بين لبنان وتركيا...اختلاف في مقاربة عودة النازحين !
يولا هاشم
المركزية - في شهر نيسان الماضي، كشفت وزارة الداخلية التركية، ، أن عدد السوريين المسجلين في تركيا بلغ 3 ملايين و435298 سوريا، في حين بلغ عدد العائدين إلى بلادهم 549407 .
ويعيش في تركيا حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري، نصفهم تقريباً في الولايات التركية الجنوبية التي دمرها زلزال 6 شباط، مثل ولايتي هاتاي وغازي عنتاب، الواقعتين عند الحدود مع سوريا، حيث قرابة 20 في المئة من سكان المنطقتين من السوريين.
أما في لبنان فقد نشر رئيس لجنة الإقتصاد والتجارة النائب فريد البستاني على منصة "اكس"، جدولاً إحصائياً يبيّن توزّع وجود النازحين السوريين في المناطق والأقضية اللبنانية الـ26، أظهر "أنّ الرقم الإجمالي للنازحين هو 113,761, 2 نازحا وأنّ العدد الأكبر منهم استقر في قضاء بعلبك، وبلغ نحو 300 ألف و842 نازحاً".
لكن الفرق بين البلدين هو ان تركيا سمحت للنازحين بالعودة الى بلادهم بعدما فتحت الحدود مع سوريا في خطوة وصفتها اوساط سياسية غربية بأنها للضغط على الرئيس بشار الاسد بعد رفضه المصالحة وحمله على اعادة فتح قنوات التواصل للمصالحة التي سبق لروسيا ان عملت عليها، في حين تستخدم سوريا النازحين في لبنان كورقة ضغط على الدولة للتطبيع مع النظام رغم مطالبة لبنان المستمرة بتأمين عودتهم الكريمة إلى بلادهم، وآخرها الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب في نيويورك مع وزير خارجية سوريا ونائبه واثار موضوع النازحين وخطورة استمرارهم في لبنان، وتم الاتفاق على زيارة بوحبيب سوريا لوضع خطة لعودتهم. فلماذا هذا الاختلاف في التعامل مع النازحين بين لبنان وتركيا؟
السفير السابق في واشنطن رياض طبارة يؤكد لـ"المركزية" "ان القرار في تركيا يُتّخذ بسهولة ويُطبّق، ففي النظام التركي إذا طلب الرئيس رجب طيب أردوغان فتح الحدود فإن طلبه يتحقق، بينما في لبنان الحدود سائبة، ولطالما كانت كذلك، وليس الأمر بجديد. حتى عندما كانت سوريا في عزّها ولبنان في أوجه، كان عدد السوريين في لبنان نحو 500 ألف. الحدود مفتوحة بين البلدين ولا تتطلب فيزا أو معاملات معينة، كما ان الحدود واسعة والممرات متعددة، واخيراً حصلت مشاكل قريبة من الحدود السورية – اللبنانية لجهة الشمال، وتوترات وتخوّف الأهالي من حصول هجوم من قبل الجيش السوري، بما ان الحدود مفتوحة".
ويشير طبارة إلى أن "اتخاذ القرار في لبنان بات صعباً. عندما بدأوا بالتوافد، اقترح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط بإنشاء مخيمات على الحدود، لكن اليوم أصبحوا متوغلين في المناطق ومن الصعب الوصول إليهم وترحيلهم. فمن النادر أن نجد ناطور مبنى او مزارعا أو أي عامل غير سوري. اللبناني يقول بأنه لا يريد السوريين من جهة، ونجده من جهة أخرى وظف ثلاثة منهم أو أكثر غير شرعيين".
ويرى طبارة ان الحالتين مختلفتان، الاولى التركية ممسوكة سياسياً والقرار يُتّخذ بسهولة، والثانية اللبنانية حيث الحدود مفتوحة تاريخياً بين البلدين والمنافذ التي تسمح للسوريين بالدخول والخروج من والى لبنان كثيرة، والقرار صعب في لبنان. من بداية الطريق تمّ التعامل مع القضية بشكل عشوائي سمح للنازحين بالتوغل في المناطق".
