مصير الكهرباء عالق بين الفيول العراقي وخطر الحصار.. وغياب الخطط
ميريام بلعة
المركزية- منذ العام 2021، يستخدم لبنان الفيول العراقي كمصدر وحيد للطاقة في ظل غياب أي بديل... ولهذه الغاية، تم تجديد العقد الموقَّع بين الحكومتين اللبنانية والعراقية مرّتين، واليوم هناك توجّه لتجديده للمرة الثالثة.
وبما أن الفيول العراقي هو مثابة دين على الدولة اللبنانية وليس هبة، يُمنع تسديده من أموال الجباية المودَعة في مصرف لبنان، إلا بموجب قانون. وعندما تعذَر ذلك في التجديد الثاني للعقد، لجأت الحكومة اللبنانية إلى استيراد شحنات فيول من الجزائر التي سارعت إلى تقديمها للبنان على شكل هبة في شهر آب 2024 حين وقعت البلاد في العتمة الشاملة. ثم عاودت الحكومة العراقية رفد لبنان بالفيول التزاماً بالعقد الثاني بعدما تم الاتفاق على تسديد جزء من الأموال من حصيلة جباية "مؤسسة كهرباء لبنان".
ما مصير استدامة استيراد الفيول من العراق في ظل الحرب القائمة حيث تختلط أجندات الدول الاقتصادية بالتطورات السياسية والأمنية مع إدراج بعض الأوراق الإنسانية تحسّساً بالمصاب.
"الشحنة الموجودة تكفي أسبوعين" بحسب تصريح وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض آملاً في عودة العراق إلى تزويد لبنان بشحنات الفيول في ظل الظروف التي يمرّ بها.
أبي حيدر متفائلة... متحفظة
الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر تتوقع عبر "المركزية" أن تستكمل الحكومة العراقية مسار العقد وتعود بالتالي إلى تزويد لبنان بالفيول بعد نفاد الشحنة المُشار إليها، لأن المسألة لا ترتبط بالأكلاف المالية في الظروف الراهنة، بقدر ما تتوقف عند النكبة التي أصابت لبنان جراء الغارات الإسرائيلية على أراضيه... وستستمر العراق في مساعدة لبنان كما فعلت في السابق.
لكن أبي حيدر تطرح في السياق سلسلة تساؤلات في حال طال أمد الحرب أو ما بعدها، وتقول: في ما يخصّ ملف الجباية، تبدّلت الظروف بين الماضي القريب والحاضر، إذ كانت عملية جباية فواتير "مؤسسة كهرباء لبنان" طبيعية قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان، أما اليوم فهناك علامة استفهام حول استدامة هذه الجباية نظراً إلى الدمار الذي حلّ بغالبية مناطق الجنوب والضاحية والبقاع والنزوح الكثيف منها، هذا معطوف على الأزمة المالية التي يعاني منها المواطنون اليوم. هل ستبقى "كهرباء لبنان" قادرة على تزويد المناطق بالتيار؟ علماً أن توزيع الكهرباء يختلف بين منطقة وأخرى أي بين المناطق المستهدَفة التي شهدت نزوحاً كبيراً، وبين المناطق الآمنة التي استضافت النازحين.
وتُضيف: وفق التقديرات الأوّلية، بلغت أضرار قطاع الكهرباء جراء القصف الإسرائيلي ما قيمته 450 مليون دولار فيما نعتقد أنها تفوق هذا الرقم بكثر. من دون أن نغفل الأضرار التي لحقت بألواح الطاقة الشمسية... لكن الأخطر في الأمر، ما أدلى به الوزير فياض عن أن الوزارة لم تضع خطة "ب" لمواكبة أضرار الحرب علماً أن لا وجود للخطة "أ" أساساً... وغياب مثل هذه الخطط يخلق حالة من الخوف وعدم الاطمئنان إلى توفّر القدرة على جبه الخطر المحدق بديمومة تأمين الكهرباء في حال فرضت إسرائيل حصاراً بحرياً على لبنان تعذّرت فيه وصول شحنات النفط والفيول إلى لبنان مما سيتسبّب بوضع كارثي على صعيد التغذية بالتيار الكهربائي الذي يُعتبر مادة أساسية للمستشفيات وقطاع الاتصالات والمياه وغيرها، خصوصاً أننا دخلنا فصل الشتاء حيث تنعدم فرصة الاتكال على الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء.
وفي مرحلة ما بعد الحرب، ترى أبي حيدر "ضرورة الانطلاق بحملة النهوض بقطاع الطاقة، عندها مَن سيتحمّل نفقات عمليات التصليح والترميم في المنشآت الكهربائية التي تفوق الـ450 مليون دولار؟! هل الجهات المانحة التي تشترط الإصلاحات التي لم تنفَّذ حتى اليوم؟ أم وزارة الطاقة؟ أم مؤسسة كهرباء لبنان التي تعاني أصلاً من أزمة مالية كبيرة قبل اندلاع الحرب فكيف الحال بعدها؟
أسئلة كثيرة مطروحة حول مصير الكهرباء في حال طال أمد الحرب أو صيغت التسوية... أو حلّ السلام. يبقى تحديد المسؤوليات وتوفير الإمكانات الجواب الأمثل علّه لا يكون الحل الأكثر تعقيداً!