

هل يدخل لبنان مغامرة تصدير الثورة إلى سوريا؟
بعد إنقضاء أكثر من شهر على التوصل لإتّفاق وقف إطلاق النار يثابر العدو الإسرائيلي على استباحة قرى الجنوب دون أن تظهر في الأفق أيّة مؤشرات لوضع الأمور في المسار الذي نص عليه الإتفاق، بما يعني قيام اللجنة المشرفة على التنفيذ بدورها. تتخذ الإختراقات الإسرائيلية مساريْن يلاقيان البنود المدرجة في الإتّفاق: مسار جنوبي يتمثل بتنفيذ عمليات توغل وتفجير في عدد من القرى تحت عنوان تدمير ما تبقى من بنى تحتية لحزب الله، ومسار حدودي عنوانه استهداف معابر حدودية مع سوريا وبنى تحتية يقول العدو الإسرائيلي أنها لنقل وسائل قتالية إلى حزب الله.
فإذا كانت اللجنة المشرفة على تنفيذ الإتفاق، ولأسباب لم يتم إعلانها، لم تتوصل في المنطقة المحتلة من الجنوب لضبط الإختراقات وفرض إجراءاتها، أو لوضع جدول زمني للإنسحاب، فلماذا لم تتم لغاية الآن المبادرة إلى إطلاق أي خطة للإمساك بالحدود بين لبنان وسوريا لا سيما بعد فرار الفصائل الإيرانية من المنطقة الحدودية، وبعد موقف الإدارة الجديدة من وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا وموقفها من دور طهران في المنطقة العربية؟ وبعد ذلك كيف يمكن التوجه إلى المجتمع الدولي لمطالبته إلزام إسرائيل بالإنسحاب بعد انتهاء مهلة الشهرين التي نص عليها الإتّفاق، في حال استمرار العجز اللبناني والتسيْب على الحدود مع سوريا على ما هما عليه؟
لا يبدو لبنان قادراً على الخروج من هذا الستاتيكو حتى ما بعد التاسع من كانون الثاني المقبل. تبدو القوى السياسية خاضعة لمعادلة القوة التي تحكم تطبيق إتّفاق وقف إطلاق النار والإمساك بالحدود. وهذا ما سيفضي إلى تمديد دورات الإنتخاب الى ما لا نهاية أو إلى وصول رئيس للجمهورية يتماهى مع الستاتيكو القائم، وبمعنى آخر انعدام القدرة على الخروج من المعادلة القائمة. وبهذا يصبح الرهان على ما ستقدمه زيارة وزيريّ الخارجية والدفاع الفرنسيين «جان نويل بارو» و«سيباستيان لوكورنو» لإعطاء زخم لعمل اللجنة الخماسية المكلفة بالإشراف على وقف النار واستكمال الخطوات الإجرائية لذلك وإنجاز الإستحقاقات الدستورية المتمثلة بإنتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف شخصية بتشكيل الحكومة رهاناً في غير محله.
إلى أين يمكن أن يفضي كل ذلك في مواجهة حال التغيير الذي بلغته سوريا بعد سقوط بشار الأسد وخروج سوريا من القبضة الإيرانية؟ وما هي المخاطر المترتبة على ذلك؟
لا بد من الإعتراف أن القيادة السياسية الجديدة قد أفشلت كل الرهانات الإقليمية والدولية على تحويل سوريا الى دولة إسلامية وإطلاق يد الفصائل المتطرفة في إدارة مناطق نفوذها . فبالرغم من إقرار قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع بالتحديات السياسية والأمنية والإقتصادية، إلا أن محاولات البناء على ثغرات في ما يمكن اعتباره خطاباً تأسيسياً لسوريا الجديدة تبدو معدومة.
السيد الشرع كان واضحاً في التعبير أن سوريا «لن تكون منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية وأنها تسعى لبناء علاقات استراتيجية فاعلة مع هذه الدول». وبما يمكن اعتباره فهماً عميقاً للإنقسامات السياسية في لبنان وقطعاً للطريق على أي تأجيج للخلاف مع سوريا فقد أكّد الشرع: «لا نسعى لأي علاقة تسلطية مع الجار اللبناني بل علاقة احترام وتبادل، ولا نريد التدخل في الشأن الداخلي اللبناني. نريد بناء علاقات جيدة وسنقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين وما يرضيهم يرضينا».
وبخلاف الحالة الإنسيابية التي يؤسّس لها الشرع في توطيد العلاقات مع الدول العربية كان الموقف الواضح من إيران ودورها في سوريا والمنطقة. وفيما تدرك سوريا الثورة أهمية الدور المحوري الذي قامت به للعالم العربي برمّته، بعد إغلاق سوريا كلياً كمنصة للأذرع الإيرانية، وإخراج ميليشياتها التي زعزعت أمن دول الخليج العربي وأغرقت المنطقة بالمخدرات، إعتبر الشرع أن الأمن الاستراتيجي الخليجي أصبح أكثر أمناً وأماناً لأن المشروع الإيراني في المنطقة عاد 40 سنة إلى الوراء.
لم يكن موقف المرشد الإيراني من الثورة في سوريا بتوصيف ما جرى بأنه مقدمة لإشاعة الفوضى في المنطقة وبدعوة الشباب إلى التمرد على الوضع الجديد سوى تعبيراً عن الخسارة التي لحقت بطهران جراء سقوط الأسد. وهذا ما سيشكل ما يكفي من المسوغات أمام محاولات إيرانية للعبث بأمن سوريا إنطلاقاً من الحدود المشتركة مع لبنان في ظلّ الإنهيار المستمر في مسار بناء الدولة في لبنان وفي حصرية تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار في منطقة جنوب الليطاني دون الإمساك بالحدود.
كان أحمد الشرع واضحاً بالقول أن «الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر». فهل تثأر طهران بتصدير ثورتها الى سوريا إنطلاقاً من الحدود اللبنانية، وهل يدرك أهل السلطة مخاطر هذه المغامرة وحدود الإستثمار الإسرائيلي بها؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء