"ألاعيب صبيانية" لذر رماد فتنة طائفية في عيون أبناء الكنيسة
جوانا فرحات
المركزية – "دخل إلى الكنيسة وصاح "الله أكبر ". عنوان كاد أن يُشعل ما لا تحمد عقباه لولا استيعاب المرجعيات الروحية وتحرك القوى الأمنية فماذا حصل في كنيسة السيدة عمارة شلهوب الزلقا ؟
بحسب الرواية التي تناقلها أبناء رعية كنيسة السيدة عمارة شلهوب خلال القداس اعتلى رجلٌ ويدعى غازي صلاح الدين المذبح ، وصرخ بصوت عالٍ "الله أكبر، لا إله إلا الله"، وبدأ بتلاوة سورة الفاتحة، ما تسبب بصدمة بين المصلين. على الفور تدخل الكاهن وعدد من الشبان لاحتواء الموقف، وأخرجوا الرجل من الكنيسة وسلموه إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني للتحقيق معه.
المقلق في الأمر أن هذه الحادثة جاءت بعد أقل من 24 ساعة على واقعة أخرى لا تقل استفزازاً. ففي بلدة فاريا صُدم أحد المواطنين الذي كان يقوم بتصوير أطفال أمام مغارة الميلاد بوجود مسدس في المكان المخصص لطفل المغارة يسوع. وبعد وصول القوى الأمنية والأجهزة المختصة عُثر على مزود الطفل يسوع مرميا بين الأشجار وتمت مصادرة المسدس الحربي وبدأت التحقيقات.
الرد الشعبي الأولي جاء عبر قرع أجراس الكنائس في البلدة تعبيرًا عن الرفض واستنكارا لما جرى لكن الغضب والخشية من أصابع "المصطادين في الماء العكر" تعاظم.
رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم يؤكد لـ"المركزية" "أن ما حصل في مغارة الميلاد في فاريا وقداس الأحد في عمارة شلهوب-الزلقا، غير مقبول لا في الشكل ولا المضمون ليس لأنه يُسيء إلى مقدساتنا، إنما كونه يستدرج البعض إلى فتنة خصوصا في التزامن الوقتي".
الضغط النفسي الذي يعيشه غالبية النازحين من العوامل التي قد تدفع البعض إلى ارتكاب أعمال بهدف لفت الأنظار وتحوير مسار اهتمام المعنيين نحو شخصهم. وفي السياق يقول أبوكسم" الأكيد أن ما حصل في فاريا والزلقا لا يتعدى العمل الفردي ويحاسب عليه القانون إذا ثبت أنه حصل عن سابق تصور وتصميم .أما إذا كانت هناك نية أو خلفية طائفية بهدف إثارة الفتنة بين المسيحيين والمسلمين فهذا أمر مرفوض من الطرفين. ونقول لمن يريد الإصطياد في الماء العكر أن هذه الأعمال مرفوضة من قبل المرجعيات الروحية المسيحية والإسلامية ولدينا من الوعي ما يكفي لإبقاء بذور الفتنة خارج ساحاتنا ومجتمعاتنا".
بالتوازي، يشدد أبو كسم على ضرورة تكثيف الوعي داخل البلدات والقرى من قبل الكنيسة والمرجعيات الإسلامية ويذكر بالطروحات التي صدرت عن القمة الروحية التي عقدت في بكركي " فقد شددنا على ضرورة التنبه والوعي لإبعاد شبح الفتنة ومستمرون في لقاءاتنا بعيدا من الإعلام للحفاظ على وحدة المجتمع الداخلي وإبعاد شرارة الفتنة سواء كانت نتيجة عمل فردي أو منظم أو مخطط له من قبل "طابور خامس". أما الشق الثاني فيقع على مسؤولية أجهزة الدولة وواثق أن الدولة موجودة".
كل المؤشرات تؤكد حتى اللحظة أن "العمل فردي سواء في مغارة الميلاد في فاريا أو في كنيسة السيدة في الزلقا ويقول المونسيور أبو كسم:" حتى تصدر نتائج التحقيقات لا يمكن ان نضع هذه الأحداث إلا في إطار الأعمال الفردية الصبيانية لأن العاقل لا يُقدم على أفعال مماثلة ونحرص على ألا تتكرر من خلال تحصين وحدتنا الداخلية. وأرجح عدم تكرارها "لحد هلق" طالما أن التحقيقات مستمرة لكن المطلوب الإعلان عن النتائج لطمأنة الناس".
فور شيوع خبر استبدال الطفل يسوع في مغارة بلدة فاريا بمسدس حربي كتب الأب فريد صعب على صفحته التالي"سرقتم طفل المغارة ووضعتم مكانه مسدسا، وهذا جل ما نريده: أن تستبدلوا سلاحكم بالمسيح وإرهابكم بسلاحه". وتوازيا يقول لـ"المركزية" "رسالة المسيحي الملتزم تقوم على تحويل الشر إلى عمل خير. ومن حاول أن يزرع الفتنة في مغارة الميلاد فاريا أوكنيسة السيدة في الزلقا سمع الجواب. فمن يحتضن طفل المغارة يجب أن يدرك أنه في قلب الله وأيضاً من يصعد إلى مذبح الرب ليعلن إيمانه فقد احتضنه مذبح الرب وسينال من إيمان الله القويم حصة لتقويم مسار إيمانه".
ومنعا لتكرار "ألاعيب صبيانية" كما يصر الأب صعب على توصيفها، وجه دعوة إلى كل الرعاة الزمنيين والروحيين "لاستدراك وإدراك خطورة هذه الألاعيب الصبيانية التي لا تؤدي إلا إلى القتل والموت والدمار وتمنى أن يصار إلى نشر التوعية على مذابح الرب والبلديات والجمعيات لتدارك الفتنة كما طالب الأجهزة الأمنية بعدم الإستخفاف في التحقيقات لكشف ملابسات هذه الألاعيب الصبيانية "خصوصا أننا حتى اليوم لا نعلم المسبب والخلفيات. ويختم "لا أخشى من تمادي أفعال مماثلة فالكنيسة أوعى بكثير من هذه الألاعيب وحكمة الرب بمواهب روحه القدوس ترشدنا إلى الطريق القويم لدرء هذه الفتنة".
يُقال أن الرسالة من استبدال الطفل يسوع بمسدس حربي في مغارة الميلاد في فاريا هي التالية" السلاح يحمي الناس وليس المسيح". لكن هذه الرسالة في المسيحية مردودة "لأننا أبناء المحبة والرجاء ونؤمن بحرية المعتقد وهذا ما شدد عليه البابا فرنسيس في وثيقة "الأخوة والإنسان". فكل إنسان حر في أن يعبد الله الذي يريد وبحسب التقاليد " يقول الأب مارون عودة لـ"المركزية" مضيفا "على الجميع أن يدركوا بأن هناك حرمة لدور العبادة وعلى كل فرد أن يؤدي صلاته وفق معتقداته لكن ليس في دور عبادتنا لأنها مخصصة للثالوث الأقدس".
ويختم مؤكدا"تحرك الأجهزة الأمنية سيفرمل حتما تمادي الأصابع التي تحرك بذور الفتنة، والأهم أنهم أدركوا إنو القصة مش لعبة ولاد".