مجلس القضاء الأعلى يدخل دائرة الفراغ...التشكيلات القضائية أساس العلّة !
جوانا فرحات
المركزية – قبل شهر واحد كان يمكن التكلم عن بدء العد العكسي لانتهاء ولاية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، لكن مع أفول تشرين الأول دخل المجلس دائرة الفراغ التي يترأسها موقع رئاسة الجمهورية والتعيينات العسكرية وسواها من المؤسسات التي يفترض أن تنتظم ليعود لبنان!.
إلى اليوم مصير مجلس القضاء الاعلى المؤلف من عشرة قضاة على المحك، فالأعضاء غير الحكميين وعددهم سبعة انتهت ولايتهم وهم القضاة: روكز رزق وهيلانة اسكندر وسهير الحركة وماهر شعيتو وإليان صابر. وكان استقال منذر ذبيان على اثر ملاحقته التأديبية وأُحيل كلود كرم لبلوغه السنّ القانوني. إلا أن التفكك الإداري غير محصور بمجلس القضاء الأعلى وحسب. فالفراغات في الهيئات القضائية حدث ولا حرج، إن في رئاسة غرف التمييز او في المحاكم بفعل احالة اعضائها الى التقاعد ،فهل من حلول مرتقبة وإن في ظل ظروف أكثر من إستثنائية يمر بها البلد أم مزيد من التحلحل في السلك القضائي؟
إذا في تشرين الأول الماضي انتهت ولاية مجلس القضاء الأعلى الذي يتألف بحكم قانون التنظيم القضائي من ثلاثة قضاة حكميين لا تنتهي ولايتهم إلا عند تقاعدهم وهم رئيس مجلس القضاء الاعلى ورئيس التفتيش القضائي ومدعي عام التمييز. في ما خص موقع رئاسة التفتيش فهو شاغر عمليا مع إحالة رئيسه السابق بركان سعد إلى التقاعد بتاريخ 1-7-2022 وكذلك الحال بالنسبة إلى مدعي عام التمييز غسان عويدات ولم يتعين مكانه مدع عام إصيل بل تم تكليف القاضي جمال الحجار بالإنابة. وعليه لا يمكنه الإنضمام إلى مجلس القضاء لأنه ليس قاضيا أصيلا.
يبقى الرئيس الاول القاضي سهيل عبود والواضح أنه الثابت الوحيد في مجلس القضاء من بين القضاة الحكميين الى حين بلوغه سن التقاعد اي بعد سنتين، في وقت تنتهي ولاية الاعضاء الاخرين من رؤساء غرف التمييز والاستئناف ولا يحق لهم التجديد.
وزير العدل الأسبق البروفسور ابراهيم نجار يوضح أن اختيار النائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش يتم من قبل مجلس الوزراء وبأكثرية الثلثين ويفترض وجود حكومة كاملة الصلاحيات. أما الاعضاء الباقون فلا يحتاجون الى جلسة مجلس الوزراء، بل اقتراح من وزير العدل وتوقيع رئيسي الحكومة والجمهورية يبقى مرهوناً بحصول التوافق، البعيد حالياً عن الحقيقة.
في ما خص التشكيلات القضائية فعلى رغم إصرار مجلس القضاء الأعلى على التشكيلات المبنية على معايير موضوعية، عمد البعض لا بل تعمّد الإبقاء على الشغور في المراكز الأساسيّة والتي يتمّ ملؤها بالانتداب أو الوكالة أو التكليف. ويشير البروفسور نجار إلى أن أسباب التعطيل تعود إلى رد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشروع مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية التي اعدّها مجلس القضاء الاعلى بمعايير موضوعية عالية جدا، ووقع عليه كل المعنيين أي وزيرتا العدل والدفاع آنذاك ووزير المالية ورئيس مجلس الوزراء. لكن عند وصوله إلى مكتب الرئيس السابق عون تم تجميده من غير ذي حق لأن التشكيلات متفقة مع ما يفرضه القانون العدلي أي 7 قضاة من مجلس القضاء الأعلى من أصل عشرة".
ابرز المعوقات السياسية اليوم بحسب البروفسور نجارهي غياب رئيس الجمهورية واهمية دوره في تلك التعيينات، المفترض أن تتم بواسطة مرسوم يصدره وزير العدل ويرسله الى الحكومة شرط أن تكون أصيلة وليست حكومة تصريف أعمال. ويلفت إلى " المراكز الدقيقة التي تحصل فيها عملية تكليف مثلا أو بالإنابة أو بتشريع ظرفي على غرار حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش والأمن العام مما يستدعي التدخل العاجل لملء الفراغات في المؤسسات التي تقوم عليها دولة المؤسسات أي القضاء والجيش وتعيينات المالية أو ما تفرضه من جهوزية لدى مجلس وزراء مكتمل الصلاحيات يمارس مهامه".
وعلى رغم كل الأولويات المتراكمة إذا ما تم انتخاب رئيس للجمهورية، إلا أن أبرزها يتمثل بمقومات الدولة أي القانون والمؤسسات التي من المفترض أن تحمل قرارات وتتحمل مسؤولياتها. إنطلاقا من ذلك يشدد على أهمية أن يكون لدى رئيس الجمهورية المقبل برنامج حكم وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة . فالفساد والتلاعب بالأموال العامة والإفلات من العقاب وترهل التشريع وانعدام الأفق السياسية كل ذلك يحتاج إلى دم جديد وفكر جديد وبرنامج حكم وإعادة النظر بكل الأسس التي يقوم عليها النظام اللبناني.
ويختم البروفسور نجار "التشكيلات القضائية جزءٌ من كل ما هو من العوارض التي تسببت بها الأمراض التي ضربت لبنان. من هنا يجب أن يُبعَث لبنان من جديد وننتظر قيامة دولة القانون والمؤسسات".
في قراءة قانونية للمرجع القانوني ورئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص يشير بداية إلى أن النظام القضائي اللبناني مستوحى بشكل كبير من القانون الفرنسي، وعادةً ما يلجأ الفقه والاجتهاد اللبناني الى النظام الفرنسي في سبيل حلّ معضلات لم تنصّ عليها القوانين اللبنانية.
في ما يتعلق بانتهاء ولاية مجلس القضاء الأعلى وإمكانية تمديد هذه الولاية، والتي لم يتناولها التنظيم القضائي في لبنان، يشير إلى أن مع وصول ولاية مجلس القضاء الأعلى الفرنسي الى نهايتها، تبنّى مجلس النواب الفرنسي المرسوم رقم 199-94، الذي تم بموجبه تمديد ولاية مجلس القضاء الأعلى الفرنسي لفترة محدودة واستثنائية وعابرة.
وفقا لهذا المبدأ هل يكون تمديد ولاية مجلس القضاء الأعلى في لبنان ممكناً إذا ما كانت الظروف تقابل هذه العناصر؟ يجيب مرقص "إن ذلك من السيئات التي يجب الابتعاد عنها لأنها لا تأتلف مع طبيعة وسير العمل القضائي في لبنان، وتقدّم حجّة لمريدي البقاء في السلطة وتبريراً للتقاعس عن تشكيل الحكومة الجديدة".