Aug 25, 2020 9:05 AM
مقالات

لماذا لا يكون المفتي دريان مثل البطريرك الراعي؟

كتب عوني الكعكي:
عندما تتعرّض طائفة معيّنة لأزمة كبيرة، تهدّد مصيرها، فإنّ المطلوب من «رأس» هذه الطائفة التصرّف بحكمة، والعمل على حل المعضلة بحكمة ودراية لما يعود بالفائدة على الطائفة «المهدّدة» وعلى الوطن كله.
هذا -بالفعل- ما حصل، عند الدخول في أزمة انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، يوم كان «الحزب العظيم» يصرّ وبإلحاح على انتخاب الرئيس ميشال عون أو «فلن تكون انتخابات لرئاسة الجمهورية أبداً».
هذا الموقف، دفع بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للدعوة الى اجتماع في بكركي، حضره السادة: الرئيس ميشال عون، والدكتور سمير جعجع والرئيس أمين الجميّل والزعيم سليمان فرنجية، وجرى الاتفاق على أن أيّاً من الحاضرين، يحصل على موافقة أغلبية الحاضرين يكون مرشحاً وحيداً... وبالفعل لم يتقدّم أيٌّ من الحاضرين بترشيحه، وظلت الحال على ما هي عليه حتى «اتفاق معراب»، الذي حمل موافقة الدكتور جعجع بتأييد ميشال عون وترشيحه رئيساً للبلاد، على أن يتوزّع النواب والوزراء المسيحيون مناصفة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
الرئيس ميشال عون، حصل على ما يريد من الاتفاق المذكور وترك بقية «الغلّة» للصهر العزيز، الذي انقلب على الاتفاق المذكور، كما هي عادته في كل مواقفه، فهو يريد كل شيء، فهو يتميّز «بجوع» شديد للسلطة.
أمّا قانون الانتخاب الأخير، فقد خطط له «الحزب العظيم» ببراعة، فحصل على «بعض» المقاعد السنّية، ليتخذها ذريعة للتحكم بالأكثرية الشعبية السنّية التي حصل عليها الرئيس سعد الدين الحريري.
جبران باسيل الذي يسقط «مرتين» في الانتخابات النيابية قبل هذا القانون، اتفق مع «الحزب العظيم» على قانون إنتخابات هجين، وبمساعدة بعض أصوات هذا الحزب فاز باسيل بالنيابة ورفع عدد نوابه، بعدما جمعهم تحت راية «تكتل لبنان القوي».
أقول، بعد إقرار القانون الانتخابي الجديد، ظل الرئيس سعد الدين الحريري وحده، إذ تخلى عنه كل حلفائه... لكنه ظل مؤيداً للقانون الجديد، إيماناً منه بأنّ إجراء إنتخابات نيابية تحت أي ظروف أفضل للبنان من الفراغ في ظل نظام ديموقراطي.
وهكذا اكتملت فصول المؤامرة على الرئيس سعد الدين الحريري ونجح جبران باسيل، واستطاع «الحزب العظيم» الحصول على مقاعد بعض النواب السنّة، الذين هم في الحقيقة تابعون لسوريا أو لإيران أو لـ»الحزب»، كذلك زاد عدد نواب «القوات»، وحقق الدكتور سمير جعجع مكسباً، لكن هذا «المكسب» لم يُـمَكّن الدكتور جعجع من الإستفادة منه عند تشكيل الحكومة، لأنّ جبران رفض إعطاءه ما يستحقه، ونذكر بأنّ الطمع شيمة جبران باسيل ووسيلته للوصول الى ما يريد.
أمّا اليوم فقد شعر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بخطورة سلاح «حزب الله»، وبأنّ الحزب رفض أن يكون هذا السلاح تابعاً للدولة، حتى انه رفض الاستراتيجية الدفاعية من أساسها.
