موفد رسولي من الفاتيكان إلى قرى الشريط الحدودي... ضمانة مسيحيي الشرق تنطلق من لبنان!
جوانا فرحات
المركزية - في زيارته الأخيرة للفاتيكان تمنّى رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم على المسؤولين في الكرسي الرسولي إرسال موفد بابوي للإقامة في بلدة رميش أو القليعة، علّ ذلك يسهم في طمأنة المسيحيين المقيمين هناك ويمنع استهدافهم وتهجيرهم، علما أنّ الڤاتيكان كان أرسل موفدا إلى جزين المونسنيور سيليستينو بوهيغاز بين عامي 1985 و1990.
عند هذه "المعلومة" إنتهى الخبر. لكن في كواليس الرابطة والمعنيين في بلدات وقرى الشريط الحدودي المسيحية يبدو العمل على أشده لإنجاح هذه المبادرة التي من شأنها أن تعيد الطمأنينة والثقة لأهالي بلدات الشريط الحدودي المسيحية الذين ما زالوا يحتفظون بشريط ذكريات عن المرحلة التي حل فيها المونسنيور الراحل بوهيغاز موفدا رسوليا إثر اجتياح حرب الجبل بطلب من البابا القديس يوحنا بولس الثاني .
إقامة الموفد البابوي في جزين حينذاك، ما كانت إلا ترجمة صريحة لوقوف البابا إلى جانب مؤمني هذه المنطقة ودعمه لهم للثبات في الإيمان والتشبث بأرضهم، فضلا عن الدعم المعنوي للمؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية وتقديم المساعدات إلى المعوزين والمرضى.
قد لا تجوز المقاربة بين تلك الحقبة وما يجري على أرض الجنوب اليوم. فالدمار الكارثي حل بأكثر من 14 قرية ومحى بعضها عن الخارطة إضافة إلى الهجرة الجماعية من كافة القرى. إلا أن إصرار أبناء بعض القرى المسيحية في اقضية بنت جبيل، ومرجعيون وحاصبيا على البقاء والصمود دفع بلجنة البلدات الجنوبية الحدودية إلى تشكيل وفد زار مقر السفارة البابوية في حريصا في 18 حزيران 2024 والتقى السفير المونسنيور باولو بورجيا ونقل له صورة عن الوضع المأسوي الذي تعيشه هذه البلدات أسوة بكل بلدات الجنوب، الامر الذي يهدد الالاف من السكان القاطنين فيها. لكن الأهم كان طلب الوفد من السفير بورجيا، "تدخل دولة الفاتيكان بصورة عاجلة من اجل سلامة هذه البلدات وكل قرى الجنوب وتحييد المدنيين عن الأعمال الحربية".
الموفد الخاص لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى بعض مناطق الجنوب جان العلم يوضح لـ"المركزية" أن "علاقة لبنان مع الفاتيكان عميقة في التاريخ وخاصة جدا مع مسيحيي الجنوب والدليل زيارة السفير البابوي لبلدة رميش الحدودية في خضم الحرب لمرتين والوقوف على أوضاع الأهالي الإنسانية والإجتماعية.
وفي ما خص طلب موفد رسولي، يكشف العلم أن المبادرة أطلقها في الشكل مع رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم سابقا الياس كساب وعرضها على البلديات قبل أن يرفعها كساب إلى الكرسي الرسولي ووُضعت قبل شهر ونصف من اغتيال حسن نصرالله وتوسّع العمليات العسكرية في الميدان، حيث كان أهالي القرى المسيحية في الجنوب صامدون في بيوتهم . اليوم اختلف الوضع وبات هناك واقع سياسي وعسكري جديد عما كان عليه قبل 27 أيلول ولم يبق هناك إلا بلدتي رميش التي تهجر إليها عدد من أهالي دبل وعين ابل إضافة إلى سكانها الأصليين في قضاء بنت جبيل والقليعة في قضاء مرجعيون حاصبيا .
