نقاش ايراني "هادىء" حول خيارات "ما بعد" انتخاب ترامب "يؤجل الرد" على الضربة الاسرائيلية!؟
طوني جبران
المركزية - ما هو ثابت ان ايران ارجأت حتى اليوم ردها على الضربة الاسرائيلية الاخيرة التي استهدفتها فجر السادس والعشرين من تشرين الاول الماضي كما كان متوقعا من قبل ، على الأقل الى ما بعد الانتخابات الأميركية. وهي خلاصة تحدثت عنها العديد من التقارير الديبلوماسية التي تناولت ما يمكن ان تقوم به إيران في إطار المواجهة المفتوحة مع تل أبيب. وإن قيل إن ذلك كان مقصودا لتجنب اي تأثير على مجرى هذه الانتخابات لئلا يستفيد منها الرئيس السابق دونالد ترامب في السباق الذي خاضه مع المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس الى البيت الابيض. فان ذلك لم يقدم ولم يؤخر ، وها هو الرئيس ترامب يستعد لدخول البيت الابيض وهو سيزوره الأربعاء المقبل للقاء الرئيس بايدن في زيارة تمهيدية لعملية تسليم وتسلم لن تكتمل فصولها قبل العشرين من كانون الثاني مطلع العام المقبل عندما سيتولى صلاحياته الدستورية.
وفي تفسيرها لهذه القراءة للموقف الايراني قالت مراجع ديبلوماسية لـ "المركزية" ان طهران - وبمعزل عما انتهت إليه الانتخابات الرئاسية الأميركية - تعبر بهذه النظرية عن حجم "النقزة" التي اقتربت من أن تتحول هاجسا كبيرا من إمكان تكرار التجارب المريرة التي عاشتها طهران مع ترامب ابان ولايته السابقة. فهو من جمد العمل بالاتفاق النووي الذي عقدته ايران مع مجموعة الـ (5+1) برعاية الامم المتحدة ممثلة يالوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 2018 بعد ثلاث سنوات على عقده منتصف تموز العام 2015. ولم تفلح محاولاتها طيلة الفترة التي مرت من اعادة التواصل مع الادارة الاميركية لإحياء هذا الاتفاق بأي شكل من الأشكال، على الرغم من الرهانات التي بنتها على وصول بايدن الى البيت الابيض فخاب ظنها من طول الانتظار لعهد كامل.
واستنادا لما تقدم، حذرت تقارير ديبلوماسية وردت اخيرا من طهران من مخاطر عدم وجود اي رؤية ايرانية موحدة تجاه ما يمكن ان تقوم به طهران لجهة ردها على الضربة الاسرائيلية الاخيرة التي استهدفت منشآت عسكرية وانمائية وطاقوية في ثلاث محافظات من بينها العاصمة طهران. وهي التي تبين لاحقا انها انتهت الى تعطيل معظم وسائل الدفاع الايرانية منها كما الروسية ومن بينها منصات الـ "S300" والـ "S400" قبل ان تستخدم في الرد على الطائرات المغيرة التي بقيت بعيدة بالحد الادنى ما يقارب الـ 70 كيلومترا عن الاجواء الايرانية قبل ان تعود أكثر من 100 مقاتلة من بينها طائرات الـ F35 و F16و F15 مضافة الى تلك الطائرات العملاقة التي رافقتها لتزويدها بالوقود في الجو ، الى قواعدها سالمة.
وتضيف هذه التقارير عند فرزها للمواقف الايرانية المتناقضة، عند مجموعة من المواقف التي أثبتت وجود هذه الأجواء التي توحي بصعوبة تحديد موعد الرد وشكله وحجمه، علما انها خطوة لم تعد تخضع لأي نقاش في ظل اجماع ايراني غير مسبوق على حتميته، ايا كانت الظروف التي سترافقه متى حددت ساعة الصفر. وهي عند تفنيدها لحجم هذه الخلافات أشارت الى وجود صقور ايرانيون يريدون ردا انتقائيا ليكون قاسيا وموجعا لابعاد التهمة التي طالت الردود السابقة بطريقة أوحت بأنها جاءت تجاوبا مع "خريطة الطريق" التي رسمتها الولايات المتحدة الاميركية مخافة الوصول الى الحرب الواسعة والمفتوحة وقد الزمتها بها بطريقة "مسرحية" قبل ان تلحق التهمة عينها بالرد الإسرائيلي الاخير.
وفي التفاصيل قالت التقارير ان الصراع اليوم ينبىء بغلبة واضحة لدعاة التريث في الرد واحتسابه بشكل دقيق منعا لنقل الحرب الى الاراضي الايرانية مرة اخرى. وهو ما يمكن استخلاصه من مجموعة من المواقف التي عبرت عنها شخصيات من مواقع ديبلوماسية وسياسية مختلفة. وكان واضحا ان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتقدم هذا الفريق الداعي الى رد لا يؤدي الى توسيع الحرب. وهو كان واضحا عندما قال قبل ايام قليلة: "لا نريد التصعيد في المنطقة" و"طالما ان لنا الحق بالرد فإننا سنرد على أي عدوان إسرائيلي جديد". وهو ما أوحى بانه ينتظر ضربة اسرائيلية جديدة ليرد عليها.
وكان لافتا ان عرقجي تلاقى في موقفه مع علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، الذي "حذر من أي رد غير مدروس" على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت إيران". وقد أتى هذا التحذير بعد ساعات قليلة من إعلان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الاميركية، لافتا الى مخاطر ان يؤدي هذا الرد الى "ان تحقق إسرائيل من خلاله نقل النزاع إلى إيران" ومشددا على اهمية "ان علينا التصرّف بحكمة لتجنّب الوقوع في هذا الفخ وعدم الرد بشكل غير مدروس". وختم لاريجاني بالقول: “تحركاتنا وردود فعلنا محددة استراتيجيا لذا علينا تجنب أي ردود عاطفية أو غير مدروسة وأن نبقى عقلانيين بالكامل".
عند القراءة لهذه المواقف وتلك التي تناهضها على قلتها انتهت التقارير إلى خلاصة واضحة تعزز الإعتقاد بان الرد الايراني مؤجل الى حين، وانه ما زال بعيدا وهو ما ترجمه الربط الذي اجراه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بين اي رد محتمل والمساعي المبذولة لوقف النار بقوله "أن من شأن وقف محتمل لإطلاق النار بين حلفاء إيران وإسرائيل أن يؤثر على رد طهران على الضربات الإسرائيلية". وما زاد في تفسير هذه المواقف المتراجعة ما نقل عن مدير المركز الأحوازي للدراسات السياسية والاستراتيجية حسن راضي – وهو مركز تحترمه القيادتان العسكرية والدينية في طهران ولكنها لا تعتبر دراساته ملزمة - إلى أن عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة أحدثت "زلزالًا" في الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للنظام الإيراني، منتهيا الى القول في حديثه لموقع "الحرة" : " أن النظام كان يتخوف من مجيء ترامب وكان يحسب له ألف حساب منذ أشهر طويلة".