Jun 13, 2024 8:53 AM
مقالات

إعرف عدوك

“الشعوب تحتاج إلى عدو يحثها وجوده على التوحد لمواجهته” حكمة صينية من حقبة ما قبل البدء ببناء سور الصين العظيم في القرن الثالث قبل الميلاد لحماية الممالك الصينية القديمة من غزوات القبائل الشمالية.

“للعدو” في الفلسفة الصينية موقع مزدوج، فهو الذي يهدد الوجود، وفي نفس الوقت وجوده يدفع من يهددهم إلى توحيد قواهم للحفاظ على بقائهم، لذلك بدأ بناء سور الصين العظيم في القرن الثالث قبل الميلاد، واستغرق بناؤه قرابة ثلاثة قرون.

وانطلاقاً من جدلية دور العدو في الفلسفة الصينية القديمة، ينطلق السؤال عن أهمية معرفة العدو في بيئتنا اللبنانية، أقله لإجادة قراءة البوصلة التي تدلنا إلى طريق السلامة في الحقول المزروعة بالألغام.

عدت إلى البحث في مفهوم ودور العدو في الثقافة الصينية القديمة بعد حوار مع شخص من عائلة بيروتية معروفة اقترب مني في مقهى وبعد تحية لائقة ولطيفة قال: “أنا بعرف حضرتك من التلفزيون. ممكن تسمح لي أقعد معك أو منتظر حدا؟”

دعوت الأخ عصام لمشاركتي الطاولة وبعد حوار مجاملات قصير سألني: “هل يوجد تعريف موحد للعدو في لبنان؟”

“عدوي هو من اعتدى علي. هذا هو التعريف المتداول”، أجبت.

قال: “قصدت هل يوجد توافق لبناني على عدو واحد؟”

أدركت مقاصده فقلت له: “إسرائيل هي العدو الرسمي الوحيد للدولة اللبنانية إلتزاماً بقرار جامعة الدول العربية الصادر بعد احتلال فلسطين، ومن يعتبر أنّ إسرائيل ليست عدواً يتهم بالخيانة والعمالة والسعي إلى التطبيع مع العدو، ويحاكم ويدان ويعاقب”.

سأل: “هل كل الطوائف اللبنانية توافق على أنّ إسرائيل هي العدو الوحيد للشعب اللبناني؟”

أجبت: “لا يوجد في لبنان من يقول أنّ إسرائيل ليست العدو الرسمي الوحيد للدولة اللبنانية، ولكن عملاً بالتعريف المتداول (عدوي هو من اعتدى علي) إسرائيل ليست العدو الوحيد لشرائح عديدة من الشعب اللبناني، بل يوجد أعداء غيرها أيضاً”.

قال: “هذه صيغة معقدة. كيف يعني في عدة أعداء لشعب واحد؟”

سألته بدلاً من أن أجيبه: “هل إسرائيل هي التي غزت بيروت في 7 أيار 2008 واقتحمت بيتي الشاغر من شاغليه وسرقته وحطمت محتوياته وتعرضت للهاربين في الشوارع وقتلت تلك السيدة الجليلة وابنها المحامي من عائلة تعرفها وسُرق مصاغها؟”

وأضفت سائلاً: “هل إسرائيل هي التي خطفت موظفي بلدية عاليه في 11 أيار 2008 وحاولت التسلل إلى الجبل الدرزي عبر محمية أرز الباروك، وأقامت مواقع في تلة “ثلاث ثمانات”، وحاولت اقتحام الشويفات… وهُزمت ولملم الجيش اللبناني جثث قتلاها لاحقاً؟”

“وهل، يا أخ عصام، العدو الإسرائيلي هو الذي خطف منسق القوات اللبنانية في قضاء جبيل باسكال سليمان وقتله ونقل جثمانه إلى سوريا بالتعاون مع مجرمين لبنانيين متحصنين في سوريا ولم تستطع العدالة اللبنانية استردادهم… حتى الآن؟”

“العدو الإسرائيلي هو حتماً عدو، يا أخ عصام، ولكن هل هذا العدو الإسرائيلي، أم عدو آخر، هو الذي هدد السيد خلف الحبتور ما جعله يلغي خطط إقامة محطة تلفزيون في لبنان لأنّ العدو أراد أن يفرض عليه نسبة توظيفات تابعة له في المؤسسة، كما هو حاصل في مطار رفيق الحريري الدولي الذي لم يعد يربطه بمؤسسه سوى الاسم وليته يلغى كي لا يستخدم للتغطية على مخالفات ما كان الرئيس الشهيد ليقبل بها، رحمه الله وطيب ثراه”.

بدا الإمتعاض على وجه الأخ عصام بعد سيل إجاباتي، لكنه حافظ على لياقته وهدوئه وقال: “أليس العدو الإسرائيلي هو الذي يقصف لبنان ويقتل شعبه ويدمر بيوت مواطنيه؟ أليس العدو الإسرائيلي هو الذي يفعل ذلك يا أستاذ؟”

حاولت تهدئة إمتعاضه من خلفية إجاباتي فقلت: “حتمًا العدو الإسرائيلي هو الذي يرد على القصف الذي أطلقه حزب إيران في 8 تشرين الأول الماضي من جنوب لبنان تحت عنوان مشاغلة إسرائيل دعماً لحركة حماس في غزة، فجاءت النتيجة قتل اللبنانيين وتدمير بيوتهم وتهجيرهم”.

وأضفت: “هجر قصف حزب إيران 100 ألف إسرائيلي من مستوطنات الشمال،” قاطعني وسأل بحدة: “أليس هذا إنجازاً يا أستاذ لقد تمت إصابة العدو حيث يؤلمه”.