مع انكفاء الهدف من المبادرة المتمثل بتمكين أهالي القرى الحدودية التشبث بأرضهم، كان لا بد من إجراء تعديلات على مضمون الكتاب ليتحول إلى حث الأهالي على العودة إلى قراهم مع الإصرار على ضرورة إيفاد موفد رسولي لكي تكون العودة آمنة. وسيكون هناك لقاء داخلي مع رؤساء البلديات تماما كما حصل في المرة السابقة للتأكيد على عدم إقحامها في زواريب السياسة والأحزاب إنما حرصا على الشأن العام وسلامة الأهالي"يختم العلم.
علاقة لبنان مع الفاتيكان عميقة في التاريخ، فمنذ نشأتهم شكا الموارنة أمر ظلامتهم للبابا إينوشنسيوس على إثر مقتل 350 راهبا، بعد مجمع خلقيدونية عام 451، في شمال سوريا.
رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم حمل المبادرة إلى الفاتيكان وعنها يقول لـ"المركزية" " مسؤوليتي كرئيس للرابطة المارونية حدت بي الى التحّرك في الخارج والداخل من أجل التصدي للمشكلات التي تهدد لبنان على جميع الصعد خصوصاً النموذج التعددي الذي تميّز به منذ تأسيس دولته عام 1920".
في روما حيث شارك السفير كرم مع وفد من الرابطة المارونية في إحتفالية تقديس المسابكيين الثلاثة تركزت اللقاءات على طلب إرسال موفد رسولي إلى قرى الشريط الحدودي. وتمحورت تمنيات المسؤولين الفاتيكانيين حول جملة أولويات وقد أكد عليها ممثل الفاتيكان في مؤتمر باريس المونسنيور ميروسلاف واشوڤسكي وهي: إنتخاب رئيس ماروني في أسرع وقت، ووقف إطلاق النار على كل الجبهات والإهتمام بوضع المسيحيين في الجنوب والإصرار على المحافظة عليهم في أرضهم والتركيز على أهمية العيش المشترك، والتعويل على نتائج مؤتمر باريس لأن نجاحه يؤسس لإطلاق الحلّ السياسي، والمحافظة على الوجود المسيحي في لبنان لما له من أهمية على صعيد كل المنطقة، وإحترام قوات اليونيفيل، وتنفيذ القرار1701 بما يؤمن بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها. وكانت مناسبة لإجراء اتصالات واسعة ومثمرة في حاضرة الفاتيكان مع أمين سرّ الدولة ووزير الخارجية بييترو بارولين وأمين سر مجمع الكنائس الشرقية.
كرم وفي لقاءاته في الفاتيكان شدد على الدور الذي لعبه الموفد الرسولي الراحل المونسنيور سيليستينو بوهيغاز بعد تعيينه من قبل الكرسي الرسولي بين عامي 1985 و1990 وركز على أهمية أن يكون الموفد على علاقة وثيقة بالشرق عموما ولبنان تحديدا ويلفت إلى أنه طلب من المعنيين تعيين مونسنيور متقاعد بعدما تنامى إليه وجود نقص في عديد العاملين في نطاق الفاتيكان.
حتى اللحظة ،لم يصل أي رد من حاضرة الفاتيكان علما أن بارولين وعد كرم بأنه سيرفع طلبه المتعلق بإرسال موفد خاص إلى البابا فرنسيس وسيكون ضمن النقاط التي سيبحثها معه. إلا أن التأخير لا يعني رفض الطلب إذ ثمة خصوصية لدى ديبلوماسية الفاتيكان وهي تأخذ وقتا "وأنا مطمئن نظرا إلى إلمام الفاتيكان بأهمية دور مسيحيي لبنان في الحفاظ على مسيحيي الشرق وسأتابع الموضوع عن كثب وإن شاء الله خير" يختم السفير كرم.