الضمان نحو الخصخصة؟
يدرس مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في جلسته اليوم، عدّة بنود على جدول الأعمال من بينها اقتراح قدمته شركة «ترانسفير إنترناشونال» التي تملك العلامة التجارية «cash plus»، طالبة منحها الموافقة على إجازة تقديم خدمة «تحصيل الاشتراكات والرسوم كافة الخاصة بالضمان، ودفع مخصّصات الصندوق إلى المستفيدين، واستقبال معاملات الأفراد والشركات الموجّهة إلى الصندوق». إدارة الضمان، واللجنة الفنية لم يعارضا الاقتراح باعتباره يعالج مشكلة الطوابير على صناديق الدفع في مراكز الصندوق، بينما يرى عدد من أعضاء مجلس الإدارة في هذا الاقتراح خلق مسار الخصخصة في نشاطات الصندوق.العرض المقدّم من «ترانسفير إنترناشونال» يتضمن التوزيع الجغرافي لعدد المراكز التي ستؤمنها لاستقبال المعاملات وتسديد الاشتراكات وسواهما، إضافة إلى ساعات عملها وعدد المعاملات التي تنجزها سنوياً من عقودها مع وزارة المال لتحصيل الضرائب ورسوم السير. بمعنى آخر، تسعى «ترانسفير إنترناشونال» إلى لعب دور الوسيط بين المضمون والصندوق. وضمّنت الشركة عرضها تسهيلات مالية، إذ «أتاحت خدماتها المالية مجاناً لمدة سنة من تاريخ التعاقد»، من دون أن تلزم الضمان بأيّ آلية عمل محدّدة، ومن دون أن تحدّد ثمناً للخدمات بعد انقضاء السنة الأولى على العقد بل أبدت استعدادها لتقديم بعض الخدمات مجاناً في البداية، مثل «تحصيل الاشتراكات من المضمونين وأصحاب العمل، ودفع المبالغ والتعويضات كافة بالنيابة عن الضمان، واستقبال جميع الطلبات والإفادات للشركات».
إثر تلقيها طلب «ترانسفير إنترناشونال»، شكلت إدارة الضمان لجنة من بعض مديري الصندوق المعينين بالتكليف لدراسة الاقتراح برئاسة المدير المالي بالتكليف شوقي بوناصيف. اقتصرت دراسة اللجنة على رأيها في كيفية التنفيذ ورسم مسالك العمل الإدارية من دون أي نقاش مبني على الرؤية القانونية لهذا الاقتراح وتأثيره على مجمل العلاقة بين الضمان والمضمون. واعتبرت أن مبدأ اعتماد الصندوق على شركات تحويل الأموال لجباية الاشتراكات، أمر مفروغ منه لا يحتاج إلى أي دراسة قانونية وإدارية عميقة. هكذا، رسمت اللجنة خريطة طريق تهدف إلى تحديد المستفيدين من هذه الخدمات واعتماد الوسيط المقترح، إلى جانب وسطاء آخرين في السوق، بين الصندوق والمضمون لتسهيل التسديد عبر شركات تحويل الأموال، واستبعدت إمكانية تعميم تطبيق هذه الطريقة من الجباية والدفع ربطاً بالصعوبات اللوجستية. ورأت أنّ «برامج الصندوق الإلكترونية غير جاهزة حالياً لاعتماد هذه الآلية. فتسديد الاشتراكات عبر شركات تحويل الأموال، أو المصارف، يتطلب تعديلاً لبرامج المكننة المعتمدة في الصندوق، إذ يجب إتاحة إمكانية التصريح عن الأجور عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالصندوق، ثمّ تحديد قيمة الاشتراك المتوجبة، وإبلاغها لصاحب العلاقة لتسديدها».
