علامات ساعة الزلازل على شركاء البشر على الأرض
أعاد زلزال تركيا الذي خلّف أكثر من 31 ألف قتيل تذكير البشرية بخطر هذا النوع من الكوارث الطبيعية المدمرة، فأين وصلت البشرية في مجال التنبؤ مسبقا والتحوط لها؟
يمكن للزلازل أن تحول الأرض إلى جحيم. الكوكب يهتز بعنف بين الحين والآخر مذكرا بأن الخطر الأقرب إلى البشرية يوجد تحت الأقدام. خطر أزلي يداهم على حين غرة، ويمكن أن يحيل ما بنته البشرية طيلة تاريخها الطويل إلى ركام في ثوان معدودة.
المهمة الأكثر إلحاحا في مواجهة خطر الزلازل تكمن في التنبؤ بها قبل وقت كاف، للحد من خطرها على أقل تقدير. وفي هذا المجال حققت البشرية تقدما ملحوظا على مدى الخمسين عاما الأخيرة، لكن لا يزال الطريق طويلا لتحقيق مثل هذا الهدف.
لماذا تركيا تحديدا؟
يصف أحد الخبراء الأتراك في مجال الإنقاذ بلاده بأنها "محطة زلازل ومكان متوقع لها، بسبب الحركة الدائمة للصفائح، فهي توجد على صفيحة أناضولية، وتتعرض للضغط من 3 صفائح أخرى في نفس الوقت".
الخبير يفسر خطر موقع بلاده قائلا: "الصفيحة الأولى تدفع تركيا غربا باتجاه أوروبا، وتسمى بالصفيحة الفارسية، بينما تدفعها الصفيحتان الأخريان شمالا، وتسمى الأولى بالصفيحة العربية والثانية بالإفريقية".
تنبؤات مذهلة عن الزلازل:
أوفقون أحمد إركان، وهو خبير تركي معروف في مجال التنبؤ بالزلازل كان توقع قبل خمس سنوات بأن زلزالا قويا سيحدث في تركيا في عام 2022 أو 2023.
اللافت والمثير للدهشة أن مثل هذه الدقة النسبية تعد مفاجأة كبيرة نظرا لصعوبة معرفة موعد حدوث مثل هذه الكوارث على الرغم من التطورات العلمية في مختلف المجالات بوتيرة غير مسبوقة في العقود الأخيرة.
غالبا ما يقلل المشككون من أهمية التنبؤات بما في ذلك العلمية بالإشارة إلى أن الحديث عنها يتم فقط بعد الحدث أو الكارثة وليس قبلها.
في هذا السياق نذكر أن المتخصص في علم الزلازل أوفقون أحمد إركان توقع أيضا أن تواجه تركيا بعد عام 2035 موجة من الهزات الارتدادية القوية، مشيرا إلى أن توتر القشرة الأرضية تحت تركيا سيصل بحلول عام 2045 إلى حده الأقصى، وتوقع تبعا لذلك أن يهز بعنف زلزال تتراوح قوته بين 7-8 درجات اسطنبول ويدمرها تماما.
وكان العالم الهولندي المتخصص في الزلازل فرانك هوجيربيتس قد حذر في مقطع فيديو من المأساة قبل ثلاثة أيام من وقوعها، وتنبأ بدقة بزلزال في تركيا والدول المجاورة لها.
الصين والاستعانة بالحيوانات في التنبؤ بالزلازل:
تم إجراء واحدة من أولى التوقعات في الصين في عام 1969. شارك موظفو حديقة تيانجين الشهيرة القريبة من العاصمة بكين والتي تضم حديقة للحيوانات في التنبؤ بالزلازل منذ عام 1968.
صبيحة يوم 18 يوليو 1969، تم رصد سلوك غير عادي للعديد من الحيوانات. وأفيد في التفاصيل بأن النمر كان مكتئبا، وكانت الباندا تصرخ، وترفض تناول الطعام، وكانت السلاحف قلقة، وبقيت طيور البجع بعيدا عن الماء.