أجبته سائلاً: “هل تعرف عدد المهجّرين من جنوب لبنان يا أخ عصام؟ هل تعرف عدد القتلى والمصابين في جنوب لبنان؟ هل تعرف عدد البيوت التي كانت موجودة قبل 8 تشرين الأول في جنوب لبنان ولم تعد موجودة الآن؟ وبماذا أفادت حرب المشاغلة غزة يا أخ عصام؟

خرج عصام عن سياق الحوار وسألني: “حضرتك مين عدوك؟”

أخرجت من حقيبتي دفتر ملاحظات فارغ وقلمي وقلت له سجل يا أخ عصام اللائحة طويلة. سألتزم بمعادلة عدوّي من اعتدى علي وبالتسلسل الزمني من العام 1975 قدر الإمكان وتابعت التسلسل عبر اللائحة المحفوظة في ذاكرة هاتفي:

– عدوّي هو الذي أطلق النار على معروف سعد عندما كان على رأس مظاهرة صيادي الأسماك في صيدا اعتراضاً على شركة بترومين التي كان يرأس مجلس إدارتها الرئيس كميل شمعون منذ العام 1973 وتقوم بصيد الأسماك على طول الشاطئ اللبناني بشباك الجرف الكبيرة المعلقة بمراكب صيد حديثة ما يؤثر على أرزاق صيادي المراكب الصغيرة. وبعد عامين من الإعتراضات في مختلف المدن الساحلية انفجر الوضع عندما أطلقت النار على معروف سعد متقدماً مظاهرة الصيادين في 26 شباط وتوفي في مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت في 6 آذار 1975.

– عدوّي هو الذي اغتال المعلم كمال جنبلاط في 16 آذار 1977 على يد مخابرات نظام الأسد بقيادة إبراهيم حويجة الذي كان برتبة نقيب ورفّعه حافظ الأسد لاحقاً إلى رتبة لواء وعينه قائداً للمخابرات الجوية.

– عدوّي هو من اغتال الرئيس المنتخب بشير الجميل في 14 أيلول 1982 بتفجير عبوة ناسفة ذات عصف سفلي بمكتب حزب الكتائب في الأشرفية. واتهم باغتياله حبيب الشرتوني العضو في الحزب السوري القومي الإجتماعي.

– عدوّي هو من حَرِد واغتال عمدة الدفاع في الحزب السوري القومي الإجتماعي محمد سليم في 3 حزيران 1985 بمهاجمته في منزله ضمن مجموعة من 10 ملثمين. وقيل أنّ أمر اغتياله صدر من دمشق لأنه رفض تسليم غرفة عمليات المقاومة التي كان يديرها لمخابرات الأسد.

– عدوّي هو من اغتال الشيخ الدكتور صبحي الصالح في 7 تشرين الأول سنة 1986 بثلاث رصاصات في رأسه أطلقها مسلحون في ساحة ساقية الجنزير. كان اغتياله محلياً ولم تتهم أي قوة خارجية بتصفيته.

– عدوّي هو المخابرات التي اغتالت سماحة المفتي الشيخ حسن خالد بتفجير سيارته أثناء مغادرته دار الفتوى في 16 أيار 1989.

– عدوّي هو من اغتال رئيس الجمهورية رينيه معوض في ذكرى الإستقلال يوم 22 تشرين الثاني 1989 بتفجير سيارته في منطقة الصنائع ببيروت، والتي اتهم بها النقيب في المخابرات السورية آنذاك جامع جامع الذي رقّي لاحقاً بعد الإنسحاب من لبنان وقتل في إنفجار دمر سيارته بدير الزور.

– عدوّي هو من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005 بتفجير سيارته بـ 3 طن من المتفجرات قي مدينة بيروت. وقد صدرت إتهامات رسمية عن المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي لأعضاء من حزب إيران “بتنفيذ” الاغتيال.

– عدوّي هو من اغتال وزير الصناعة بيار أمين الجميل بإطلاق النار من مسدس على رأسه داخل سيارته في 21 تشرين الثاني 2006 في منطقة الجديدة بضاحية بيروت الشرقية-الشمالية.

– عدوّي هو من قتل نواباً من حركة 14 آذار تفجيراً ليسرق من الحركة الإستقلالية الأكثرية النيابية التي يمكن أن تتحكم بمسار التحقيق في إغتيال الرئيس الحريري ما يمكنها من إحالة الإغتيال إلى العدالة الدولية التي تقاضي من أخذ قرار القتل ومن موّل العملية كما من نفذها.

– عدوّي هو من لفّق للقوات اللبنانية جريمة تفجير كنيسة سيدة النجاة ما أدى إلى توقيف سمير جعجع وحلّ حزب القوات، ولما عجزت السلطة القضائية عن إثبات التهمة على القوات اعتبرت جريمة الكنيسة مجرد جرم متمادٍ بحق جعجع ما أدى إلى محاكمته بتهمة تفجير المروحية التي قتلت الرئيس رشيد كرامي، وسجن جعجع 11 سنة و 3 أشهر ليخرج بعفو عن المعتقلين السياسيين مع بعض الموقوفين الإسلاميين.

في كل الأحوال، بغض النظر عن الحكم الصادر عن القضاء فقد سجن جعجع 11 سنة و 3 أشهر، ما يوجب سجن بقية المتهمين بقضايا مماثلة مهلاً مماثلة، أقله احتراماً لمبدأ المعاملة بالمثل.

شكرني عصام على مداخلتي. أعاد لي دفتر ملاحظاتي وغادر. طلبت الحساب قال لي النادل صاحبك حاسب.

شكراً عصام. غادرتني مسرعاً وفاتني أن أسألك: هل تعتقد أنّ منظومة السلطة تريدنا أن نسامح ونصالح من تتقارب معه من أعدائنا الثلاثة؟

محمد سلام - هنا لبنان

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o