وعن لقاء بوحبيب بنظيره السوري، يجيب: "المسألة لا تحتاج فقط الى لقاء بين وزراء الخارجية بل إلى اتصالات بين الدول الفاعلة واجتماعات غير معلنة، كما أن اللقاء الندّي بين وزيري خارجية البلدين يحتاج الى اقتراحات من الجهتين. لكنني لم أرَ اقتراحاً من جهة لبنان إلا الحديث عن زيارة سوريا، والأمور جامدة لا تتحرك، ولم يطوّر لبنان سياسة أو سيناريو يسمح له بالبدء بمفاوضات مع كل الدول الفاعلة ومع الامم المتحدة. اجتماع منفرد لا يؤدي إلى أي نتيجة، فقد يطلب خلاله وزير خارجية لبنان من نظيره مساعدة لبنان فيعده بذلك، وتنتهي القصة هنا. الحديث الدبلوماسي مهم، شرط أن يكون منظماً ومبنياً على اقتراحات، فيدخل الى الاجتماع حاملاً اقتراحاً معيناً، ومعه تبدأ المفاوضات، حيث يمكن لكل طرف أن يقدّم تنازلات معينة، وفي بعض الأحيان كلمة واحدة تؤدي إلى فرق واضح. لكن لا أعتقد حتى الساعة أن لدى لبنان أمرا مفصلا بما يقترحه على الدول. فقد طلب لبنان أموالاً وتمّت تلبية طلبه. اليوم ماذا نقول لهذه الدول؟ نقول بأن لبنان لم يعد باستطاعته أن يتحمّل عبء النزوح. الحلّ لا يأتي من خلال حديث وزير مع نظيره، بل بحملة منظمة مبنية على اقتراحات. لكن ما موقف لبنان حقيقة من السوريين؟ ليس لدينا موقف مفصّل قابل للتفاوض، بل مجرد تصريحات متباينة ومتناقضة. أعتقد ان لبنان مقصّر دبلوماسياً في هذا الخصوص وبالاتصالات الرسمية وغير الرسمية، لا حركة دبلوماسية لبنانية منظمة لعودة النازحين. العودة تحتاج أيضاً إلى قبول الطرف الآخر بها. هناك دول يمكنها أن تمون على سوريا، لكن لبنان لم يزر أيا منها، ولم نلمس أي ضغوط من الدول على سوريا. لا يكفي فقط الاجتماع مع وزير الخارجية السوري، بل نحتاج الى حملة متعددة الأطراف، والأهم ان تكون هناك وثيقة يتمّ على أساسها التفاوض".
وتعليقاً على المعلومات التي تشير إلى إعادة تحريك العلاقات السورية -العربية من خلال وفود عربية امنية قد تزور سوريا بعيدا من الاضواء للبحث في اعادة فتح السفارات على ان تترافق هذه الخطوة مع مواقف توضيحية من الاسد تحدد تموضعه السياسي في المنطقة، يجيب طبارة: "كانت هناك رغبة بإنهاء الانقسامات العربية، لكن ثمة مشاكل تعترض. قرر العرب بقيادة المملكة العربية السعودية والاردن إعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لكن خطوة مقابل خطوة، ومنها ان تضع سوريا حدا لتهريب الكبتاغون والعمل على عودة النازحين وغيرها، لكن سوريا لم تتجاوب على ما يبدو. انما العودة ليست مهمة بقدر التطبيع، فهل ستطبع الدول العربية مع سوريا وتنفتح الحدود بالشكل التي كانت عليه قبل الأزمة؟ لم يحصل شيء من ذلك، السعودية تقول صراحة أنها قامت بالخطوة الأولى لكن لم تقابلها خطوة ثانية من سوريا. والسؤال: هل ستُستكمل هذه الخطوات؟ يجوز ان الضغط بدأ، خاصة ما فعله الأتراك بفتح الحدود أمام النازحين للعودة، لكن الأمر يختلف بالنسبة للبنان الذي يحتاج الى توافق وميثاقية وعيش مشترك، وكلما صدر اقتراح يطل أحد ما معترضا . الحالتان مختلفتان، لبنان لديه نوع من الديمقراطية بينما في تركيا القرار أسهل وفاعل أكثر. لا مجال للمقارنة".