Feb 11, 2025 8:48 AMClock
مقالات
  • Plus
  • Minus

حكومة سلام من بيئة أخلاقية إلى سلطة إجرائية

تمنى اللبنانيون أن يتم تشكيل الحكومة قبل وصول الموفدة الأميركية «مورغان أورتاغوس» إلى لبنان للإدلاء بدلوها فيما يتعلق بالشروط الأميركية للمشاركة في الحكومة أو في استحضار نتائج المواجهة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي للتأكيد على تلازم الموقفين الأميركي والإسرائيلي. لم يقدم ما صدر عن أورتاغوس أية إضافة جديدة على المواقف الأميركية المعروفة، لكن محاولة وضعه في ميزان السيادة اللبنانية دون سواها وليس في ميزان المواجهة الأميركية الإيرانية - بجولاتها الثلاثة في غزة وسوريا ولبنان التي حسمت لصالح واشنطن ـــــــ  هو استمرار في ذرّ الرماد في العيون ومحاولة لتلقف الموقف لبنانياً وتهرب من الإقرار بخسارات طهران المدوية في المنطقة. 
أجل لقد تمنينا أن يتوقف منطق الإستعلاء الذي مارسه الثنائي أمل - حزب الله وأن تصبح الحكومة أمراً واقعاً قبل وصول «أورتاغوس» بما يقطع الطريق على الموقف الذي أدلت به من القصر الجمهوري وبما يغني عن الهرولة للبحث عن شخصية شيعية تملي المقعد الوزاري الخامس بعد الدفوع التي شهرها الرئيس نبيه بري بوجه شخصيات شيعية مرموقة لا تتمتع بمعايير الولاء للثنائي أمل - حزب االله. وقد يكون في الوقت غير القياسي لتسمية الوزير فادي مكي محاولة إحترازية لاستدراك أي موقف سلبي حيال الوزراء الأربعة الذين تمّ التوافق عليهم.

لم يكن من السهل تذويب الأعراف السياسية التي كُرست في لبنان منذ العام 2006. لقد شكلت الحكومات في حينه وفق معادلات الساحة اللبنانية التي حكمها منطق الغلبة ما ترجم تلقائياً بحضور فعّال للثنائي أمل وحزب الله وحلفاؤهما. في ذلك الحين إستند توزيع الحقائب الوزارية الى مبدأ تقاسم المغانم لترسيخ معادلة داخلية في دولة افتقرت لأبسط مقوّمات الحوكمة وتمّ عزلها بشكل كامل عن العالم. بالمقابل فقد ساهم تكليف نواف سلام بأكثرية سياسية وازنة والسياق الدقيق لانتقاء الوزراء إلى مبارزة بين القوى السياسية لتقديم أفضل ما لديها من خيارات، مما أدى الى تشكيل بيئة أخلاقية لسلطة تنفيذية قادرة على العمل وعصية على الإرتماء في متاهات المحاصصة. التشكيلة الحكومية الجديدة هي نتاج سياق إنقلابي إقليمي ودولي لا يمكن تجاوزه فرضته رؤية جديدة للمنطقة ونتائج الميدان في كلّ من سوريا ولبنان وغزة، مما يضع لبنان في سياق استحقاقات مترابطة يفضي النجاح فيها الى تموّضع جديد للبنان في المنطقة.
يبدو الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في 18 شباط فبرايرالجاري في طليعة الإختبارات التي ستتعرض لها الحكومة اللبنانية ليس فقط لعدم التزام العدو الإسرائيلي بل لإثبات القدرة على تنفيذ ترتيبات وقف إطلاق النار كما وردت في الإتّفاق. إن التقاعس في حصر السلاح بيد القوى الشرعية والسماح بعودة الجنوب مجدداً الى ما كان عليه قبل إطلاق حرب الإسناد بالمعنى العسكري أو بمعنى إعادة تشكيل قوة أمر واقع مهيمنة تصادر دور الدولة سيفضي الى استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على كامل الجغرافية  اللبنانية.
وفي السياق عينه يبدو مهماً وحرجاً الغياب الحكومي حيال الإشتباكات على الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا التي لم تواكبها حتى الآن أية إجراءات سياسية جدية تضع مسألة الحدود في سياق العلاقات المستقبلية بين الدولتين. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار أن مسألة مسك الحدود ووقف انتقال الأسلحة والمسلحين عبرها يقع في متن الإجراءات التي نصّ عليها الإّتفاق المذكور. ما يجري على الحدود ليس خلافاً عقارياً بين عشائر منتشرة على طرفيّ الحدود بل هو نتيجة مباشرة لممارسات حزب الله في ريف القصير لأكثر من عشر سنوات مما يلزم حكومة نواف سلام بوضعه  في صدارة إهتماماتها الامنية.
لا يمكن القول أن الحكومة بحاجة الى مزيد من الوقت للتعاطي مع هذه الملفات الحرجة، فالإستحقاقات الداهمة لا سيما الأمنية منها تقع في صلب مسؤوليات الحكومة حتى قبل نيلها الثقة. إن مقاربة نتائج ما ستقوم به إسرائيل في الجنوب سواء التزمت بالإنسحاب أم لم تلتزم وفقاً لمقتضيات الإستقرار الداخلي بنسختها القديمة أوالتعامل مع الإشتباكات على الحدود مع سوريا بوصفها خلافاً  عقارياً بين عشائر حدودية قد يدخل لبنان في متاهة سياسية غير محسوبة النتائج. 
ينظراللبنانيون إلى حكومة نواف سلام كبيئة أخلاقية صالحة للعمل لكن ما يرومه اللبنانيون هو تحوّل هذه البيئة الى سلطة إجرائية حقيقية. 

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Flat Ara
Beirut, Lebanon
oC
23 o