تمدّد "هدنة المفاوضات" وفيول جزائري بعد الفضيحة
تحولت الهبة الجزائرية من الفيول للبنان لإنقاذه من مرحلة التعتيم الطويل إلى باب إضافي من أبواب إنكشاف تخبّط وعجز وقصور الحكومة والوزارات والإدارات المعنية بأم الكوارث اللبنانية، أي ازمة الكهرباء العصيّة والمستفحلة على الحلول، فيما زادت أزمة الانقطاع الشامل في التيار الكهربائي منذ السبت الماضي قتامة المشهد اللبناني برمته واتجاهاته المجهولة سواء لجهة التخبط في الأزمات الداخلية أو لجهة مصير الحرب الميدانية عند الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، عوّلت مصادر ديبلوماسية بارزة على ما سمّته “هدنة المفاوضات” المعني بها الجولة التالية المقبلة من مفاوضات ممثلي الدول الوسيطة الثلاث، الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر، وإسرائيل في القاهرة في منتصف الأسبوع الحالي لاستكمال جولة الدوحة التي عقدت الأسبوع الماضي، وتوقعت تالياً أن يبقى الستاتيكو الميداني بين جنوب لبنان وشمال إسرائيل على حاله من مدّ وجزر ميدانيين في تبادل الغارات والقصف تحت قواعد اشتباك غير معلنة لا تذهب نحو إشعال حرب واسعة في انتظار نتائج المفاوضات من جهة ومصير الردّين اللذين تتوعد بهما إيران و”حزب الله” على إسرائيل من جهة أخرى، علماً أن وسائل إعلام إسرائيلية أفادت أمس أن التقدير في إسرائيل أنّ “حزب الله” سيهاجم وهو فقط ينتظر أزمة في المفاوضات وسيطلق النار نحو تل أبيب.
وقالت المصادر الديبلوماسية نفسها ان الأيام السابقة، كما الأيام المقبلة التي ستليها، شهدت وستشهد “تصعيداً” غير مسبوق في الضغوط الديبلوماسية لا سيما منها الغربية، وتحديداً الأميركية، لمنع أي عبث حربي بالمفاوضات من شأنه أن يقوّضها ويدمّر المحاولات المتقدمة لإحداث اختراق إيجابي فيها يوقف دورة الحرب في غزة وينسحب تبريداً تلقائياً على جبهة الجنوب اللبناني. وأشارت إلى أن الضغط المماثل الذي ترجمته جولة وزيري الخارجية البريطاني ديفيد لامي والفرنسي ستيفان سيجورنيه عكس في الجهة التي تعني لبنان أن الدفع لإنجاح المفاوضات بات يضع لبنان أولوية مماثلة لأولوية وقف الحرب في غزة وهذا تطور بارز من حيث توحيد الخطاب الدولي في شأن لبنان.
وتدليلاً على ذلك كتب وزيرا الخارجية البريطاني والفرنسي مقالاً، نشرته صحيفة “أوبزرفر”، يشيران فيه إلى “كيف يمكن أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى إحراز تقدم تجاه حل الدولتين- والذي هو السبيل الوحيد لإحلال الأمان والأمن على المدى الطويل”، تطرقا فيه إلى لبنان، فأكدا أن “الحل السياسي هو وحده الكفيل بإحلال السلام الذي نحن في أشد حاجة إليه. لهذا السبب، فإن ما نريده ليس فقط وقف إطلاق النار في غزة، بل نحضّ أيضاً إسرائيل و”حزب الله” ولبنان على الانخراط في محادثات بقيادة الولايات المتحدة لتسوية التوترات بينهم بالسبل الدبلوماسية، استناداً إلى المبادئ التي ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701″.
وفي المواقف الداخلية البارزة من الوضع في الجنوب، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس: “لقد كتبوا إلينا من الجنوب اللبنانيّ يشرحون لنا أوضاعهم الكارثيّة بعد مرور أحد عشر شهرًا لحرب غيّرت مجرى حياتهم إلى الاسوأ، وهي تستبيح قراهم، وتريق دماءهم، وتقتل أبسط حقوقهم وآمالهم بأن يعيشوا بسلام وأمان. إزاء هذا النفق الأسود والأفق المسدود للحلول الإيجابيّة، نجد أهالي بلداتنا منقسمين إلى فئتين مغبونتين: الأولى، فئة اضطرت إلى النزوح قسرًا، بحثًا عن الأمن والأمان وتعليم أولادهم في مناطق أخرى من لبنان. ونحن نحيي كل من يقف الى جانبهم، أكانوا افرادًا أو مؤسسات. والثانية، هي فئة الأهل الذين صمدوا في بيوتهم وقراهم للحفاظ على أرزاقهم، وتثبيت عنوان الإنتماء إلى الأرض فعلًا. هذه الفئة تتحدّى في كلّ يوم وفي كلّ لحظة الأوضاع المزرية على مختلف المستويات الصحيّة والتربويّة التعليميّة والخدماتيّة والمعيشيّة الاقتصاديّة والأمنيّة والنفسيّة”.
