جلسة 9 كانون الثاني ليست موعدا مقدسا ...بانتظار تظهير المواصفات الجديدة للرئيس العتيد!؟
طوني جبران
المركزية - أيا كانت الترددات التي عكستها الأحداث المتسارعة في سوريا التي خطفت الاضواء على جميع المستويات الاقليمية والدولية وسط العديد من السيناريوهات الغامضة، فإن البحث عن المحطات المقبلة على الساحة اللبنانية يتوقف عند ما يجري من تحضيرات متزامنة على خطين: الأول يتحدث عن الاستعدادات للاجتماع الأول للجنة الاشراف والمراقبة المكلفة بتنفيذ قرار وقف اطلاق النار وما قال به القرار 1701. والثاني يتصل بالحركة السياسية التي دفعت إليها دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسة انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل.
وأمام هذه المعادلة تصر مراجع سياسية وديبلوماسية عبر "المركزية" على التأكيد، ان وايا كانت الظروف المحيطة بوجهي الأزمة العسكرية والسياسية وما نتج عنهما من تعقيدات، فإن الفصل بينهما يبدو صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا . والسبب يعود بكل بساطة الى كونهما من نتاج اتفاق واحد قادت إليه "طبخة محلية واقليمية ودولية واحدة" انتهت الى تفكيك اكثر من عقدة على المستويات كافة. وهي لحظة قد يستفيد منها لبنان للانتقال من محطة الى اخرى ومن مكان الى آخر، وتطور شكل لحظة طال انتظارها منذ أعوام عدة. وخصوصا ان احياء القرار 1701 وما قال به كشف ما ارتكب من إهمال على مدى 18 عاما فصلت بين صدور القرار 1701 عام 2006 وحتى اليوم من دون ان يتنبه احد الى ضرورة متابعة ما قال به للانتقال من مرحلة تجميد العمليات العسكرية الى وقف ثابت ودائم لإطلاق النار ما زال البحث عنه قائما بعد عام وشهرين على اعلان حرب سميت بحرب "الهاء واسناد" .
وما زاد في الطين بلة ان فرضت التشنجات الاقليمية والدولية في الفترة الاخيرة واقعا جديدا في البلد، والتي تفاقمت بسبب التطورات السلبية الخطيرة الناجمة عن طول فترة خلو سدة الرئاسة من شاغلها وسقوط الآمال المبنية على مجموعة من الخيارات الاصلاحية المطلوبة اداريا وماليا واقتصاديا من اجل النهوض من الكبوة التي وقعت فيها البلاد، وكل ذلك بدلا من أن ينقاد اللبنانيون الى اخرى دموية عمقت من فقدان المناعة الوطنية و عممتها على باقي وجوه حياة اللبنانيين. ذلك ان نمو الدويلة القوية من ضمن الدولة الضعيفة وعلى حسابها الى درجة تجاوزت فيها ادوارها، وابسط مقوماتها الى درجة تفوقت فيها عليها وصادرت قراراتها السيادية الكبرى وصولا الى اعلان حرب انتهت الى ثلاثية جديدة أغرقتها في بحور من الدم والدموع والدمار. وهي ثلاثية زادت من ترهلها، الى درجة فقدت فيها مناعتها و تقلصت فيها أدوارها الى حدود الصفر في الكثير من المجالات الحيوية والخدماتية لمجرد انها لم تعد توفر لمواطنيها ابسط الخدمات المكلفة بها، قبل ان تلقى على عاتقها بعد معالجة أزمة النزوح الخطيرة التي طالت نصف سكانها، مهمة إعادة اعمار ما تهدم وهو كبير، وما انتهت اليه الحرب من ضحايا اقتربت من كارثة حقيقية لم تعرفها البلاد من قبل.
