برج البراجنة.. ضياع معالم ونسبة ضئيلة تأبى مفارقتها
حين تصمت المسيرات وتتوقف الغارات وتنتهي الحرب، سيكون الألم صارخا في حضرة الدمار ورائحة الموت وهول ما فعلته الأيدي الإسرائيلية بلبنان.. حينها سيقف من يبكي من ذكرى منزل ويقول: «كان يا ما كان حينا ومنزلنا».
أحياء وأبنية سكنية كانت صدرت خلال الحرب قرارات متتالية بإعدامها، فمات من مات وتهدم ما تهدم وتصدع ما تصدع، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت هي اليوم أحد الأمثلة التي تختصر بؤس حال الكثير من مناطق الضاحية والجنوب والبقاع، التي تدمرت بالكامل إلى حد ضياع معالم أحياء فيها.
و«البرج» كما يحلو لسكانها تسميتها كانت قبل الحرب منطقة سكنية بامتياز، يقطنها ما يقارب 400 الف شخص من مختلف الطوائف، أي ما يشكل 6 إلى 7% من مجمل سكان لبنان. وهي منطقة مكتظة تمتد من الأوزاعي إلى منطقة الرمل العالي والأحياء الداخلية وجزء من مخيم الفلسطينيين. ما قبل الحرب في برج البراجنة ليس كما بعدها بالتأكيد. وقد نزح منها، كما قال رئيس بلديتها عاطف منصور لـ «الأنباء»، «نحو 99% من أهلها. ولم تبق سوى نسبة ضئيلة جدا تأبى مغادرة بيوتها». وأشار إلى أن «هناك من يأتي في الصباح الباكر ليتفقد منزله إن كان لا يزال صامدا ويجلب منه بعض الأغراض على عجل، قبل أن تفرغ المنطقة بعد الثانية عشرة ظهرا ولا يعود يشاهد أحد في أرجائها». وبحسب منصور، فإن «البلدية وضمن إمكاناتها المتاحة سعت غداة كل استهداف ليلي إلى استقدام الجرافات والعمال لفتح الطرقات التي تقفلها مخلفات الدمار، والى تأمين المياه وإصلاح شبكة الكهرباء». وأضاف: «انتشال آخر شهيد تم قبل عشرة أيام، وكان مضى على وجوده تحت الأنقاض نحو ستة أيام لتعذر دخول الآليات الكبرى ورجال الدفاع المدني خشية استهدافهم».
وعما إذا كان قد تم إحصاء الأضرار التي لحقت ببرج البراجنة حتى اليوم، قال منصور: «المسح غير شامل والإحصاء بالتالي أول.، وهناك 50 مبنى تهدم كليا، و30 تصدع، و10 مبان آيلة إلى السقوط فيما الشقق المتضررة بالمئات».
برسم السقوط إذا عشرة مبان في برج البراجنة، وهذه القنبلة الموقوتة دفعت البلدية إلى الطلب من أهل المنطقة توخي الحذر الشديد لدى الصعود إلى هذه الأبنية، في انتظار انتهاء الحرب وتشكيل لجان متخصصة من المهندسين للكشف على كل مبنى والمباشرة بإعادة الترميم.
وفي هذا الإطار، قال رئيس البلدية إن «وضع خطة مستقبلية منذ اليوم لإعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية التي تضررت بشكل كبير هو سابق لأوانه، ولكن الأكيد أن الورشة كبيرة جدا وتحتاج إلى تضافر جهود الدولة اللبنانية بكامل وزاراتها، في موازاة الدعم العربي والدولي».
خلال حرب يوليو 2006، نالت الضاحية الجنوبية لبيروت نصيبها من القصف والدمار ومن ضمنها برج البراجنة. أما في الحرب الراهنة، فإن الخسائر والأضرار تفوق آخر حرب بعشرات الأضعاف. وما لم تهب المساعدات إلى لبنان بهذا القدر، سيكون قدر اللبنانيين أن يذوقوا معاناة مريرة وطويلة.
بولين فاضل- "الأنباء الكويتية"