Feb 10, 2025 5:43 PMClock
مقالات
  • Plus
  • Minus

اصلاح الإدارة وبناء الدولة

كتب العميد منير عقيقي في مجة الأمن العام:


تعرض القطاع الاداري الرسمي في لبنان منذ بدء الاحداث في العام 1975 الى شتى انواع التخريب نتيجة عوامل كثيرة، ادت في نهاية المطاف الى انهيارات متعددة في هيكلة الادارة الرسمية. 
قبل تعداد الاسباب التي ادت بالإدارة الرسمية الى ما نحن عليه، لا بد من القاء نظرة موجزة على القطاع الاداري الرسمي الذي يتألف من:
- رئاسة الجمهورية والمديريات التابعة لها.
- رئاسة مجلس الوزراء والهيئات الرقابية والادارات العامة والمحاكم الشرعية والمذهبية والمجالس والصناديق والهيئات والمؤسسات العامة التابعة لها.
- الوزارات والمديريات والدوائر والهيئات التابعة لها.
تشكل هذه المؤسسات الادارة التنفيذية للدولة اللبنانية، يديرها موظفون ضمن هيكلية متكاملة، تحكمها وتديرها القوانين والانظمة، وكل منها يتمتع بصلاحيات محددة.
قبل العام 1975، كانت الادارة الرسمية تعمل بشكل طبيعي نتيجة التزام الموظفين بواجباتهم اولا، والرقابة الصارمة من الاجهزة المعنية ثانيا. لكن مع بداية الاحداث المؤلمة، تمكنت قوى الامر الواقع، اللبنانية منها وغير اللبنانية، من فرض سلطتها الميليشياوية والحزبية في مناطق سيطرتها على الادارة والموظفين، ففرضت الرسوم (الخوّات) على القطاع الخاص وشاركت الدولة في مداخيلها، واجبرت الموظفين على العمل لمصلحتها وتنفيذ مطالب زعمائها في مقابل تأمين الحصانة لهم في مواقعهم وحمايتهم من اي تدابير عقابية. 
تحولت الادارة الى اداة طيعة في يد هؤلاء، وسادت الفوضى المنظمة حتى ولادة الجمهورية الثالثة عام 1990 على انقاض الجمهورية الثانية التي تأسست عام 1943، بعدما دفنت جمهورية العام 1926.
في الجمهورية الثالثة، كان هناك قرار بإعادة تنظيم الادارة في لبنان، لكن من دون اتخاذ اي اجراء بحق كل من ساهم في تدميرها. وعلى العكس من ذلك، عمدت السلطة الى رفع شعار "عفا الله عما مضى"، وسامحت كل من افسد او اثرى عن طريق الرشى والاعمال غير القانونية. وبدلا من تنظيم الادارة على اسس حديثة ومتطورة، عمدت السلطة الى انشاء مؤسسات رديفة للإدارات الرسمية القائمة، وسمحت للعناصر الميليشياوية والحزبية بالانخراط في المؤسسات الرسمية من دون المرور بمجلس الخدمة المدنية ولا بتطبيق قوانين التوظيف، فأغرق هؤلاء الادارات العامة من دون ان يقدموا لها اي قيمة اضافية، وسادت سياسة المحاصصة في التوظيف والتعيينات حتى يومنا هذا، فانتقلت سلطة "الامر الواقع الميليشياوي" الى الدولة، واضحت امرا واقعا في الادارة الرسمية.
كل المعطيات تشير الى ان الادارة في لبنان تمر في ظروف صعبة، عدا عن ان معظم الدول ربطت مساعدة لبنان بتخطي ازماته المالية والاقتصادية عبر اجراء اصلاحات في القوانين، وترشيد الادارة ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي، وانشاء ادارة شفافة يديرها موظفون يطبقون القوانين على انفسهم، انطلاقا من مفهوم الوظيفة العامة التي تفرض على كل موظف ان يؤدي عمله في خدمة الصالح العام، ويخضع للرقابة وللاحكام القانونية والتنظيمية التي تحكم الوظائف العامة.
لا شك في ان القانونين الاداري والوظيفي في حاجة الى اصلاحات، وطبعا هذا الامر يفرض اتخاذ قرارات جريئة واصدار تشريعات حديثة لتكون للدولة اللبنانية ادارة تؤمن الخدمة العامة، تضبط القيود، وتحافظ على العتاد واملاك الدولة، وتوفر للموظف حياة كريمة.
الموظف والوظيفة هما الحلقة الاساسية التي تربط المواطن بالدولة من جهة، وتحافظ على مؤسساتها من جهة اخرى. ولكي تكون هذه الحلقة متينة وثابتة، يتوجب ان تؤمن السلطة السياسية للموظف كل اشكال الدعم التي تساعده على القيام بوظيفته على اكمل وجه، فيكون محصنا في وجه الاغراءات التي قد يتعرض لها، وهذه الامور لا تتحقق الا بضمان ما يلي:
اولا: تأمين راتب مناسب، واعتماد سياسات تربوية واسكانية وصحية ونقل، تخفف عن كاهل الموظفين وعائلاتهم صعوبات العيش. 
ثانيا: قيام الرقابة القانونية والادارية بواجباتها والتأكد من حسن سير الامور في الادارات.
اخيرا، ان القوانين مهما كانت حديثة ومتطورة لا تصلِح ولا تطبق مع موظفين فاسدين او جهلة. لذا، المطلوب مع اي مشروع اصلاحي، تعيين موظفين مؤهلين واكفاء، لأن من هنا تبدأ عملية اصلاح الادارة على طريق الألف ميل في بناء الدولة.

 

إخترنا لك

Flat Ara
Beirut, Lebanon
oC
23 o