القرم يبدأ بتنظيم الإنترنت غير الشرعي هذا الأسبوع "بالجزرة لا بالعصا"
خطة جديدة أطلقتها وزارة الإتصالات تبدأ هذا الأسبوع، هدفها تنظيم عمل الإنترنت غير الشرعي في لبنان الذي يكبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة خاصة بعدما كشف وزير الإتصالات جوني القرم أن التقديرات تشير إلى وجود ما يقارب 600 ألف مشترك في الشبكات غير الشرعيّة، مما يعني أن العدد كبير والمكاسب أكبر. فكيف تعمل هذه الشبكات؟ ومن يحميها؟
يشرح وزير الإتصالات عبر «نداء الوطن» مسار الخطة ويؤكد أن المعايير يحدّدها المرسوم 9458 للعام 2022 البند 4 من خلال الفقرتين 16 و17، التي تحدد الآلية لتنفيذ هذه الخطة التي تشتمل على ضوابط محددة. «أولاً، عدم القيام بقطع الشبكة عن المواطنين، فالقضية لا يمكن حلها فقط من خلال قطع الكابلات و»خلصت الخبرية» ويصبح المواطن بدون إنترنت فهذا ليس خياراً. ثانياً، يجب القيام بمحاضر لضبط الشبكة لكل هؤلاء الموزعين للإنترنت غير الشرعي، وذلك قبل أن يصار إلى وصل الشبكة بشبكة الدولة وتعريفها وتعريف المشتركين لدى الدولة.
فعندما يتحقق هذا الأمر، يتوقف الإحتكار الموجود في المناطق ويصبح المشترك يملك الخيار لناحية إختيار الموزع الذي سوف يقدم له الخدمة الأفضل والسعر الأنسب. مع الإشارة إلى أن القانون 126، المتعلق بتنظيم الأصول الإدارية والمالية في المديرية العامة للهاتف، ينص على أن تكون الشبكة حصرياً باستخدام الدولة إن من حيث الشبكات السلكية أو الشبكات اللاسلكية وهذا هو القانون النافذ في لبنان. يعني أن كل ما حصل في الفترات السابقة حيث الدولة كانت غائبة أو متقاعسة أو غير قادرة أدّى إلى نشوء هذه الشبكة غير الشرعية والمخالفة للقانون 126 المذكور».
يتابع الوزير القرم «بعد ذلك، وهذا أيضاً ما ينص عليه المرسوم 9458، فإن وزارة الإتصالات لم تلجأ إلى خيار الإقصاء الكلّي لهؤلاء الناس الذين قاموا بإنشاء هذه الشركات. فبمكان ما هم قاموا باستثمارات واستحصلوا على زبائن. فالمرسوم يسمح لهؤلاء الأشخاص أن يتعاقدوا مع الدولة لكي يصونوا هذه الشبكة وذلك بعدما يتم وضع هذه الشبكة بتصرف الدولة. ماذا يعني هذا الموضوع؟ هذا يعني، ولكي لا يحصل أي التباس، أن الدولة لا تلجأ إلى تشريع هذه الشبكة بل على العكس يجب بداية أن يصار إلى ضبط الشبكة ومن بعدها يصار إلى التعاقد مع هؤلاء لصيانة هذه الشبكة. وفي هذا الإطار يسمح المرسوم 9458 بأن تقوم الدولة بدفع 30% من إجمالي الإيرادات لهؤلاء الأشخاص (الذين نطلق عليهم تسمية موزعي الحيّ) لصيانة هذه الشبكة».
«أخيراً، هناك نقطة أيضاً موجودة بالمرسوم، عندما يكتمل هذا الملف تتم إحالته إلى القضاء. لماذا هذا الإجراء؟ لأن الوزارة لا تملك صلاحية أن تقرّر ما إذا كان هذا الشخص يجب أن تفرض عليه غرامة باعتبار أنه أنشأ شبكة لتوزيع الإنترنت خلافاً للأنظمة ومن دون رخصة، أم يجب إعطاؤه تعويضاً باعتبار أنه أنشأ شبكة قامت الدولة بأخذها منه من أجل استعمالها لصالح الوزارة والدولة. فهذا الأمر من صلاحية القضاء اللبناني».
