المركزية – بينما من المرتقب أن تعقد جولة سادسة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة، لم يحدد موعدها بعد، أعرب مسؤولون أميركيون وأوروبيون عن مخاوفهم من أن تقرر تل أبيب توجيه ضربات إلى طهران دون سابق إنذار، حسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية .
وكشف مصدران مطلعان لموقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي عن تفاصيل مقترح قدمته الإدارة الأميركية لإيران بشأن برنامجها النووي، مشيرين إلى أن الاقتراح لا يتضمن تفكيكا كاملا لجميع المنشآت النووية الإيرانية، كما يسمح لطهران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3 بالمئة، في حال تم التوصل إلى اتفاق.
ورجّح المصدران أن يؤدي المقترح إلى زيادة حدة التوتر بين إدارة ترامب وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي لطالما طالبت بسياسة أكثر صرامة تجاه إيران ورفضت أي تسوية تسمح لها بالحفاظ على قدرات نووية مهما كانت محدودة.
فما حظوظ قبول ايران بالمقترح الاميركي؟ وما احتمال توجيه اسرائيل ضربة الى ايران؟
العميد المتقاعد ناجي ملاعب يؤكد لـ"المركزية" ان "من يقرأ كتاب رقعة الشطرنج لزبيغنيو بريجينسكي، المستشار السابق للامن القومي الاميركي، يجد أنه ينصح الولايات المتحدة الاميركية بعدم التخلي عن ايران من حيث موقعها الجغرافي الجيوسياسي. هي درة اوراسيا اي أنها تتحكم عمليا بطريق الحرير وتتحكم ما بين الصين واجتياز آسيا الى اوروبا. صحيح ان بإمكان تركيا ان تكون صلة الوصل، لكن ايران تتمتع بهذه الأهمية. لذلك، فإن التخلي عن ايران سيلحق الضرر بالولايات المتحدة. هذا ما قاله بريجينسكي".
ويشير ملاعب إلى أن "واشنطن لا تنظر الى الامور على المدى المنظور فقط بل الى الامن القومي الاميركي لمرحلة اطول، وتضع خططا لعشرات السنوات. اذا كان الهدف الذي طرحه حاليا الرئيس دونالد ترامب "اميركا اولا" يعني إعادة الاهتمام بأميركا وتأسيس نظام عالمي ليبرالي، والذي سلكته الولايات المتحدة حتى ما قبل ترامب وما قبل النظريات الجديدة، الهدف منه نشر الديمقراطية في العالم ومساعدة الدول الفقيرة بحيث تصبح بدورها دولا صديقة وديمقراطية، لكن عندما تتساءل الولايات المتحدة اليوم اذا اعطينا في دولة افريقية مليون لقاح دفعت عن طريق الـusaid لمليون شخص. هذا اللقاح ما نفع الولايات المتحدة؟ لا شيء. اذا مات المليون شخص، ما المشكلة لدى اميركا؟ لا شيء. لذلك الامن القومي الاميركي اليوم يقتضي استعادة ايران، وذلك من خلال الطريقة التي يعتمدها العالم القوي دائمًأ وهي العصا والجزرة.
بالطبع من المهم جدًا حصول مباحثات تحت عنوان "النووي الايراني"، لكن لا ننسى ان ايران تختزن ثاني احتياطي غاز في العالم بعد روسيا. لذلك فإن الحاجة الاميركية اليوم للغاز الايراني كي تموّل به اوروبا مهم جدا. علمًا ان كل العقوبات لم تمنع ايران من تصدير غازها وموادها. وأيضًا، في حال اقتربت ايران من روسيا فإنها ستكرر اللعبة التي لعبها هنري كيسنجر في الماضي باستدراج الصين لاستعداء الاتحاد السوفياتي سابقا وبدء الرساميل الاميركية تتجه نحو الصين لإعادة احياء اقتصاد صيني بعيد عن الشيوعية والاتحاد السوفياتي. ما يُلعَب حاليا في ايران هو تقريبا الشيء نفسه، لأن العودة اليوم الى وفاق ايراني روسي لم يكن موجودًا سابقا، فقد سمعنا منذ خمس سنوات قبل ان تنشغل روسيا بأوكرانيا، بأن هناك مشروعا لسكة حديد شمال جنوب، يربط روسيا عبر ايران الى البحر. هذا مهم جدا لاقتصاد البلدين ولاقتصاد المنطقة ككل، ويحيي اقتصادات خارج الولايات المتحدة، لذلك فإن استعادة ايران هدف اساسي قبل إرضاء اسرائيل وهذا واضح".