وبناء على ما تقدم، قالت المراجع السياسية والديبلوماسية عينها أن لديها ما يكفي من المعطيات التي تربط بين مسألتي تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار وانهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الحدودية، وما قال به القرار 1701 ومسألة انتخاب الرئيس بطريقة فرضت التلازم بينهما عدا عن مدى ارتباط الخطوتين بما يجري في سوريا والمنطقة وما يمكن ان تنتهي اليه من متغيرات كبيرة ترسم صورة لشرق أوسط جديد وهي التي زادت من التلازم على نطاق أوسع من قضايا لبنانية داخلية لتتعداها الى سلة إقليمية كاملة وشاملة. وهذه هي مؤشراتها:
ان المساعي المبذولة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وتطبيق المراحل التي قالت بها إتفاقية 27 تشرين الثاني الكاملة بما فيها من خطوات تبدأ بانسحاب جيش الاحتلال وتنتهي بسحب المسلحين وتعزيز الجيش اللبناني في منطقة جنوبي الليطاني وما يليها من خطوات تتناول تفكيك مصانع تصنيع الاسلحة ومصادرة مخازن وحيث ما وجد اي سلاح غير شرعي عدا عن ضبط المعابر البرية والبحرية والجوية ومعها الحدود اللبنانية – السورية ومنع وصول اي أسلحة جديدة الى اي فصيل في لبنان بطريقة تتجاوز سلاح حزب الله على أنواعه وهي عملية لا تكتمل بما لها من ملحقات سياسية وادارية في غياب رئيس للجمهورية انيطت به صلاحيات لصيقة لا يمكن تجييرها الى اي شخص او مؤسسة ولا سيما منها السلطتين التشريعية والتنفيذية باعتباره رأس السلطة الاجرائية والقائد الاعلى للقوات المسلحة عدا عن المهام الاخرى التي لا مجال للتوقف عندها بكاملها، ذلك انه يكفي ان نعدد الأزمات الناجمة عن فقدانه والتي توزعت على مختلف أوجه الحياة كافة لفهم خطورة التمادي في تغييبه الى حد فقدانه.
واستنادا الى هذه القراءة الدستورية والسياسية لا بد من الاشارة الى ان مصير الاستحقاق الدستوري والسياسي المتصل بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية يقف الى حد بعيد عند نجاح الخطط الموضوعة للانتهاء من هذا الإستحقاق بوجوهه المختلفة ولا سيما منها العسكرية والامنية لتثبيت الامن في المرحلة الاولى وهي عملية لا تكتمل ما لم يجر تحصينها بالخطوات المؤدية الى اكتمال عقد السلطات الدستورية بانتخاب الرئيس ليشرف ومعه حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية على كامل المراحل المقررة وهي عملية طويلة الامد وقد لا يكفي عهد الرئيس المقبل بسنواته الست لترجمتها كاملة ان سمحت الظروف الاقليمية والدولية بانطلاقتها من ضمن المهل الأولى، وعملية لن تكتمل على ما يبدو قبل ان يستتب الوضع في المنطقة ولا سيما في سوريا.
وختاما، اعترفت المراجع عينها ان المهلة الفاصلة عن جلسة انتخاب الرئيس قد لا تكون كافية لفهم المؤشرات المؤدية لرسم المواصفات الجديدة للرئيس العتيد، فالمواصفات التي سبق الجدل حولها قبل التوصل الى وقف النار تبدلت وتغيرت في شكلها ومضمونها الى حد بعيد. وان الايام المقبلة ستوحي بأولى المواصفات الجديدة المبنية على نجاح ما تقرر على الأرض. ولذلك فإن موعد التاسع من كانون الثاني المحدد لانتخاب الرئيس ليس مقدسا وهو الخطوة التي تلي تثبيت وقف النار الذي بات رهن اول اجتماع للجنة الإشراف والمراقبة واثبات قدرتها على تقديم صورة نهائية عن إمكان تطبيق ما تقرر على مستوى الانسحاب الاسرائيلي ونشر الجيش والتزام "حزب الله" بما تقرر من خطوات وهي محطة تظهر اسم الرئيس العتيد وفي حال العكس ستحتاج مرحلة انتخابه الى تأجيل قد يكون تقنيا ولفترة محددة تحددها الخطوات المقبلة في لبنان والمنطقة.