أشار القرم إلى أن «وزارة الإتصالات تعمل على عدة جبهات بالنسبة لهذا الموضوع. فالوزارة أنهت المرحلة الأولى على هذا الصعيد لناحية تنفيذ هذا المرسوم. بحيث ذهبنا إلى جميع الشركات المرخصة (Internet Service Providers) والتي يبلغ عددها 107 شركات في لبنان، وتمكنّا من إعتماد صيغة تفيد بأن تقوم الوزارة بإجراء دراسة وتمنح كمية من «E 1» أي المواد الأولية الخاصة بالـ «Data» إلى هذه الشركات على قدر ما تقوم هذه الشركات بالتصريح عن عدد المشتركين في الشبكة الخاصة بها.
هذا الأمر تم تحقيقه بنجاح بحيث أتت كل الشركات وصرّحت. وبالتالي أصبح لدى الوزارة المعرفة التامة تقريباً لجهة عدد المشتركين في كل شركة بطريقة غير مباشرة عن طريق هؤلاء الموزعين. شركة واحدة فقط لم تتعاون معنا لجأنا إلى إقفالها أمّا الباقي والذي يشمل 106 شركات فتعاونت معنا وقدمت التصاريح اللازمة».
عدّة خيارات على مستوى التنفيذ
ويضيف الوزير لـ «نداء الوطن»: «اليوم تقوم الوزارة بدرس عدة خيارات لاستخدام طريقة «الجزرة والعصا» بموضوع التنفيذ، لأن مجمل هؤلاء الموزعين خائفون من إشكالية أساسية وهي: على أي شركة سوف تبدأ الوزارة بتطبيق إجراءاتها بضبط شبكات الإنترنت غير الشرعية؟ (ليش أنا بالأوّل؟). فعند ضبط الشبكات يصبح الموزع عرضة لخسارة زبائنه إن لمصلحة موزع آخر أو لمصلحة الدولة. لذلك تقوم الوزارة بدرس طريقة لا أستطيع الإعلان عنها الآن لكن تساهم هذه الطريقة بإعطاء حافز لكل موزع، يفيد بأن كلما استغرق الموزع وقتاً لتسوية أوضاعه والتصريح كلما أصبحت العواقب أكبر في حال تأخر بالإجراءات ولم يأت مبكراً».
هل تمكنت الوزارة من إحصاء مجمل الشركات التي توزع إنترنت غير شرعي في لبنان؟ يجيب الوزير «هنا يجب التمييز بين «شركات غير شرعية» وبين «موزعي الحيّ». لأن الشركات لديها رخصة لكنها تقوم بالتوزيع لأشخاص غير منظمين. فالهدف ليس حصول خلاف مع الشركات التي تملك الرخص اللازمة، فليس هذا المطلوب. فبالنسبة لهذا الموضوع، إن الإجراءات التي تتخذها وزارة الإتصالات على المدى القريب تمكنت من تنظيم ستة محاضر ضبط نقوم بالعمل عليها واعتبارها كنموذج لكيفية التعامل مع الباقين، كما تمكنت من تأمين «العقد النموذجي» الذي سيتم استخدامه مع هؤلاء الموزعين (Resellers) بحيث أصبح من المتوفر أن توقّع الوزارة العقد مع الموزعين وترسله إلى ديوان المحاسبة».
رأس بيروت والأشرفية
«وبنفس الوقت إبتداءً من الأسبوع الحالي سوف تبدأ الوزارة بتنفيذ الخطة في الأشرفية ورأس بيروت. لماذا اختيار الأشرفية ورأس بيروت؟ لأن الدولة متواجدة أصلاً في 90% من هذه المنطقة يعني شبكة الدولة موجودة. فمن الأسهل أن نبدأ من هناك ومنها سوف يتم الإنتقال إلى كل بيروت الإدارية».
وبالحديث عن شركات تستخدم كابلات خارج كابلات الدولة وسوف تقوم وزارة الإتصالات بقطعها، فهل هذا الأمر يحتاج لقرار سياسي ومن يحمي هؤلاء؟ يرى الوزير أن «في هذا الموضوع يجب مراعاة التقنيات الموجودة، وهذا الأمر معقّد قليلاً، فهناك ما يسمّى بـ «Resellers» والمعروف «بموزع الحيّ» وهذا ما كنت أتحدث عنه، وهناك شيء آخر ويسمّى بـ «Collector» وهم بالمبدأ من قاموا بمد كابلات ليس على صعيد حيّ بل على صعيد أكبر أي من منطقة إلى منطقة أخرى. ففي حال يوجد كابل للدولة تحت الأرض ممدود وشرعي وتستطيع الدولة من خلاله تأمين الخدمة. فإذا حصل «Duplication» من خلال مد كابل آخر مواز له وليس له لزوم فهذا الكابل يجب قطعه. أما في حال قام «Collector» بمد كابل في منطقة لا تملك الدولة فيها كابلاً يخدم هذه المنطقة، أيضاً يلحظ المرسوم 9458 هذه الحالة حيث تقوم الدولة بإعطاء 5% لهذا الـ «Collector» لنقل المعلومات باعتبار أنها مضطرة لاستخدام الكابل التابع له بمرحلة أولية، لذلك تقوم الدولة بتوقيع عقد معه ويتم إعطاؤه نسبة 5% المذكورة».
