بعد "هيركات" لأكبر اذرع إيران في المنطقة ... هل تستنسخ التجربة في سوريا؟!
طوني جبران
المركزية - قبل ان يدخل لبنان مدار الاتفاق الخاص بتجميد العمليات العسكرية تمهيدا للوصول الى مرحلة الاتفاق النهائي والثابت لوقف إطلاق النار في نهاية مسلسل الستين يوما التي تحدث عنها، كانت بعض المعلومات المشتتة تتحدث عن أن هذه العمليات ستنتقل في المرحلة المقبلة الى سوريا من دون القدرة على تحديد اي سيناريو يمكن ان تتخذه مثل هذه التطورات في توقيتها وشكلها ومضمونها وأهدافها المحتملة.
وتعليقا على هذه السيناريوهات الغامضة قالت مصادر ديبلوماسية وعسكرية كانت تراقب التطورات بتفاصيلها الدقيقة من بعد لـ "المركزية" ان الربط الذي قام بين الحرب في لبنان منذ 8 تشرين الأول العام الماضي وتلك التي أطلقت قبلها بساعات قليلة في قطاع غزة كان قائما من باب الحديث المتمادي عن "وحدة الساحات". فعملية "طوفان الأقصى" كانت الشرارة الأولى لحرب "الإلهاء والإسناد"، وجاء هذا التلازم بينهما ليستجر في النتيجة حديثا عن ربط مماثل ضم الساحة السورية الى الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وكانت العراقية مرشحة لمثل هذا الدمج لو لم يتدارك القادة العراقيون الامر بوقف العمليات العسكرية انطلاقا من اراضيهم وحظرها على الفصائل الموالية لإيران التي كانت تساند الفلسطينيين من وقت لآخر بصواريخ ومسيرات بعيدة المدى كتلك التي كانت تنطلق من اليمن.
واضافت المصادر ان هذه النظرية هي التي انعكست مباشرة على ما جرى في سوريا عند التوصل الى الإتفاق الأخير في لبنان الذي تحول مناسبة يمكن الافادة منها لتغيير الوضع في المنطقة بكاملها. فلا تقف تداعياته على الساحة اللبنانية فحسب. وهو ما يبرر او يشير الى الظروف التي قادت الى الحرب التي اندلعت في سوريا لكونها هي المعبر وخط الإمداد الطبيعي الذي يصل طهران بالضاحية الجنوبية في بيروت عبر الاوتوستراد الإيراني الطويل المفتوح عبر بغداد ودمشق.
وانطلاقا من هذه المعطيات الدقيقة التي تبرر في جانب منها ما اختير من توقيت لاندلاع الحرب في سوريا بفارق ساعات قليلة عن دخول لبنان في مرحلة خفض التصعيد، تحدثت المصادر عينها عن مجموعة من المؤشرات التي تؤدي الى تفسير ما حصل وعلى اكثر من مسار. فجميع المراقبين اكتشفوا ان نتائج الحرب في لبنان تجاوزت الوضع في جنوبه ومصير سلاح الحزب ومواقعه تحت الارض وفوقها في المنطقة جنوبي نهر الليطاني، لتصل الى اقفال جميع المعابر البرية والبحرية امام اي فكرة لنقل الاسلحة الى الاراضي اللبنانية، وحيثما وجدت المنشآت العسكرية للحزب ومراكز التصنيع المكملة لتركيبة المسيرات والصواريخ والاسلحة على انواعها، والتي تحدثت عنها القيادة الايرانية التي اكدت ان "حزب الله" ينتج اسلحته في لبنان، لتقليل الاهمية عند تناول مصادرها ومنها التي يمكن ان تتأتى من الحدود اللبنانية - السورية لنقل ما لديه في مخازنها او التي يتم نقلها من العراق عبر أراضيها.
وان ربطت المصادر بين هذه المستجدات وما يجري على الأراضي السورية، تظهر معطيات اخرى ترتبط بفشل الضغوط الاميركية والاسرائيلية التي طلبت تدخل السلطات الروسية لإقفال المعابر مع لبنان والتدخل لدى السلطات السورية للقيام بمهامها ان لم تكن قادرة على هذه المهمة لوحدها. ولما لم تصل هذه الوساطة الى النتائج المرجوة انفجرت في سوريا وكان الهجوم الذي شنته وحدات المعارضة السورية باتجاه مدينتي سراقب ومعرة النعمان في محافظة ادلب باتجاه مدينة حلب التي فاجأتها من مداخلها الشمالية والشرقية بعدما احتلت عشرات القرى في ريفيها الشمالي والشرقي انطلاقا من مواقعها الممتدة من عمقها على الحدود التركية و"المنطقة الامنية العازلة" التي انشأتها انقرة على طول حدودها مع سوريا لتكون قصاصا بحق النظام السوري، ايا كانت النتائج التي تؤدي اليها في اي وقت. وهو أمر بات رهن حجم التدخل الروسي وجديته والذي لم يتضح بعد ان كان كافيا لصد الهجوم او وقفه على الاقل قبل التمدد الى مناطق اضافية. وكل ذلك تمهيدا للهجوم المضاد الذي يستعد له الجيش النظامي قبل ان تتجاوز المعارضة ما احتلته باتجاه مناطق أكثر حيوية بعد قطع طريق حلب - دمشق في اكثر من نقطة ويمكن ان تمتد سيطرتها على تلك المؤدية الى حمص ومدن الساحل السوري.
على هذه الخلفيات، وان كان هذا السيناريو هو الاقرب الى منطق الامور فانه سيتخذ شكلا واضحا في الايام المقبلة. فان كان الجانب الاميركي يصر على ضرورة ان يقطع النظام الاوتوستراد الايراني باتجاه لبنان عبر اراضيه والحد من نفوذ طهران فيها من ضمن الخطة الموضوعة لإجراءات مماثلة في العراق الذي نجح في كبح جماح المنظمات التابعة للحرس الثوري الايراني فيها من التدخل في الحرب الجارية في لبنان وإبعاد اذرعها عن المنطقة وتفكيكها كاملة بعد الضربة التي تلقاها "حزب الله" باعتباره من اكبر ما بنته ايران في المنطقة.
وان صحت المعلومات التي قالت ان الحدود السورية - العراقية اقفلت منذ امس، فان ذلك يعزز الاعتقاد بان الضربة تستهدف النفوذ الايراني ولن تقف عند حدود السيطرة على حلب وتدمير المنشآت الايرانية فيها وخصوصا أنها تلاقت مع الضربة الاسرائيلية في تدمر التي استهدفت نظيراتها ومعها الغارات المستمرة بوتيرة مفصولة عن حرب لبنان على المعابر بين سوريا ولبنان للهدف عينه.
بناء على كل ما تقدم، فان الحديث الايراني الذي استبق وصول وزير الخارجية عباس عراقجي الى دمشق اليوم بعد مجموعة اتصالات هاتفية شملت نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل ان يتوجه الى انقرة بأن ما جرى في سوريا كان ردا على هزيمة اسرائيل في لبنان، جاء معاكسا للواقع الناشئ في لبنان، فعملية "الهيركات" التي طالت أحد أكبر اذرع إيران في لبنان قد تستنسخ في سوريا للقضاء عليه وعلى ما يشبهه هناك. وهو أمر لم يعد وهما. لكن الأخطر يبقى ان صحت معلومات القناة 12 الإسرائيلية بقولها "ان تنسيقا وطيدا قد بدأ بين الجيشين الإسرائيلي والأميركي تحسّباً من انهيار النظام في سوريا وتداعياته".