May 21, 2021 8:21 PM
صحف

دائرة حمراء "قواتيّة": نحنُ هنا ونُصوّب المعادلة

تبدو القوات اللّبنانية وحدها في الساحة السياسيّة، ولا أحد معها من الأحزاب الحاضرة برلمانيّاً، في تبنّي مقاربتها والعمل في سبيل ترجمتها، لناحية الدفع باتجاه انتخابات نيابية مبكرة والاقتناع بعدم القدرة على إنتاج حلول في ظلّ الأكثرية الحاكمة المرتبطة بمحور “الممانعة”. وفي الأمس القريب، بدا نداء رئيس “القوات” سمير جعجع وحيداً على صعيد القوى البرلمانية، لجهة مطالبته رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال إعطاء التعليمات اللازمة لوزارتي الداخلية والدفاع والإدارات المعنيّة، من أجل الحصول على لوائح كاملة بأسماء من سيقترعون للرئيس السوري بشار الأسد والطلب منهم مغادرة لبنان فوراً والالتحاق بالمناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، طالما أنّهم سيقترعون لهذا النظام ولا يشكّل خطراً عليهم. لكنّ جعجع لم يكن وحيداً في ملعب الناس، ووسّع نداؤه الساحات الشعبية تصديّاً لتمرير أمر واقع، وفق تأكيد المرصد “القواتيّ” الذي لاحظ تحرّكات مريبة في مناطق ثقله الشعبيّ ليل الأربعاء الفائت، بُعيد إطلاق رئيس “القوات” موقفه الحازم.

وتفيد المعطيات التي تشير إليها مصادر بارزة في “القوات” عبر “النهار” إلى أنّ أمر عمليات نُفّذ على الأرض منتصف ليل الأربعاء – الخميس من خلال مرور سيّارات مزوّدة بمكبّرات صوتيّة جالت في مناطق ذات حضور “قواتيّ” كثيف، مطلقة الأناشيد المناصرة للمحور “الممانع” والنظام السوري، في محاولة فُهم أنّها محاولة واضحة لاستفزاز مناطق تُشكّل بيئة حاضنة للتوجّه السياديّ الذي تتبنّاه “القوات اللّبنانية”، ومحاولة غير مباشرة لترهيب المواطنين والعمل على استفزازهم وإرسال رسائل مبطّنة تذكّر بزمن الوصاية. ومن هذا المنطلق، ترى “القوات” أنّ المشهد المتنقّل للناخبين السوريين الذي اكتملت ملامحه يوم الخميس، يحمل في عناصره أبعاداً سياسيّة محضّرة سابقاً، وغير آنية أو عفوية، خصوصاً أن المواكب اللبنانية التي رافقت السورية منها، أظهرت الاستعدادات المنسّقة لإخراج صورة حدثٍ يُراد منه رسم خلاصات سياسية من داخل الأراضي اللبنانية، من دون استبعاد “القوات” مشاركة وفود حاضرة بشكلٍ خاص من سوريا لتنفيذ الإخراج المطلوب.

وتلفت مصادر “القوات” إلى أنّ هذه العوامل مجتمعة، قد رافقتها ردود فعل مستفزّة من الناخبين المجنّدين لخدمة النظام بتغطية من محور “الممانعة”، بعدما كشفت مواقف جعجع ودعواته، المخطط القائم، وساهمت في ضرب المشهدية التي كان يعمل عليها على طريقة مشهد متنقل بقرار سياسي يحمل معه المحاولات الاستفزازية التي تعرّض لها المواطنون في مناطقهم، والذين يرفضون أي مظاهر تبتغي توجيه رسائل مفادها عودة النظام السوري إلى لبنان. وهذا ما ساهم في اندفاعة على رسم دائرة حمراء من اللبنانيين الذين يشكّلون بيئة حاضنة للمقاومة اللبنانية، رفضاً للانتهاكات وإجهاضاً لمشهدية حملت معها ملامح مؤامرة مساقة سلفاً.

وفي العبر السياسية التي رسمها مشهد الخميس، تستقرئ المصادر خلاصات سياسية مهمّة دالّة على أنه في غفلة من الزمن، عندما نجح رئيس الجمهورية ميشال عون في أخذ بيئة لبنانية باتجاه النظام السوري، عادت كامل مكوّنات هذه البيئة واستيقظت مجدّداً بعدما أوصلها المحور الذي يتبعه عون إلى الفقر والمجاعة. وهي استطاعت بكامل عناصرها استعادة هويتها السيادية واللبنانية مع استفتاءات أظهرت جليّاً أنّ خيارات عون السياسية لا تمتّ إلى قناعاتهم بصلة. وبمعنى آخر، إن رفض سكان هذه المناطق عودة مظاهر مبايعة محور “الممانعة” ومشاركتهم في التصدي للأمر الواقع المحضّر بشكل عفوي، على تنوّع توجهات السكان السياسية، شكّل استفتاءً حول صوابية خيارات “القوات” الاستراتيجية في وجه من يغطّي خيارات ذلك المحور في لبنان.

إلى ذلك، تؤكّد مقاربة “القوات” عدم صحّة بعض القراءات السياسية الداخلية التي تشير إلى حصول تسوية في المنطقة على حساب لبنان واللبنانيين، فيما لا بدّ أن يخشى الطرف الآخر المحسوب على محور حزب الله على موقعه باعتبار أن المطروح في المنطقة من تطورات إقليمية، يكمن في فكّ ارتباط سوريا بإيران. ويُعتبر واهماً، في رؤية “القوات”، من يظنّ أن ما حصل في تسعينيات القرن الماضي يمكن أن يتكرّر في المرحلة المقبلة، بعدما أوصل مشروع الأكثرية الحاكمة البلاد إلى الفقر والانهيار والعتمة والجوع، ما يحمل في أبعاد هذا المشهد صور هزيمة هذا المشروع الذي أثبت عجزه في مقابل صعود المشروع السيادي، في وقت لا يمكن لبنان أن يقوم سوى من خلال العودة إلى بيته المتمثل بالشرعيتين العربية والدولية، والمباشرة في تنفيذ مشروع إصلاحيّ متكامل. ولا يغيب عن المشهد المؤشرات المؤكدة رفض المجتمع الدولي إعادة ثقته بالطبقة السياسية الحاكمة أو تجديدها، بعد اليأس التام من ممارستها التي أوصلت البلاد إلى الانهيار.

ويعني ذلك في خلاصة “القوات” أنه ما من خيارات متاحة أمام لبنان سوى إنتاج سلطة جديدة تطوي صفحة المرحلة الحالية القاتمة، في وقت يُعتبر كلّ قرار آخر مجرّد مضيعة للوقت. يأتي ذلك في وقت تشهد الساحة السياسية الداخلية استنفاراً ضدّ “القوات اللبنانية” في ظلّ هواجس، تلمس معراب أنها تعتري البعض، توجّساً من البيئة الحاضنة التي تحتضن “القوات” والمخاوف من تحقيقها انتصارات كبيرة في الاستحقاقات المقبلة. ولم يكن ما حصل في ساحات المناطق اللبنانية من تصدٍّ لمحاولات تمرير أمر واقع، سوى ردّة فعل مؤكدة على فعالية دور “القوات” في رسم المسارات، وتأثير خطّها السيادي في المعادلة اللبنانية.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o