وفي المقابل، وإلى حين تطوير البرامج والبنية التحتية للمكننة في الصندوق لاستيعاب هذه العمليات، اقترحت اللجنة في البداية تسديد الاشتراكات العائدة إلى فئات خاصة من المضمونين عبر شركات تحويل الأموال. وتدفع هذه الفئات مثل الأطباء، المخاتير، المضمونين الاختياريين، والمتقاعدين، اشتراكاتها على شكل مبالغ مقطوعة، بالتالي لا يتطلب تسديد هذا النوع من الاشتراكات تصريحات مسبقة، إذ يمكن تصفية الاشتراكات والأمر بقبضها. إنّما حتى هذه العملية بحاجة إلى تعديلات على برامج المكننة، وتحديداً برنامج الاشتراكات، وفقاً للجنة. لذا اقترحت «إيجاد صفحة خاصة بشركات التحويل لتبادل المعلومات بين شركة تحويل الأموال، وبين المديرية المالية، وإتاحة الاطلاع لشركات تحويل الأموال على اسم ورقم المضمون». كما طلبت اللجنة «اعتبار المضمون بمنزلة صاحب العمل لجهة تسديد الاشتراكات».
من جهتها، درست اللجنة الفنية «مسلك العمل» الذي أعدّته المديرية المالية لتسديد اشتراكات الأطباء والمخاتير والمضمونين الاختياريين والمتقاعدين عبر شركات الأموال. وبحسب رئيس اللجنة الفنية مكرم غصوب، «وافقت اللجنة على مسلك العمل المعدّ من الإدارة لتسديد اشتراكات الأطباء والمخاتير والمضمونين الاختياريين والمتقاعدين عبر شركات تحويل الأموال»، إنّما «طلبت عدم حصر الموضوع بشركة ترانسفير إنترناشونال فقط، بل فتح المجال لشركات تحويل الأموال كافة لتعزيز المنافسة والشفافية»، بحسب غصوب الذي لم يرَ في خطوة اعتماد شركات تحويل الأموال كوسيط بين الضمان والمضمون خصخصة، بل «شكل من أشكال مكافحة الفساد. وهي من ضمن الخطة الإنقاذية التي تتضمن أيضاً إمكانية الدفع الإلكتروني عبر موقع الضمان الالكتروني». فالغاية، بحسب غصوب، «هي خدمة الناس وإراحتهم وقطع الطريق على معقبي المعاملات الذين يتقاضون بدلات إضافية مقابل إنجاز معاملات المضمونين» (كأن شركات تحويل الأموال ستؤدي هذه الخدمات للمضونين مجاناً).
وقسّمت اللجنة الفنية ردّها إلى جزئين؛ قانوني وتقني. على المستوى الأول، لم ترَ اللجنة أيّ مانع قانوني من تسديد الاشتراكات عبر شركات تحويل الأمول المرخصة قانونياً. وذكّرت اللجنة بأنّ «نظام الاشتراكات أجاز تسديد مستحقات الضمان بأيّة طريقة من طرق الدفع القانونية، بحسب المادة 26 من نظام الاشتراكات»، ولفتت إلى أنّ المادة 27 من النظام نفسه، «حمّلت الفريق الدافع عبء نفقات دفع الاشتراكات، وأنّ صاحب العمل هو الذي يتولّى عملياً تصفية الاشتراكات».
ولكن، وفي قراءة لنظام المضمونين الاختياريين، والنظام الخاص بالمتقاعدين، رأت اللجنة الفنية ضرورة اعتماد الرقابة اللاحقة بغية التأكّد من إقامة المضمونين من هذه الفئة على الأراضي اللبنانية، إذ فرض النظام على هؤلاء حضورهم الشخصيّ من أجل تسديد الاشتراكات. في حين يسمح مسلك العمل المطروح من قبل الإدارة توكيل المضمونين لمن يشاؤون لتسديد المستحقات عنهم في مكاتب شركات تحويل الأموال.
وعلى المستوى التقني، أعادت اللجنة الفنية التذكير بـ«ضرورة تحديد كيفية تبادل المعلومات بين الصندوق، وبين شركات تحويل الأموال، ومدى ارتباط الصفحة المزمع إنشاؤها بقاعدة بيانات الصندوق خوفاً من قرصنة المعلومات». وسمحت اللجنة «مرحلياً» بتمكين شركات تحويل الأموال من الحصول على قيمة التقديمات المادية العائلية للتأكد من المبلغ المحسوم من قبل صاحب العمل. كما لفتت لضرورة السماح للمضمونين بالدفع في مكاتب شركات تحويل الأموال مستحقاتهم متى شاؤوا، من دون قيود على المهل الزمنية.