ولفت إلى أنه “في هذا الوقت الذي تجري فيه المحادثات بشأن مستقبل لبنان والمنطقة، تبقى الحاجة الملحّة إلى إنتخاب رئيس للجمهوريّة لكي يقود المحادثات الجارية، ولكي تستقيم المؤسّسات الدستوريّة، لا سيما المجلس النيابيّ الفاقد صلاحيّة التشريع، ومجلس الوزراء الفاقد العديد من صلاحيّاته الدستوريّة. وعبثًا يحاولون إقناعنا بأنّ الدولة اللبنانيّة تسير من دون رئيس لها، فيما الواقع المرّ إنّما هو إنحلال الدولة وتفكيك أوصالها”.
هبة وتخبط
اما في المقلب المتصل بأزمة العتمة وانقطاع التيار الكهربائي انقطاعاً شاملاً، والذي تقدم في اليومين الأخيرين إلى واجهة المشهد الداخلي، فلم تحجب معالم الانفراج الذي لاح مع الإعلان عن هبة جزائرية، الفضيحة الجديدة التي تعتبر تتمة لنمط قديم ومقيم ودائم يتحكم بكارثة الكهرباء والتي تمثلت في بلوغ مرحلة الانقطاع الشامل رغم التحذيرات الاستباقية وتبادل كرة تحميل المسؤوليات بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان ومؤسسة كهرباء لبنان وتخبط الحكومة مجدداً في هذه الحفرة العميقة. كما لم يتضح بعد السبب أو الأسباب الخفية التي حالت دون تنفيذ التفاهم مع العراق لإرسال الكميات المتفق عليها من الفيول.
ولاحت معالم الانفراج مع تلقي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً من رئيس وزراء الجزائر نذير العرباوي الذي عبّر عن دعم بلاده للبنان ووقوفها الى جانبه”، وأبلغ ميقاتي أنه “بتوجيه من الرئيس الجزائري عبد المجيد تَبُّون، سيتم تزويد لبنان فوراً بكميات من النفط لمساعدته في تجاوز الأزمة الحالية في قطاع الكهرباء”. وشكر الرئيس ميقاتي، الرئيس الجزائري على هذه المبادرة، كما شكر نظيره الجزائري “على وقوف الجزائر المستمر إلى جانب لبنان في المجالات كافة”.
كذلك، تلقى وزير الطاقة والمياه وليد فياض اتصالاً من نظيره الجزائري محمد عرقاب عبّر خلاله عن رغبة بلاده، بتوجيه من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، بمساندة لبنان في تأمين الوقود لتخطي أزمته من خلال تزويده بهبة من الغاز أويل، تُحدد كميتها وفقًا للمحادثات التي سيستكملها الطرفان. وثمّن فياض “مبادرة الجزائر التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان، ولم تألُ جهدًا، دولةً وشعبًا ومؤسسات، للمساهمة في نجدته ومساعدته في أزماته، تماماً كما العراق الشقيق، المتضامن مع لبنان في كل أزماته والمستمر في تزويده بالفيول للنهوض بقطاع الطاقة”.
وفي غضون ذلك تقرر بعد اجتماع مجلس إدارة كهرباء لبنان الإستثنائي الذي عقد امس إستعارة 5000 كيلو ليتر ديزل من منشآت الزهراني على سبيل الإعارة. وتمت أيضاً الموافقة على تغطية ثمن شراء باخرة 30 الفMT SPOT CARGO من الغاز أويل بناءً على موافقة مجلس الوزراء الذي إنعقد الأربعاء الفائت. ومساء أكد الوزير فياض أنه “من المفترض أن تزيد التغذية بدءًا من الساعة 11 ليل أمس كنقطة أولى إلى حين وصولspot cargo في 25 آب (أغسطس) الجاري”.
المصدر - النهار