توقع الخبراء أن تكون هذه العلامات بمثابة نذير بزلزال، وأبلغوا قسم الزلازل بالمدينة بملاحظاتهم. وبالفعل في ظهر نفس اليوم، حدث زلزال بقوة 7.4 درجة في بو هايوان، وهو خليج شرق تيانجين.
تنبؤ ناجح بالزلزال تم في عام 1975 في هايتشنغ بمقاطعة لياونينغ في شمال شرق الصين. كانت المنطقة المحيطة بهايتشنغ محط اهتمام من علماء الزلازل لعدة سنوات، حيث أشارت بعض العلامات إلى أن زلزالا قويا يمكن أن يحدث في المكان في المستقبل القريب. تم تركيب مقاييس لتسجيل منحدرات سطح الأرض ورصد التقلبات في المجال المغناطيسي والتغيرات في المقاومة الكهربائية للتربة.
كما طلب من السكان ملاحظة التغيرات في مستوى المياه في الآبار والإبلاغ عن أي شذوذ في سلوك الحيوانات.
أشارت الملاحظات الآلية بوضوح إلى التغييرات التي تحدث في أحشاء الأرض. وأصبحت التغييرات بحلول يناير 1975، واضحة بما فيه الكفاية بحيث كان من الممكن دق نواقيس الخطر.
اتخذت تدابير أمنية شاملة، وتلقى العمال التعليمات اللازمة حول ما يجب فعله عند الإعلان عن إنذار، وكان سكان المنطقة على استعداد لقضاء الليل خارج المباني.
تضاعفت علامات وقوع زلزال وشيك حلول فبراير. لوحظ ارتفاع مفاجئ في مستوى المياه في الآبار، وسجل العلماء الذين قاموا بتركيب محطة زلزالية بالقرب من يينغ كو زيادة غير عادية في عدد الهزات الأرضية الضعيفة.
بحلول مساء يوم 3 فبراير، تأكد علماء الزلازل من توقعاتهم، وأعلن ظهر ذلك اليوم إنذار عام، كما تم إبلاغ السكان بتوقع حدوث زلزال قوي في غضون يومين من لحظة إعلان الإنذار.
اتخذت استعدادات وتدابير للإنقاذ، وأغلقت المتاجر والمؤسسات، وجرى نقل المرضى من العيادات إلى ملاجئ مؤقتة، وتم إخراج معظم السكان من منازلهم. ولمساعدة الناس على قضاء ليلة باردة في العراء، تم عرض الأفلام في الحدائق والساحات.
بعد خمس ساعات ونصف من الإعلان عن الإنذار العام، وقع زلزال عنيف بقوة 7.3 درجة. عانت هايتشنغ، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها مئة ألف نسمة، بشكل كبير. تم تدمير مئات المنازل والمصانع، ولكن نظرا لأن جميع السكان تقريبا كانوا خارج المباني، كان عدد الضحايا صغيرا.
هذه الحادثة لم تكن أول توقع ناجح بالزلازل، لكنها كانت المرة الأولى التي تسنى بها التنبؤ بمثل هذا الزلزال الكبير.
أمسك الإنسان في العقود الأخيرة بأدوات علمية تمكنه من الاقتراب من الزلازل ورصد علاماتها الأولية، إلا أن التوقعات الخاطئة حتى الآن أكثر من تلك الصحيحة بسبب تعقيد مثل هذه الظواهر الطبيعية.
وفي هذا الصدد يلفت إلى أن الزلزال الكارثي قبالة سواحل اليابان في عام 2011 والذي صاحبه تسونامي تسبب في تعطيل محطة فوكوشيما للطاقة النووية وحدوث تلوث إشعاعي، حيث تم التنبؤ به قبل دقيقة واحدة من الصدمة الرئيسة.