يستند عدد من أعضاء مجلس الإدارة الذين يرون في هذا الاقتراح خطوة نحو الخصخصة مثل غسان غصن ورفيق سلامة وآخرين، إلى رأي استشاري صادر عن ديوان المحاسبة يتعلق بمؤسسة كهرباء لبنان التي طلبت في 17/11/2021 تحديد التعديلات التي يمكن إجراؤها على القوانين والأنظمة التي تحكم عمل مؤسسة كهرباء لبنان في علاقتها مع شركات مقدّمي خدمات التوزيع، ولا سيما أن الديوان ميّز في رأي سابق، بين «الخدمات» و«الصلاحيات». وخلص رأي الديوان إلى الآتي: «إذا أرادت مؤسسة كهرباء لبنان نقل الصلاحيات المالية الخاصة بموظفيها ومستخدميها إلى شركات التوزيع وتقديم الخدمات، فإنه عليها، عملاً بمبدأ موازاة الصيغ، تعديل نظامها المالي بما يجيز تفويض الشركات القيام ببعض الأعمال التي لا تتعدّى إطار الخدمات، على أن لا تصل إلى حدود التعاقد على الوظائف التي يجب أن تبقى محفوظة للمؤسسة ومستخدميها، وإذا أرادت المؤسّسة نقل صلاحياتها إلى القطاع الخاص فعليها استصدار قانون خاص يسمح لها بذلك».
أيضاً، قال الديوان إن نقل مهمّات إصدار فواتير وطباعتها إلى شركات مقدّمي الخدمات، يجب أن يحصل ضمن ضوابط تُبقي مسؤولية المحتسب العمومي باعتبارها إحدى القواعد الأساسية التي قامت عليها المحاسبة العمومية، وبالتالي فإن استصدار قانون من أجل إناطة مهمّة إصدار الفواتير بشركات مقدمي الخدمات يجب أن يُبقي المحتسب في المؤسّسة مسؤولاً عن هذه العملية. كما أن تلزيم طباعة الفواتير للقطاع الخاص يتم حينما لا تتوافر لدى مؤسسة كهرباء لبنان الإمكانية التقنية لفعل ذلك، على أن تبقى صلاحية الإبرام للمحتسب، فضلاً عن أنه يجب أن يكون لجوء المؤسسة إلى تلزيم عملية الطباعة «مبرّراً في الحالات التي تتجاوز إمكانات الإدارة أو في الحالات التي تحقّق خفضاً في نفقاتها». وفي ما خصّ قبض الفواتير ومحاضر المخالفات، فإنه بموجب المادة 44 من النظام المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، كل الفواتير التي يجري دفعها من الزبائن، والمتأخّرات والمحاضر تُستوفى بواسطة أمناء صناديق تحت إشراف المحتسب… لكنّ الديوان أشار إلى أنه «نظراً إلى أهمية عملية التحصيل والفصل بين عملية القبض والدفع من قبل أمين الصندوق من جهة والإشراف عليها من قبل المحتسب من جهة أخرى، فإن مؤسسة كهرباء لبنان ترى أنه يقتضي استصدار قانون لتخويل شركات مقدّمي خدمات التوزيع القيام بعمليات القبض المتعلقة بفواتير الكهرباء ومحاضر المخالفات».
«أنيط بالمستخدم التابع للشركة، في الفقرتين 5 و6 من المشروع المقترح حقّ التداول بأموال الصندوق»، يقول أمين السر الأول لمجلس إدارة الضمان غسان غصن في تعليقه على «مسلك العمل»، المعدّ من قبل المديرية المالية. تسمح الفقرتان الخامسة والسادسة لشركات تحويل الأموال بإحالة المبالغ التي تجبى من المضمونين في أول يوم عمل لحساب الصندوق، ولكن «ماذا لو أتى أول يوم عمل بعد عطلة رسمية، أو توقف قسري عن العمل في الصندوق، أو حتى عطلة أسبوعية؟»، يسأل غصن. ويرى في هاتين الفقرتين مخالفة للمادة 152 من النظام المالي للضمان، إذ «يُحصَر حق التداول بالأموال وحيازتها بأمناء الصناديق والجباة، إلا في الحالات الخاصة المبينة في هذا النظام». وتقتضي الإشارة، بحسب غصن، إلى أنّ «النظام المالي لم يلحظ أيّ حالة خاصة تنطبق على شركات تحويل الأموال».
المصدر: الاخبار