البطريرك رفع الصوت عالياً، مهدداً باللجوء الى الأمم المتحدة، مطالباً بتنفيذ القرارات الدولية ومنها القرار 1559 الذي ينص على حل كل الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة وحدها، التي لها الحق وحدها في بسط سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية. كما طالب بتنفيذ القرار 1701 تطبيقاً صحيحاً، مع الإشارة الى دور الأمم المتحدة وضرورة تواجدها على الحدود اللبنانية مع «إسرئيل» وسوريا، مع التشديد الكامل على ضرورة سحب كل الأسلحة وحصرها بالجيش اللبناني وحده.
ما نريده نحن اليوم من سماحة المفتي دريان الدعوة الى اجتماع في دار الفتوى يحضره جميع رؤساء الحكومات السابقين، لمناقشة ما يجري من مخالفات فادحة وفاضحة للدستور في ما خصّ مسألتي التكليف والتأليف، ما يشكّل طعنة في صميم الميثاقية، لأنّ المسألة تتعلق بالمركز السنّي الأول في لبنان.
وهنا نشكر دولة الرئيس فؤاد السنيورة على خطوته الأولى، التي جمع من خلالها رؤساء الحكومات السابقين، الذين باتوا يجتمعون دورياً... لكن هذه الخطوة تبقى غير كافية، وهي بحاجة الى دعم سماحة المفتي كما أشرنا.
ولنذكّر ببداية الحرب الأهلية، أيام الرئيس سليمان فرنجية، حين استقال الرئيس صائب سلام إثر قيام إسرائيل باغتيال الزعماء الفلسطينيين الثلاثة: كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار في 4 نيسان عام 1973.
كلف الرئيس فرنجية في 27 نيسان من العام نفسه أمين الحافظ، الذي لم يتمكّن من الإستمرار بحكومته أكثر من عشرة أيام فاستقال في 8 أيار 1973، كلف بعده الرئيس تقي الدين الصلح وظل مع حكومته حتى 1974/9/25 بعده جاء الرئيس رشيد الصلح حتى 1974/10/31، استقال بعدها ليأمر الرئيس فرنجية بتشكيل حكومة استقالت بعد ثلاثة أيام.
يومذاك وإزاء هذا كله، عقد اجتماع في دار الفتوى بطلب من المغفور له المفتي حسن خالد، كما اجتمع الزعماء المسلمون وطالبوا الرئيس فرنجية بتكليف الرئيس رشيد كرامي فكان لهم ما أرادوا.
نحن نرفض أن يترك القرار لرئيس الجمهورية الذي يلبّي ما يطلبه منه «الحزب العظيم»، ضارباً عرض الحائط، كل الأعراف والأصول المتوجّب اتباعها في تشكيل أي حكومة.. إنّ رئيس الجمهورية بإلغاء دور الرئيس المكلف، وتنفيذ ما يطلبه «الحزب» فيختار رئيساً للحكومة يسمّيه «الحزب» ويفرضه على رئيس الجمهورية، الذي يلبّي الطلب بسرعة، يخالف بذلك كل القواعد الدستورية ويتجاهل تطلعات طائفة رئيس مجلس الوزراء، متخطياً العيش المشترك، بل العيش الواحد، حتى يظل سلاح «الحزب» بعيداً عن المحاسبة والمساءلة.
اليوم وبعد كارثة انفجار المرفأ، نتيجة تخزين نيترات الأمونيوم، التي استوردها الحزب، وأخضع المرفأ والمطار لأوامره وحده، بسيطرة شبه محكمة على المرفقين الحيويين، ولم يعد السكوت جائزاً لأنّ مصلحة الشعب اللبناني، وقتل حوالى الـ 200 بريء، وجرح أكثر من خمسة آلاف لبناني آمن في أجمل المناطق في بيروت: الأشرفية ومار مخايل والجميزة، وتشريد 300 ألف مواطن في العراء.. وتصدّع المنازل وتدمير المستشفيات والمدارس، كل هذا يفرض علينا اليوم عدم السكوت... على أي خطأ، وليعلم رئيس الجمهورية، أنه لن يستطيع بعد اليوم تجاوز الأكثرية السنّية، التي هي أساس في تركيبة المجتمع اللبناني، وليعلم أيضاً أنّ الإستجابة لرأي هذه الطائفة بات ضرورة أكثر من مُلِحّة... وبالإذن من صهره العزيز.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o