Jun 23, 2023 6:21 AM
صحف

مهمة لودريان "الطويلة": الصفحة السابقة طويت

لم ينتظر المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الوزير السابق جان ايف لودريان تصنيفات الساسة اللبنانيين والاعلام اللبناني لتثبيت مواصفات مهمته “الاستثنائية” التي يبدو واضحا انها ستطول، فسارع بنفسه غداة وصوله الى بيروت الى تأكيد الطابع الاستطلاعي لجولته الراهنة واعدا بزيارات أخرى مما يبقي الباب مفتوحا على توقع الانتقال من الاطار “الاستطلاعي” الى طرح خطة او وساطة فرنسية جديدة .

وإذ بدا لافتا اختيار لودريان لمحطة بكركي وحدها، من دون كل المحطات الأخرى في لقاءاته السياسية حتى قصر الصنوبر نفسه، لاطلاق تصريحه الأول والوحيد حتى الان، فربما تشكل التأكيدات التي نقلت عنه بان المرحلة السابقة طويت وأن مرحلة جديدة بدأت من خلال جولته وان الاساس يبقى الحوار اللبناني اللبناني، ابرز الانطباعات التي شكلت خلاصات اليوم الثاني الماراثوني من لقاءاته وجولته الممتدة حتى ساعات الليل.

وتكشف أوساط مطلعة على محطات عدة من لقاءات لودريان لـ”النهار” ان الموفد الفرنسي لم يناقش فكرة انعقاد طاولة حوارية برعاية فرنسية حتى اللحظة، لكنه طرح نقاطا محدّدة وسط أسئلة منطلقة من مقاربة الخيارات الممكنة. وهو لم يتحدث مباشرة عن دعم مرشح معيّن بل تطرّق إلى الاصطفافات السياسية القائمة وضرورة الوصول إلى حلول ناجعة. وأوضح لمن التقاهم انه جاء في إطار زيارة استطلاعية بهدف طرحه للأسئلة والاستماع إلى أجوبة لمعرفة الآراء وإلى أي مدى هناك إصرار على مواقف معينة من القوى السياسية، مع الاستماع إلى سبل الحلّ على مستوى رئاسة الحكومة، وماذا يمكن أن تفعله، وأنه يتوجب بداية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل مجلس للوزراء كامل الصلاحيات مع التأكيد على قيام الحكومة بواجباتها رغم أنها لا تتمتع بالصلاحية الشاملة. وقد كان لودريان مستمعاً أكثر منه متحدّثاً، وأكّد أنه سيعود بعد شهر بهدف جوجلة الأفكار والطروحات التي يناقشها. وطرح لودريان مجموعة أسئلة معبراً عن معرفته بكيفية انقسام البلاد على مستوى الرئاسة.

مرحلة طُويِتَ: من جهتها، أشارت "الجمهورية" الى ان لليوم الثاني على التوالي ظلت مهمة لودريان الاستطلاعية محور الاهتمام والمتابعة لدى كل الاوساط السياسية، لكنّ الرجل، وفي ضوء استطلاعاته، وجد نفسه محاصراً بِكمّ هائل من التفسيرات للأسئلة التي يطرحها، والتي على اساس الاجوبة التي تلقّاها عليها سيَصوغ تقريره الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليبنى على الشيء مقتضاه لجهة ما يمكن ان تتخذه فرنسا من خطوات، بالتعاون مع السعودية وبقية دول مجموعة الخمسة العربية والدولية، تساعد على حل الازمة اللبنانية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وتكوين سلطة جديدة تتولى ورشة الانقاذ.

بالفرنسية استطلاع، وبلغة السياسة اللبنانية رسائل وإشارات...

هكذا أراد كل فريق تفسير مواقف الموفد الفرنسي جان ايف لودريان على رغم من انتقائه الكلمات استِشعاراً منه بدقة وحساسية المرحلة وحساسيتها. لكن مصدرا سياسيا رفيعا اطلع على أجواء غالبية اللقاءات واستطلع فحواها اكد لـ«الجمهورية» ان هذا الديبلوماسي الفرنسي المحنّك والعتيق كان سائلاً اكثر منه مُجيباً ومُطلِقاً مواقف.

