسحاب الإسرائيلي مع إقرار حكومة نواف سلام لبيانها الوزاري الذي ستمثل على أساسه أمام المجلس النيابي لنيل الثقة، حيث يشكل إلتزام الحكومة تطبيق وقف إطلاق النار مادة أساس في متنه. تختصر الحيثيات المتلازمة في متن البيان جملة من العناصر غير المسبوقة التي تلتقي عند ممارسة السيادة الوطنية، وأولها حصرية قرار الحرب والسلم بالدولة اللبنانية. لقد شاركت منظمة التحرير الفلسطينية الدولة اللبنانية هذا القرار منذ توقيع اتّفاق القاهرة في العام 1969 وحتى خروجها من لبنان في العام 1982، ليصبح القرار بعد ذلك سورياً قبل أن تتفرد به طهران منذ العام 2006 وحتى التوصل الى اتّفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024.
قبل أيام وفي السياق عينه نجحت الحكومة اللبنانية في اختبار سيادي آخر عندما رفضت هبوط طائرة إيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي بعد توفر معلومات بنقلها أموال نقدية موجهة لحزب الله، وبعد ذلك بمنع الطيران الإيراني من الهبوط في لبنان لأجل غير مسمّى. لقد عزا حزب الله ما قامت به الدولة اللبنانية لرضوخها لضغوط وإملاءات إسرائيلية على حساب السيادة الوطنية، في حين أنه يعيش تبعات عدم تقديره للمخاطر والذهاب في مغامرات عسكرية غير محسوبة بما لم يقم وزناً للسيادة وبما يضرب عرض الحائط بالمصالح الوطنية. لقد ألزمت مغامرات حزب الله اللبنانيين بتذوق لوعة الموت ومرارة التشرد والإقامة في جوار ركام المنازل، ثم دفع بهم في نهاية المطاف إلى مواجهات مع أبناء وطنهم في القوات المسلحة بعد تدمير الممتلكات العامة والإعتداء على القوات الدولية.
أمام العدوانية الإسرائيلية المشهودة وعدم الإنسحاب من النقاط الخمس في الجنوب اللبناني ماذا تعني مواجهة العدو بموقف وطني جامع وما هي نقاط القوة التي يستند إليها هذا الخيار؟
أولاً، إن الحيثيات التي وردت في متن البيان الوزاري والمتعلقة بالتزام تنفيذ القرار 1701 كاملاً دون اجتزاء ولا انتقاء، والتأكيد على ما جاء في القرارات ذات الصلة وما ورد في اتّفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، والتأكيد على الإلتزام بالترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية كما ورد في 27 تشرين الثاني 2024، تشكل بمجملها قطعاً مع كل ما قدّمته الحكومات السابقة من ثلاثيات مصطنعة ألقت بمسألة الدفاع عن لبنان في متاهات حروب إقليمية لا نهاية لها.
ثانياً، لقد أعاد البيان الوزاري مسؤولية الدفاع عن لبنان إلى موقعها الدستوري والقانوني من خلال وثيقة الوفاق الوطني التي تلزم الحكومة باتّخاذ كافة الإجراءات لتحرير الأراضي اللبنانية من الإحتلال وتأكيد حق الدفاع عن النفس بقواها الذاتية ونشر الجيش على الحدود الدولية. وتأتي في هذا الإطار الدعوة لبدء حوار جاد مع الدولة السورية يهدف الى ضمان احترام سيادة كلّ من البلدين وضبط الحدود من الجهتين، وفي هذا إسقاط لمفهوم المحاور الذي استمر لسنوات بين سوريا أو بين إيران عبر سوريا وقوى محلية على حساب السيادة اللبنانية.
ثالثاً، تأكيد إحتكار حمل السلاح بيد الدولة والدعوة الى سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والإقتصادية والعسكرية. قد يكون في استخدام تعبير استراتيجية أمن وطني إسقاط لكل المقاربات السابقة التي توخت من مناقشة الإستراتيجية الدفاعية التأكيد على النديّة بين سلاح حزب الله والجيش اللبناني و البحث عن سبل لتشريع سلاح الحزب وجعله جزءاً من القوات المسلحة الحكومية.
لا بد من التوقف ملياً عند شجاعة الحكومة في العبور بلبنان الى رحاب الدولة. تشكل نقاط القوة المشار إليها في البيان الوزاري الأرضية الصلبة التي ستمكن لبنان الرسمي من التوجه الى المجتمعين العربي والدولي لإلزام إسرائيل بالإنسحاب، وإسقاط استخدام النقاط الخمس كورقة ضغط إسرائيلية يقبلها المجتمع الدولي للإبقاء على الإحتلال تحت ذريعة الدفع بلبنان لتطبيق ترتيبات وقف إطلاق النار باسرع وقت ممكن.
إنّ التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة يكمن في تسليم حزب الله بالتحوّل الفعلي من ميليشيا مسلحة إنتهى دورها إلى حزب سياسي واعد وقادر على المشاركة السياسية الديمقراطية. إن أسمى ما يمكن أن يقدمه حزب الله لجمهوره وللبنانيين جميعاً لإخراج إسرائيل من الجنوب هو المسارعة الى إعلان حلّ جناحه العسكري وتسليم سلاحه للجيش. وقد يقدم حزب الله في هذا لجمهوره ما لم تتمكن ترسانته العسكرية من تحقيقه. فهل يفعلها حزب الله؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء