6:16 AM
مقالات

هل تريد طهران الدفع بالمنطقة نحو الحرب الشاملة

أتى قرار الرئيس جو بايدن بالإنسحاب من السباق الرئاسي الأميركي في غمرة تصعيد ميداني وهجمات طالت تل أبيب وخليج إيلات وميناء الحديدة، وهي أهداف اعتبرت محظورة على إسرائيل كما على الميليشيات المرتبطة بطهران، و هي بقيت خارج قواعد الإشتباك التي أرساها إتّساق المصالح الأميركية والإيرانية منذ العام 2003 في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر حتى البحر المتوسط.

لا بد من التوقف مليّاً عند تلك التطورات الميدانية وما حملته من مؤشرات تجاوزت هذه المرة حدود الرسائل المتبادلة، لا سيما أنها أتت بعد توقف المفاوضات في غزة أو تعليقها على الأقل لأجل غير مسمّى، وبعد توقف المسارات الأميركية والأوروبية المتعلقة بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان ومباشرة العدو الإسرائيلي ما أسماه المرحلة الثالثة في الحرب على غزة ولبنان. فالرسالة المعنوية التي حملتها المسيّرة الحوثية التي وصلت إلى الحي الدبلوماسي في تل أبيب قابلتها رسالة نارية عنيفة حملها الهجوم الجوي الإسرائيلي إلى ميناء الحديدة وأدت إلى تدمير مرافق ذات قيمة إقتصادية وعسكرية لها دورها في البنية اللوجستية للميليشيات الحوثية. الرسالتان المذكورتان تحملان بصمات واشنطن وطهران وتعبّران في الوقت عينه عن إضطراب يستوجب إعادة النظر في علاقة الدولتين في المنطقة .

ويستكمل المشهد المتوتر بين الحديدة وتل ابيب عناصره مع استمرار التصعيد على جبهات الجنوب اللبناني حيث تحوّلت المهمة المعلنة لمساندة غزة الى حرب حقيقية تجاوزت إطلاق الصواريخ والمسيّرات لتطال أهداف في العمق اللبناني وليصبح الجنوب ولبنان برمّته مرشحاً لتصدر المشهد الميداني بالتوازي مع الحرب في غزة حيث يتعذّر تلمس أي فرصة حقيقية لوقف إطلاق النار بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأميركي  أنتوني بلينكن التي أضحى دورها إعطاء المزيد من الوقت لنتنياهو للإستمرار  في عدوانيته.

 السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حيال كل ما يجري كيف سينعكس كل ذلك على لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي؟

 يدرك الجميع أن انهماك واشنطن في انتخاباتها الرئاسية وسياساتها الداخلية لا يثنيها عن إعطاء الأولوية لأمنها القومي الذي تحظى فيه إسرائيل بإهتمام بالغ، وهذا ما سيشكل فرصة لنتنياهو الذي سيحاول الإستثمار في كل الجبهات المفتوحة ودعوة الكونغرس للضغط على الرئيس لتقديم كل ما تحتاجه إسرائيل لإستكمال حربها المفتوحة على المنطقة.  سيجعل نتنياهو من كل من هذه الجبهات تهديداً وجودياً لإسرائيل بدءاً من التهديد الذي فرضه هجوم مسيّرة الحوثيين على تل أبيب والهجمات التي تعرّض لها خليج إيلات، كما من عدم قبول حزب الله بالمبادرات التي تقدم بها آموس هوكستين لوقف النار في الجنوب وتطبيق القرار 1701، وطبعاً سيكون ما يقوم به الحوثيون من تهديد لأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر الحجة الدامغة لدعوة المجتمع الدولي للتصدي لهذه الإعتداءات التي طالت مصالح أوروبا الغربية والصين والدول العربية على السواء. ولن تكون غزة بمنأى عن هذا الإستثمار حيث سيستمر نتنياهو باعلان الالتزام بالمبادرة الاميركية مع استمرار الاستثمار بالموقف الدولي الذي لا يقبل بأي دور لحركة حماس في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار. 

في المقابل فإنه من المفيد الإشارة أن دعوة نتنياهو قد أتت من الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، وهي الدعوة الرابعة التي توجه له في ظل وجود رئيس ديمقراطي وأغلبية جمهورية في مجلس النواب. نتنياهو الذي استبق زيارته بالإعلان «أن إسرائيل ستبقى حليف أميركا الأساسي في الشرق الأوسط بغض النظر عمن سيختاره الأميركيون رئيساً» سيحاول استغلال الفرصة قدر المستطاع لا سيما أن الموقف من إسرائيل هو أحد الملفات الإنتخابية الوازنة التي يأخذها كل من دونالد ترامب وكامالا هاريس في طليعة أولوياتهم. 

 قد يكون في إنسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي ما يقدم مساحة إستثنائية من الحرية للدولة الأميركية العميقة لإفساح المجال أمام التصعيد بعيداً عن إلقاء تبعات ما يجري على الرئيس القادم الى البيت الأبيض، ولكن ما يدعو للدهشة هو تفجير كل الساحات من البحر الأحمر حتى المتوسط دفعة واحدة وتزويد نتنياهو بكل أوراق الضغط لدفع الإدارة الأميركية إلى تقديم كل الدعم لإسرائيل !!! فهل تريد طهران الدفع بالمنطقة نحو المواجهة الشاملة،  وهل يشكل اعتراض الحرس الثوري بالأمس ناقلة نفط ترفع علم توغو أمام جزيرة بو شهر الإيرانية خطوة إضافية في هذا الإتجاه؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o