Jul 31, 2023 2:13 PM
خاص

"المركزية" تنشر كتاب المقدسي وراشد الى ممثل "الصندوق" في بيروت:
التفاهم معه وفق البرنامج السابق مستحيل وهذه البدائل

المركزية- خاص

المركزية- سلم كل من وزير الاقتصاد السابق البروفسور سمير المقدسي ورئيس الجمعية  الاقتصادية  الدكتور منير راشد  في لقاء جمعهما في 29 تموز الجاري كتابا  الى الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في بيروت السيد فردريكو ليما تحدثا فيها عن مصير المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي واعتبرا أن التفاهم مع الصندوق وفق البرنامج السابق له بات امرا مستحيلا. وحددا في رسالتهما البدائل من السياسات المقترحة.

وفي ما يلي تنشر "المركزية" نص الرسالة بحرفيته:

 السيد ليما المحترم

لقد مضى على المشاورات بين صندوق النقد والدولة اللبنانية قرابة أربع سنوات منذ بدء الازمة و لم يتم التوصل لحينه الى اتفاق على برنامج إصلاحي متكامل مدعوما من عامة المواطنين وكذلك من الفعاليات السياسية  بمختلف توجهاتها . لذا فقد حان الوقت لكي يُنظر الى بديل للحل المطروح من قبل صندوق النقد الذي عمليا يستند  إلى إلغاء وشطب الودائع بالدولار بمجملها. وقد ابدت الحكومة الحالية تحفظها على برنامج الصندوق واعلنت في لقائها الاخير مع بعثة الصندوق ضمن مشاورات "المادة الرابعة " أن العبء المطلوب تحمله من قبل المودعين في المصارف اللبنانية غير مسبوق ولم تتحمل حجمه اية دولة عانت من أزمات مالية كبيرة. و لهذا السبب  تواجه خطة الصندوق و بالاخص  طلب شطب الودائع اعتراضا واسعا في المجتمع اللبناني كما أفادت الحكومة.                                                                 

و اخذا بواقع المعارضة الشديدة للشطب الهائل للودائع المطروح في برنامج الصندوق، فلا بد من اعادة النظر في استراتيجية الصندوق لمعالجة الازمة ، كما و أبدت بعثة الصندوق في تقريرها الأخير استعدادها للحوار في هذه المسألة.

أن السيناريو المطروح في تقرير صندوق النقد الأخير لا يزال يستند إلى الافتراض بان الأزمة هي حالة إفلاس للقطاع المصرفي بينما هي في حقيقتها ازمة سيولة. ففي حالة الإفلاس تعتبر التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف بالدولار دين تتحمله الدولة اضافة الى دينها باليروبند، فيصبح حجم الدين الى الناتج المحلي حسب تقديرات صندوق النقد نحو 510% من الناتج المحلي بنهاية 2022. و هذه النسبة المرتفعة تعتبر حالة غير قابلة للاستمرار.  ومن وجهة نظر مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد يعتبر ايضا دينا مرتفعا ويُعرض حصص الدول الأعضاء لمخاطر مرتفعة قد تنتج عن تقديم أي تسهيلات مالية للبنان.  ولذا يطلب مجلس المديرين من لبنان التوصل اولا الى مستوى من المديونية يعتبر قابلا للاستمرار لكي يبث بتقديم اية تمويل له. لذلك تعتمد خطة الصندوق تخفيض دين الدولة من 510% في 2022 الى 110% في 2023 خلال سنة واحدة لكي يستحق لبنان استعمال التمويل المتاح من صندوق النقد. لذلك ارتأت خطة الصندوق تقليص ميزانية مصرف لبنان من خلال شطب التزاماته  نحو المصارف و التي يقابلها  شطب للودائع في المصارف،  ولكن على ما يبدو دون الأخذ بعين الاعتبار وقعها الاجتماعي السيئ والخطير على المودعين.  كما تشمل الخطة أيضا شطب جزء من الدين باليوروبوند و كذلك تحويل جزء من الودائع لرسملة المصارف.

لقد قدمت الحكومة اللبنانية بعض التعديلات على خطة صندوق النقد وشملت استرداد الفوائد الفائضة من الودائع، التمييز في المقاربة بين الودائع التي حولت الى الدولار قبل 17 تشرين اول والتي حولت بعد هذا التاريخ، وإنشاء صندوق استرداد للودائع من عائدات أملاك الدولة تحول له ما تبقى من الودائع،  واستعادة الأموال من الودائع التي تعتبر منهوبة. إلا أن كل  التعديلات المقترحة سيقابلها شطب للودائع بالدولار ولا تؤدي الى حل للأزمة. أن  الاستمرار بنقاش هذه التعديلات غير فعالة و لا تفي بالغرض المنشود  لحماية الودائع ولاعادة الثقة و السيولة للمصارف. لذا من الضروري اعتماد حل بديل للوصول الى هدف خلق  السيولة و الثقة،  وهما لُب الحل ويمهدان الطريق للاتفاق على برنامج  فعَال مع الصندوق من خلال الإجراءات التالية:  

 -  التأكيد على الحفاظ على كافة الودائع ، و الرجوع فقط الى القضاء لاعادة أية ودائع ناتجة عن أعمال غير قانونية او حولت الى الخارج بطرق غير شرعية. و صحيح ان توزيع الودائع و كذلك الثروة في لبنان لا تتصف بالتوزيع العادل، و لكن شطب ودائع الاثرياء  و للآلاف من متوسطي الدخل و كذلك ودائع النقابات تحت شعار تحقيق المساواة من خلال حرمانهم مما جنوه خلال عقود من العمل الشاق ستكون ضربة قاضية لركائز الاقتصاد اللبناني. إن التوزيع العادل للدخل والثروة لا  يتحققا من خلال افقار الجميع، ولكن من خلال سياسات مالية ( نظام ضريبي تصاعدي عادل) و سياسة تنموية متوازنة، و برامج  فعالة للحماية الاجتماعية.