واشار الى ان لودريان لم يحمل معه فكرة او طروحات انما كان واقعيا فتحدث اكثر عن البرامج والمواصفات متجنّباً الانحياز الى الاسماء، فالدولة التي تصنّف نفسها حالياً «ام الصبي» في الاستحقاق الرئاسي والتي تقود تفويضاً ظلها في مساعدة المسؤولين في لبنان على انجاز الاستحقاق لا تخوض حربا كونية و«تنفخ على اللبن لأن الحليب كاويها»، فرئيسها ايمانويل ماكرون بنفسه زار لبنان عام 2020 مرتين ولم يستطع التوصّل الى تشكيل حكومة، فكيف سيتمكن الان من انتخاب رئيس؟

من هنا يقول المصدر ان نصيحة المبعوث الفرنسي للجميع عموما كانت التفكير بعقل وللمسيحيين خصوصا بعدم الذهاب برئيس تحد والاتفاق مع الثنائي الشيعي وليضعوا الشروط والضمانات التي يريدون، خصوصاً ان الاصطفاف المسيحي الذي تجلى في جلسة ١٤ حزيران لم يصل الى نتيجة، بل على العكس كرَّس الشرخ. ولذلك لا تستطيع فرنسا ان تتبنى هذا الاصطفاف، و في كل الحالات سيرفع لودريان تقريره الى الاليزيه ويعود في تموز لاستكمال البحث.

وعلمت «الجمهورية» من مصادر «التيار الوطني الحر» ان زيارة لودريان لرئيس التيار النائب جبران باسيل في منزله استمرت ساعة وربع ساعة، سمعَ خلالها الاخير منه انه في ضوء أزمة الرئاسة لا بد من البحث عن حلول جديدة، وأنّ هناك مرحلة طُويت ومرحلة جديدة بدأت وأن فرنسا لا تملك حلولاً معلبة ولا اجوبة مسبقة.

وتقاطَعت وجهة نظر باسيل مع رأي لو دريان على أن الرئيس اللبناني المنتظر لا يمكن أن يكون إلا نتاج حوار لبناني ـ لبناني. وشرح رئيس التيار وجهة نظره التي تقوم على ضرورة التحاور بين جميع المكونات اللبنانية للتوافق على اسم الرئيس وعلى الخطوط العريضة لبرنامج تنفذه طبعاً الحكومة، والذي على أساسه يتم طلب الدعم الخارجي. كذلك شرحَ باسيل للموفد الفرنسي أن الرئيس لا يمكن له أن ينجح ما لم يحظَ بدعم داخلي واسع إن لم يكن شاملاً، بدليل ما جرى من تفشيل لعهد الرئيس ميشال عون نتيجة مواقف قوى فاعلة في الدولة عارضت مجيئه من الاساس وتوعدت بإفشاله.

واشارت مصادر «التيار» الى انّ وجهات نظر باسيل ولودريان تلاقت في اكثر من نقطة، وفُهم ان زيارة الموفد الفرنسي للبنان ستتكرر قريبًا.

في غضونِ ذلك توقفت مصادر مواكبة لزيارة لودريان عند دعوته فرنجية الى لقاء وغداء في قصر الصنوبر، فقالت لـ«الجمهورية» انّ فرنجية «مميز دائماً بالنسبة الى الفرنسيين إذ تربطه بهم علاقة مميزة قوامها الثقة في أدائه السياسي. ولو لم يكن كذلك لما ارتكزت المبادرة الفرنسية على ان يكون هو رئيساً للجمهورية. ومن هنا كانت دعوة لودريان له الى الغداء في قصر الصنوبر، ودامَ اللقاء بينهما نحو ساعتين.

ولفتت المصادر الى ان كل من التقى لودريان لمسَ ان فرنسا لم تخرج عن مبادرتها اذ ان هذه المبادرة لا تختصر برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة فقط، وانما تتصل ببرنامج عمل لاحق من شأنه تسيير الامور ومنع التعطيل الذي عاشه لبنان في الفترات السابقة ما ضرب اقتصاده في العمق.

كما ان كل مَن التقى لودريان لمسَ منه عدم التراجع عن المبادرة الفرنسية كونها الاكثر واقعية والاكثر سرعة في التنفيذ، بحسب مقتضيات البيان الذي صدر في ختام القمة بين ماكرون وبن سلمان التي دعت الى الاسراع التام في انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وانّ اي عودة عن هذه المبادرة من شأنها تأخير انجاز هذا الاستحقاق بينما البقاءعليها و»تكحيلها» من شأنه الاسراع في اجراء الانتخابات الرئاسية.