اما عن النووي فيقول: "عندما عقدت المفاوضات عام 2015 حول النووي، كانت المفاعلات النووية الايرانية تُنتج 5 كلغ من الماء الثقيل، واصبحت نتيجة العقوبات تعتمد على مواد من صناعتها بشكل يُسرِّع التخصيب، حتى اكثر من باقي الدول، ولديها طاقم من العلماء الفيزيائيين والكيميائيين والنوويين لا يقل عن 10 الاف عامل يعملون في الطاقة النووية. اليوم وضِعت الـ5 كيلو في دولة ثالثة، لكن انفضح أمر ايران بأنها ما زالت تخصب على المستوى العالي. ايران تقول بأنها لا تريد صناعة قنبلة نووية، لكن اصعب انواع التخصيب هو الوصول الى ما فوق الـ19 أو الـ20 في المئة ويستغرق وقتًا طويلًا، بينما الـ4 و 5 في المئة للاستخدام السلمي سهل. كما ان القفزة من 19 الى 89 في المئة سهلة جدا وتتيح لها صناعة قنبلة نووية. لذلك نرى ان المباحثات اليوم تتم على مراحل، لتقييد التخصيب ضمن معدل الـ4 ونصف بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هنا، لا تثق الولايات المتحدة بأن الوكالة الذرية تقوم بعملها بشكل جيد، لأن اذا عدنا الى الوراء الى عهد الرئيس باراك اوباما، عندما بدأ بالمباحثات عام 2015 مع ايران، قال في إحدى خطبه في الامم المتحدة بأن ايران تغشنا واكتشفنا ان هناك مفاعل في إحد الجبال ( مفاعل نطنز) لم تعلن عنها ايران لوكالة الطاقة الذرية".
ويسأل: "هل ان اميركا بحاجة لأن تقوم اسرائيل بضربة حتى تخضع ايران لشروط الولايات المتحدة بالتخصيب السلمي؟ اعتقد ان تجربة الحوثيين تمنع اسرائيل من مواجهة ايران، لأن الاخيرة سترد الصاع صاعين واكثر، وهي تجهز نفسها. رغم كل الاساطيل التي ارسلتها، لم تستطع الولايات المتحدة القضاء على الحوثي في اليمن، ومازال يطلق صواريخه على اسرائيل. اميركا لملمت عسكرها بحجة انها اتفقت مع الحوثيين بشكل غير مباشر بأن تكون الملاحة آمنة، وتعتقد انها حققت هدفها لكن من غير الاشتراط بوقف قصف اسرائيل".
ويختم ملاعب: "هذا الموضوع يثبت ان العمل العسكري الاميركي الذي فشل في اليمن يعني ان العمل الاسرائيلي مع ايران سيفشل أيضًا. لذلك هذا ليس تخلٍيا عن اسرائيل ولكن اذا ارادت تل أبيب ان تدخل في مواجهة وتضرب طهران، لن تكون نتيجته سهلة على اسرائيل. لذلك اعتقد ان الامور ستصل الى خواتيمها والعودة الى نصيحة بريجينسكي بأن استعادة ايران اهم بكثير من ان تكون ايران دولة عابثة في المنطقة بأمن اسرائيل وامن الممرات".