ألا يوجد تحديات في هذا الموضوع لجهة أن الكابل واجب قطعه فهل تتمكن الدولة من ذلك؟ يجيب الوزير «طبعاً جميع الموزعين يريدون المحافظة على مصالحهم. فالعقبة الكبيرة اليوم تتمثل في أمرين، الأول أن أسعار الموزعين أغلى بكثير من أسعار الدولة. فعندما يتم ضبط الشبكة سوف يحقق هؤلاء هامش خسارة كبيراً، ومن المؤكد أننا سنشهد محاربة في هذا الإتجاه. أما الثاني فيتمثل باحتكار هؤلاء الموزعين لخدمات الإنترنت كل في منطقته، فعندما يتم ضبط الشبكة سوف تشهد السوق منافسة».
ويتابع: «هذا الموضوع يرتبط بالملايين من الدولارات. وأنا على يقين أنه ستتم محاربتنا، فالوزارة سعت لعمل الأنسب وعدم الدخول في مواجهة مباشرة ووضعت الآلية سالفة الذكر لتنفيذ القانون وحماية المواطن في نفس الوقت. فالهدف الأول والأخير هو المواطن الذي ينكوي بالأسعار التي من المفترض أن تتحسن بعدما يتم ضبط عمل موزعي الإنترنت. وفي هذا الإطار ولتقريب وجهات النظر، قمت بإرسال قرار إلى وزارة الإقتصاد تمّ من خلاله تحديد سقف للأسعار لا يمكن لـ «موزعي الحيّ» تخطيه، وهو ألا تتخطى الأسعار سقف 30% زيادة عن أسعار الدولة».
ولإحاطة الموضوع بمعلومات أكثر، إستطلعت «نداء الوطن» رأي أحد موزعي خدمات الإنترنت في إحدى المناطق، الذي شرح عدّة نقاط مرتبطة بعمل هذه الشبكات. كيف بدأت هذه الظاهرة؟ وكيف تطورت؟ يجيب الموزع «بدأت ظاهرة موزعي خدمات الإنترنت في لبنان بحدود العام 1998 و1999 وذلك بسبب غياب الـ «DSL» آنذاك. إذ كانت الخدمات تقدّم على الـ «MODEM» حيث كان الإنترنت بطيئاً. على أثره بدأت شركات خاصة بتقديم خدمات لتوزيع الإنترنت في المناطق اللبنانية وذلك بسبب تقصير الدولة التي لم تكن تملك آنذاك الـ «Fiber» والـ «DSL» بعد، وبسبب ضعف الإنترنت المقدّم عبر «أوجيرو» والدولة ووزارة الإتصالات. لذلك بدأت هذه الخدمات تنتشر عبر الشركات في مختلف الأراضي اللبنانية».
وكثر الحديث اليوم عن الإنترنت غير الشرعي، فهل هؤلاء الموزعون غير شرعيين؟ يجزم المصدر أن «الموزعين لا يمكن إعتبارهم غير شرعيين. فما استدعى تسميتهم بهذا التعبير هو نقص وعدم إقرار قوانين أو إحتكار القوانين لمصلحة أشخاص حرمت هذه العملية من «شرعنتها» بواسطة وزارة الإتصالات.
ولكن في المقلب الآخر، فإن الوزارة أعطت تراخيص لشركات التوزيع «ISP» التي أخذت على عاتقها الإهتمام بهذا الشأن. فعبارة «غير شرعي» تنطبق على الموزع الذي يستقدم إنترنت خارج هذه الشركات المرخصة، مع الإشارة إلى أن أغلب الموزعين مصادر تمويلهم بالداتا أو بالإنترنت تتم عبر «أوجيرو» أي عبر الدولة». اليوم الوزارة أطلقت خطة لتنظيم هذا القطاع وبالتالي تنظيم عمل هؤلاء الموزعين.