واكدت المصادر المواكبة نفسها ان كل مَن التقاهم لودريان من رافضي المبادرة الفرنسية خرجوا بانطباع سلبي. وهذا ما عكسه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي دعا بصورة لافتة الى عدم انتظار الخارج والذهاب الى انتخاب رئيس ضمن اطار اللعبة الداخلية، داعياً الى اجراء الانتخابات بالمرشحين فرنجية وازعور ومن يربح يربح. اما ما تم تسريبه عن لسان باسيل بعد لقائه لودريان من ان فرنسا قد تخلت عن كل مواقفها السابقة فهو غير صحيح لأن الموفد الفرنسي، وبحسب ما اكد جميع من التقاهم، كان مستمعاً ومصغياً الى كافة المداخلات من دون ان يبدي اي رأي حول اي مرشح.

كذلك كان اللافت تغريدة فرنجية بعد لقائه ماكرون حيث اتسمت بالايجابية، اذ كتبَ فيها: «نشكر وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان وسفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو على دعوتهما الكريمة. اللقاء كان إيجابياً والحوار بناءً للمرحلة المقبلة».

بانتظار تقاطع دولي: من جهة ثانية، يتضح من تصريحات لودريان، بعد لقاءاته مع عدد من الشخصيات، أنه لا يحمل أي مبادرة لتحريك ملف الاستحقاق الرئاسي. فالمهمة استطلاعية ليس إلا والجمود لا زال على حاله بانتظار خرق ما.

وفي هذا الإطار، رأت مصادر سياسية مواكبة لحركة الموفد الفرنسي في اتصال مع "الأنباء" أنه من الواضح أن الدبلوماسي الفرنسي يتقن فنّ الإصغاء أكثر من الكلام، لأنه يسعى لينتزع من اللبنانيين ذلك اللغز السحري الذي قد يوصله الى القواسم المشتركة التي جاء من أجلها كي يتمكن من خلق تصور واضح يقوده الى وضع مسودة تسوية قد تخرج لبنان من النفق المظلم، ليعرضها بعد ذلك على الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سيتشاور بشأنها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل أن يتولى الرئيس الفرنسي مناقشتها مع المسؤولين الإيرانيين الذين عليهم أن يضغطوا على حزب الله للقبول بها وعدم عرقلتها. ما قد يمهّد الى تسوية تكون شبيهة بحوار الدوحة الذي أوصل الى انتخاب الرئيس ميشال سليمان. 

المصادر نفسها استبعدت الدخول بلعبة الأسماء قبل الاتفاق على العناوين العريضة للتسوية، لأن الأسماء المقترح أن يتم التوافق عليها لن يُعلَن عنها قبل أن ينتزع لودريان وعداً من القوى السياسية الأساسية بالمضي في التسوية لأن لا بديل عنها غير الانهيار الاقتصادي الشامل وتخلي الجميع عن لبنان.

من جهته، اعتبر النائب السابق أنيس نصار أن التسوية ما زالت بعيدة والجميع أدلى دلوه وانتهى الأمر. وقال: "هناك محاولة لضبط إيقاع الأزمة حتى لا يكون لها ارتدادات سلبية".

وقال نصار في حديث لـ"الأنباء": "سمعنا أن لبنان كان على جدول أعمال قمة ماكرون - بن سلمان، لكن لم يرشح شيء عن هذا اللقاء باستثناء الزيارة التي يقوم بها لودريان الى لبنان، فهل لهذه الزيارة علاقة بلقاء الإليزيه بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي، أم أن فرنسا اكتشفت بأنها أخطات بحق اللبنانيين بطرحها معادلة فرنجية - سلام وتريد اليوم أن تتراجع عن خطئها من خلال جولة لودريان الاستطلاعية".

وأضاف نصار: "حتى الاتفاق السعودي - الإيراني لم يرشح عنه شيء تجاه لبنان. فالمشكلة في هذا البلد أن لا أحد يملك الأكثرية ولا بد في نهاية المطاف أن تتقاطع المعارضة مع الثنائي الشيعي وأن يتفقوا على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون وإلا لن يكون هناك حل قريب في لبنان".

إذاً سيعود لودريان الى باريس خالي الوفاض بانتظار تقاطع دولي أكبر حول لبنان، فالفرنسي وحده لن ينتج رئيساً للبنان وقوى أخرى لا بد أن تكون شريكة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o