الجيش و«الأمن» فوق كل اعتبار
كتب عوني الكعكي:
لا بد من أن نقدّم احترامنا وتقديرنا للمؤسسات الأمنية اللبنانية، بدءًا بالجيش، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام، فهي ولا شك، خشبة الخلاص الوحيدة للبنان، بعد معاناة تعيشها المؤسسات الحكومية الأخرى، فتشهد شرذمة وتفككاً وخلافات سياسية، انعكست على كل مفصل من مفاصل الدولة.. بمعنى آخر أنّ المؤسّسات الحكومية شبه غائبة، والمؤسّسات المالية تعاني منذ انهيار البنوك وتمنّع الحكومة عن تسديد سندات اليورو بوند.
قائد الجيش العماد جوزاف عون رجل محترم «آدمي»، تابع قبل تسلمه القيادة مهمات حفظ الأمن والاستقرار في الجنوب، بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة، ثم انتقل مع اللواء التاسع الذي كان قائداً له الى منطقة عرسال في تشرين الأول من العام 2016، فتميّز هناك بخبراته القتالية المتمرّسة على الارض، وتسلّم قيادة جبهة عرسال لأشهر طويلة... يقاتل «داعش» والإرهابيين وجبهة النصرة بضراوة ويحقق الإنتصار بجدارة شهد لها الجميع.
جوزاف عون، مشهود له بمناقبيّته وحياته العسكرية التي قضاها في الوحدات العملانية منفّذاً المهمات على الارض، بخبرة وكفاءة عالية.
ويكفي العماد فخراً أنه تسلم من بريطانيا «المناظير الليلية» ومعدات عسكرية أخرى مكنته من ملاحقة الإرهابيين، وَدَحْرهم حتى من سلسلة جبال لبنان الشرقية.
منذ توليه قيادة الجيش، يَشْهد الجميع له بأنه رجل عصامي، يعمل بصمت، همّه الأوّل المحافظة على مؤسّسة الجيش وإبعادها عن السياسة فنجح في ذلك الى أبعد الحدود.
أمّا اللواء عماد عثمان مدير عام وقائد قوى الأمن الداخلي فكان هو الآخر عصامياً، تدرّج في الخدمة في مراكز قوى الامن الداخلي على اختلاف أنواعها. لقد صار قائد سرية حرس رئيس الحكومة في عهد دولة رئيس مجلس الوزراء شهيد لبنان الكبير رفيق الحريري... وللتذكير فقط، فإنه كان مع الشهيد اللواء وسام الحسن في فريق مرافقة الرئيس الشهيد... وحين تسلّم وسام الحسن فرع المعلومات سافر الى مصر وحصل على أجهزة متطوّرة لكشف المخابرات، فتطوّر هذا الجهاز مع الشهيد اللواء وسام الحسن ليصبح من أنجح الأجهزة المخابراتية في لبنان والعالم العربي.
وكلمة حق تقال: إنّ اللواء عثمان حين أمسك الجهاز لفترة طويلة بعد اغتيال اللواء الحسن، أكمل ما بدأه الشهيد ببراعة، فهو من تلامذته ومن المقربين منه. وللتاريخ فإنّ نجاح فرع المعلومات في كشف الجرائم أصبح على مستوى عالٍ جداً، إذ خلال ساعات يتم اكتشاف أكبر الجرائم.
أما المديرية العامة للأمن العام، فقد تطوّرت تطوّراً لافتاً بفضل رجل الإعتدال والأخلاق والتسامح والحكمة اللواء عباس ابراهيم، رجل المفاوضات الناجح محلياً وعالمياً، حتى ان الولايات المتحدة الاميركية، وعلى الرغم من الحساسية المفرطة تجاه الطائفة الشيعية، كرّمته واستعانت به لإطلاق مخطوفيها..
إنّه رائد العمل المؤسّساتي والإنساني بامتياز، يشهد على إخلاصه وجدّيته القاصي والداني..
فأنا عندما أدعو الى التمسّك بالمؤسّسات الأمنية، فإنّ ذلك بسبب أنّ المؤسّسات السياسية «خربانة». فرئيس الجمهورية، ولأوّل مرّة في تاريخ لبنان «يعتدي» بالصوت والصورة على رئيس الحكومة المكلّف ويصفه بأنه «كذاب».. وهذا لم يحصل، لا في تاريخ لبنان القديم ولا الحديث.
وعندما شعر رئيس الجمهورية بما ارتكبه من خطأ، حاول التنصّل مما قاله، ولكن كما يُقال: «صار يللي صار».
لبنان يعيش بلا حكومة، والمشكلة بدأت منذ بداية الثورة في 17 ت1 2020. والحقيقة ان الثورة أُجهضت بسبب الطائفية.
أولاً: من منا لا يتذكر الثورة في ذاك التاريخ، والتعطيل الذي حصل، وكيف استقال الرئيس سعدالدين الحريري، وكيف طُلِب منه العودة عن استقالته فرفض. رفض الحريري حصل بسبب تدخلات جبران باسيل بكل صغيرة وكبيرة... فشل في حلّ مشكلة الكهرباء رغم ما فيها من سمسرات وصفقات ورشى بالجملة والمفرّق، ورفض استعمال الغاز بدل الفيول رغم ان الدولة كان يمكن أن توفّر باستعماله مليار دولار ونصف المليار.
وهل يمكن لأحد نسيان ما قاله الرئيس سعد الحريري «كنا نجتمع تسع ساعات يومياً ولا نستثني أو نستبعد أحداً» لكن جبران كان يعيدنا الى المربع الأوّل.
ثانياً: وهل يمكن نسيان التعطيل المالي الذي حصل في البلد وانهيار العملة الوطنية وإفقار المصارف.
إنّ وضع لبنان الحكومي مأساوي، إذ بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين، وعلى الرغم من الوعود التي أُعطيت له، تشكيل حكومة مهمة إصلاحية من إختصاصيين، لتمهيد الطريق أمام مساعدات «سيدر» (11 مليار دولار)، إلاّ أنّ الحكومة «عالقة» لأنّ جبران باسيل لا يسمح بتشكيلها إلاّ حسب هواه، وبرعاية من عمّه رئيس الجمهورية.
أمام هذا كله... ماذا يبقى أمام اللبنانيين؟
المؤسّسات الأمنية هي الـمُنْقِذ الوحيد لهذا الوطن، رغم ما نراه يلوح في الأفق من محاولات الإعتداء والتجنّي على المؤسّسات الأمنية.
إنّ من العقوق، أن يتنكّر أحد لهذه المؤسّسات، بل علينا دعم هذه المؤسّسات بكل قوة.
|