كتب د.حسان فلحه/ النهار
الذكاء الاصطناعي: النقل لا العقل
تتحكم الولايات المتحدة الامريكية بطلاقة ، بعالم ادارة المعرفة من خلال شركاتها الخاصة و مؤسساتها العامة او عبر تلازم القطاعين المتنمرين معا بزهو ، و تعيد انتاج ثقافات الامم وكتابتها بصيغ مجهولة النسب ، واضحة المصدر (لها ) ، بعد تملكها القدرة على السيطرة والتحكم في مجالات تكنولوجيا المعرفة و قيادتها .
هذه المنصات المعرفية و محركاتها البحثية تتمكن من استلاب الافكار والثقافات والمعارف ، والاستيلاء عليها بكمها اللامحدود ، واعادة صياغتها في اطار من الضوابط والمعايير المحددة ، في تفوق تقني مذهل لا يماثل من احد او يجارى
انها الصناعة الرائجة للثقافات الاصطناعية واقتصاديات المعرفة. على قاعدة عندما يتحدث العقل الاميركي فانه يتحدث عن العالم اجمع .
عند اطلاق عالم الكومبيوتر الامريكي جون مكارثي
John McCarthy عبارة "الذكاء الاصطناعي" لم يحتسب ان
التقنيات المعرفية و وسائلها ستفرط في تعميق تجهيل بنوة الثقافة وتبيانها ، وتتعثر مدارك احتساب اشتقاقها وانتسابها .
ما عرف بالذكاء الاصطناعي ، وهو بالاحرى التفوق الادراكي والمعرفي المرحلي و الاتكالي
في سياق تراكم بنيان الثقافة من خلال وسائل الخوارزميات ، كي تستحيل ضوابط لتحديد انتمائها ( الثقافة)، اطرا شديدة التعقيد عند حصر الملكية الفكرية او الادبية او العلمية او عند ترسيم معالمها . هي تجانس الاضداد ، غريبة النسب ، كثيرة النِحَل. وهوية مكتومة القيد اقل ما توصف بانها تغدو مشاعاتٍ ناتجةً عن الارتطام المعرفي بين الحجم المذهل لوفرة المعلومات ذات الدفق الهائل ، وبين السنوات القليلة لاحتساب اعمار الفرد المعرفية ،قصيرة المدى اساسا . الانسان انذاك يستجير بالالة على تردده الذهني وتمرده، وانعتاقه من روحية التفكير الى الانبهار المادي .
لم تعد المعرفة المستولدة من محاكاة الوسيلة في الردود والاجوبة تستثمر في علم اثبات النسب و إستقائه ، ولا تكترث بحق تدوين الملكية الفكرية و تناقلها ، وهما شأنان سقطا في فضاءات الذكاء الاصطناعي الذي يتغول في استيلاب حقوق الانساب او ردها الى اصحابها بل يحيلها لقيطةً ثقافيةً على قاعدة المشاعة المعرفية ، لا احتساب مصدرها و لا ربط مرجعها .
تشترك "الثقافة الاصطناعية" بمفهومها الواسع مع عمليات "الذكاء الاصطناعي" في تلازم مدارات السرعة ومساراتها . الاولى ميزتها الضن بالارتقاء في استدراك ذكر النسب والحرص عليه عند تكوين حالات التراكم المعرفي السريع الذي تتصف عادة به الثقافة عموما .
والثقافة باللغة العربية قد تعني "الحذق، والفطنة، والذَّكاء، وسرعة التَّعلم، وتسوية الشَّيء، وإقامة اعوجاجه، والتَّأديب، والتَّهذيب، والعلم، والمعارف، والتَّعليم، والفنون" . او كما احتسبتها اللغتان الانكليزية والفرنسية، بانها
الفنون و الافكار والسلوكيات الاجتماعية الروحية و المادية كمظاهر إنجاز الفكر البشري داخل المجتمعات.
وايا كان تعريف الثقافة ، لغة ومفهوما ، فان التطور التقني المستعر على ظلال الذكاء الاصطناعي اعتقها من اطرها التقليدية و غدت ثقافة تسير على منوال الانحدار النوعي وتسيّد التمدد الكمي . قد يكون في هذا القول بعض من الضبط المتلبس للحالات السائدة ، ولكنه يقينا تغيير بنيوي في أركان التفكير وانماطه ، و تبديل في ترتيب عناصر إعمال العقل .
والاخرى الذكاء الاصطناعي يطغى عليه اعادة انتاج الافكار وترويجها ، على غير ما دأب عليه اصحابها الاولون في التأني ، وذلك بسرعة فائقة و سائغة ان لم يكن غالبا سلبُها ، واستملاكها بعيدا عن صعوبة تباين المصدر ، و هو اسقاط مع سبق الاصرار لما درج عليه الباحثون والدارسون في استمراء تبنيهم لما يعرف بمنهجية البحث العلمي ، وإحقاق الحق لاصحابه. وان كانوا في فلتات طموحهم التنويري و التقدمي ، قد اباحوا استخدامه كحق انساني يستوجب تعميمه ونشره في سياق النمو الفكري والثقافي الانساني ، او حق عام لا يختصه احدٌ في الاحتكار و التملك .
الذكاء الاصطناعي وسّع من ازمة الريبة بالنص و من تعاظم محنة العقل في الحيرة و في تقديم النقل عليه ، والاقتباس والنسخ . وكذلك فعل بالصورة والمشهد المصور. ولا ادري ما سيكون عليه موقف "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا" عندما طرد مكارثي مرة ، لعبثه بعدم حضور محاضرات الفيزياء ، والمعهد يرزح باستمراره اليوم تحث ثقل الذكاء الاصطناعي. انه العالم المتغير المتردد الذي ينزع قيمه واخلاقياته امام عرى التكنولوجيا المتسارعة ليبني اخلاقيات وقيما لا تعير للمترددين انتباها ولو للحظة تقنية عابرة .
لم يكن الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير Gustave Flaubert متشائما عندما زعم انه "لا وجود للحقيقة وانه لا يوجد سوى الإدراك " .ولكنه كان واقعيا عندما قال ان "فن الكتابة هو فن اكتشاف ما تؤمن به.”
و ليس بالضرورة من كتب او تبيان النسب .
الذكاء الاصطناعي يقدم النقل على العقل والاقتباس على النسب .