يتابع المصدر: «هذا يعني أن لا قانون لغاية اليوم ينظّم هذا القطاع، وعندما يتأمن القانون عندها أي شركة لا تلتزم بالقانون تصبح هي المخالفة ويمكن عندها تسميتها بـ «غير شرعية». أما اليوم وفي ظل غياب القانون اللازم لا يمكن إطلاق هذه التسمية على الموزعين الذين يلتزم أغلبهم بأخذ الإنترنت من شركات مرخصة من قبل وزارة الإتصالات ومن قبل «أوجيرو» ويدفعون المستحقات اللازمة للدولة. فهم بالتالي غير مخالفين وهذه التسمية تلحق غبناً بحقهم. لذلك يشعر اليوم البعض بالفوضى بسبب غياب أي قانون عصري ينظّم عملية التوزيع لخدمات الإنترنت».
إن خدمات الإنترنت في لبنان ليست ضمن المستوى الذي يجب أن تكون عليه، فتصنيف لبنان عالمياً في هذا المجال ليس جيداً. بالنسبة لنوعية الخدمات، عند «أوجيرو» التي تملك الـ «Fiber Optic» الموجود ضمن نطاق بيروت الكبرى فهي نوعية جيدة، وفي الأماكن الأخرى النوعية غير عاطلة. فشبكات «أوجيرو» ليست كلها «Fiber» فما يمكن التأكيد عليه أن الشركات الخاصة تغطي المناطق التي تصل إليها خدمات «أوجيرو» بطريقة غير جيدة».
كيف يتم التوزيع اليوم، وكيف هي الأسعار مقارنة بأسعار الدولة؟ يقول الموزع: «اليوم عمدت الدولة إلى رفع أسعارها سبع مرات. وبمجرد سريان مفعول هذا القرار، زادت التعرفة بشكل تلقائي على الموزعين وعلى شركات التوزيع «ISP» وسعر الـ «E 1» تغيّر. وبالتالي لجأت الشركات المذكورة إلى زيادة أسعارها على الموزعين داخل المناطق الذين بدورهم قاموا بالتسعير على هذا الأساس بالنسبة إلى المواطنين المشتركين. وأنا أعتقد أنه كان هناك تفاهم وإتفاق بين الشركات على أن تكون الأسعار بالشكل الذي وضعت فيه، فكل الشركات لديها نفس الأسعار تقريباً».
فرق أسعار بين «Limited» و«Unlimited»
يقول موزع خدمات انترنت: «بمجرد مقارنة أسعار الموزعين مع أسعار «أوجيرو» يتبيّن في الحقيقة أنه لا يوجد فرق يذكر. لأن «أوجيرو» لديها أسعار لخدمات إنترنت محدودة «Limited» تمنح 40 أو 60 «جيغا» بالشهر وهذا من الطبيعي أن يكون سعره رخيصاً. إلا أن هذه الخدمة تجعل المواطن مضطراً لتجديد الخدمة عدة مرات في الشهر الواحد بسبب سرعة نفاد كمية الإنترنت المحدودة. أمّا شركات التوزيع «ISP» فجميعها تقوم بتوزيع خدمات إنترنت غير محدودة «Unlimited» وأسعارها قريبة جداً من أسعار خدمات الإنترنت غير المحدودة «Unlimited» التي تقدمها «أوجيرو» وهي بحدود العشرين دولاراً تقريباً مع الـTVA. فلكل خدمة سعر لذلك لا يمكن أن نعمّم ونقارن أسعار الشركات الخاصة بأسعار الدولة».
من أقوى من الدولة؟
يقول موزع خدمات انترنت: «بمجرد مقارنة أسعار الموزعين مع أسعار «أوجيرو» يتبيّن في الحقيقة أنه لا يوجد فرق يذكر. لأن «أوجيرو» لديها أسعار لخدمات إنترنت محدودة «Limited» تمنح 40 أو 60 «جيغا» بالشهر وهذا من الطبيعي أن يكون سعره رخيصاً. إلا أن هذه الخدمة تجعل المواطن مضطراً لتجديد الخدمة عدة مرات في الشهر الواحد بسبب سرعة نفاد كمية الإنترنت المحدودة. أمّا شركات التوزيع «ISP» فجميعها تقوم بتوزيع خدمات إنترنت غير محدودة «Unlimited» وأسعارها قريبة جداً من أسعار خدمات الإنترنت غير المحدودة «Unlimited» التي تقدمها «أوجيرو» وهي بحدود العشرين دولاراً تقريباً مع الـTVA. فلكل خدمة سعر لذلك لا يمكن أن نعمّم ونقارن أسعار الشركات الخاصة بأسعار الدولة».