- اذا لا  يكمن الحل بشطب ودائع المواطن لدى المصارف التجارية والمقابل لها في مصرف لبنان أو بإعادتها.  الطريقة الفضلى تكمن في اعادة جدولة جميع الاصول والالتزامات المالية الخاصة و العامة بالعملة الاجنبية والمحلية  لفترة زمنية متوسطة (خمسة سنوات) بدلا من شطب الودائع و رؤوس أموال المصارف. ان اعادة الجدولة هي الخط الأول لمعالجة الأزمات المالية و هذا ما التجأ إليه صندوق النقد من خلال نادي باريس ونادي لندن  الذين خدما إعادة جدولة الديون للدول المتعثرة بإشراف صندوق النقد، ولم يكن شعار هذه المبادرات الشطب اولا  ومن ثم الاصلاح، وإنما الجدولة برفقة الإصلاح.

-  لذا يجب اعتبار ودائع المصارف لدى مصرف لبنان كودائغ متعثرة  وليس كخسارات على الدولة، و تكمن معالجتها من خلال اعادة الجدولة و توفير السيولة للمصرف المركزي و المصارف.  و يعتبر دين الدولة  مُكون بمعظمه من الالتزامات الصادرة  باليروبند، والقليل من الديون الثنائية و لا يتعدى مجموعهما اربعين مليار دولار. و من الممكن الحصول على حسومات من الجهات الحاملة لسندات اليروبند و خاصة المؤسسات المالية العالمية التي تحوز اليوم على نحو نصف قيمة هذه  السندات،  و قد حصلت على معظمها باسعار مخفضة خلال الازمة.  و سيؤدي التسامح لجزء من الدين باليرو بوند ( الثلث على سبيل المثال) إلى خفض الدين العام الى نحو 100% من الناتج المحلي. فيصبح التوصل الى برنامج مع المديرين التنفيذيين في صندوق النقد مقبولا.

-  كذلك تتوفر السيولة من خلال تحرير سعر الصرف ( مع تدخل مصرف لبنان في السوق الحر لتأمين انتظامه) و التي ستخول المصارف التعامل مع سوق القطع الأجنبي بالسعر الحر  الذي سيجذب الودائع و السيولة للمصارف، و انهاء اعادة الديون لصالح المصارف بسعر الصرف الرسمي على حساب المودعين. كما سينهي ما يسمى "لولار". حينئذٍ يقبل المودع ان يسترد وديعته بالليرة او بالدولار على حد السواء. سيصبح دور العملتين متوازيتين في المعاملات المحلية.

- توقف ضخ السيولة بالعملة الوطنية لتمويل الدولة ضروري، والذي بدوره  سيؤدي الى توقف انهيار الليرة.  وذلك مع استهداف توازن مالي خلال فترة وجيزة على أساس فصلي لا يتعدى 18 شهرا. ان تحرير سعر الصرف مرفقا باعادة جدولة الدين و خدمة دين القطاع العام سيؤديان دورا هاما في تحقيق التوازن المالي. و لدى الحكومة العديد من الادوات الاخرى في الإيرادات و النفقات  لتحقيق هذا الهدف.

- و يجب ايضا خصخصة ادارة مؤسسات القطاع العام من خلال مناقصات عالمية شفافة. وبعد تعافي هذه المؤسسات يجب النظر بتحويلها الى شركات مساهمة وتُعرض في سوق بورصة بيروت، مع تحديد سقوف للملكية الخاصة. و قد تحتفظ الدولة بمساهمة معينة . ان هذا الاجراء سيدعم الوضع  المالي للدولة من خلال ارباحها و الضرائب وكذلك ريع التخصيص الجزئي لهذه المؤسسات.

ومن وجهة نظرنا ستُخول هذه الخطوات اعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني و تمهد لعملية النهوض خلال فترة وجيزة. ان لعبة الانتظار المتبعة حاليا لن تؤدي أية نتيجة بل ستلحق المزيد من الضرر في الاقتصاد. ونتوقع أن يرحب صندوق النقد الدولي بتحرير سعر الصرف و خلق سوق موحدة له و كذلك اعادة جدولة التزامات الدولة و مصرف لبنان بدلا من شطبها. هذه الاجراءات ستوفر السيولة و عودة الثقة للمصارف و الدولة و العملة الوطنية ويتم التخلي تدريجيا عن الاقتصاد النقدي و التحول الى استعمال الصكوك المصرفية و بطاقات الائتمان في المعاملات وتخفف من الطلب على الدولار النقدي.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o