Oct 07, 2023 12:44 PM
خاص

لعنة الجغرافيا و"زوال" جمهورية ارتساخ...ابحثوا عن النفط!

يولا هاشم

المركزية – الخميس الماضي، دان الاتحاد الاوروبي، بشدة الهجوم العسكري الأذربيجاني المخطط له مسبقًا وغير المبرر ضد ناغورنو كاراباخ في 19 ايلول الماضي والذي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان وانتهاكًا واضحًا للمحاولات السابقة لتحقيق وقف إطلاق النار ومع اضطرار أكثر من 100 ألف من الأرمن إلى الفرار من ناغورني كاراباخ منذ الهجوم الأخير، اعتبر أعضاء البرلمان الأوروبي إن الوضع الحالي يرقى إلى مستوى التطهير العرقي، ودعوا إلى إعادة النظر في علاقاته مع باكو وإلى فرض عقوبات على المسؤولين الأذريين. فكيف تطورت الأمور وصولاً الى زوال جمهورية "ارتساخ"؟ 

المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يوضح لـ"المركزية" ان "بعد قتال بدأ عام 1988 واستمر لسنوات، سجلت ارمينيا انتصاراً عام 1992 بعد ان اجتاحت القوات الارمنية المدعومة روسياً وايرانيا من قبل الحرس الثوري، وسيطرت على اقليم كاراباخ المتمرد في اذربيجان، الذي حاول ان يعلن انفصاله نتيجة التسويات التاريخية التي تمتع بها الاقليم ونتيجة الدعم المباشر للدور الايراني والروسي، لكن هدف كل منهما بدأ يختلف تدريجياً. صحيح ان الهدف الكبير مساعدة الارمن لكن الروس كانوا يعتبرون ان إبقاء الخلاف داخل كاراباخ موجودا طوال الوقت أساسي، لأنها بذلك تستطيع ان تزعج اذربيجان وتسيطر ربما على ارمينيا. أما بالنسبة الى ايران فقد دعمت ارمينيا لأنها كانت ترى فيها حجة لتقول للعالم بأنها تدعم من يقف في وجه الاستكبار العالمي والمخطط الصهيوني الاميركي، وأذربيجان من ضمنه، بغض النظر عن الانتماء الطائفي والمذهبي، ما أدى الى انتصار الارمن وفرض سيطرتهم في جمهورية كاراباخ، فحصل على إثره تدفق كبير للاجئين وصل الى نحو المليوني نسمة بحسب اذربيجان، خرجوا من ديارهم واستقروا في العاصمة باكو. 

اليوم نشهد الشيء المعاكس. لماذا؟ لأن لعنة الجغرافيا الجيوبوليتيكية أصبحت أقوى من التحالفات السياسية. في البداية كانت روسيا متحالفة سياسياً مع الارمن في هذه الجمهورية وبالتالي سجلوا انتصارا. لكن كما يبدو ان الانتصار الذي سجله الارمن آنذاك، يدفعون ثمنه الآن، لأنهم لم يذهبوا الى تسويات طوال الفترة السابقة بل الى مناكفات، وكانوا لعبة بيد الروس الذين يتحملون المسؤولية الكبيرة لسقوط هذه الجمهورية نتيجة تقاعسهم الفعلي عن ايجاد حل سياسي واضح لإبقاء دور هذه الجمهورية في أذربيجان لتمارس حقها الطبيعي الاثني والديمغرافي، وتعاملوا معها على اساس ان "هؤلاء أصحابنا ونحن ننفذ ما نريده".  

لكن بالعودة الى الوراء، نجد ان طبيعة الخلافات بدأت فعليا منذ العام 2020 عندما سجل الارمن نقطة اساسية في عملية التعامل مع كاراباخ، والتي بدأت مع ظهور الغاز في منطقة جبرائيل القريبة من شوشا. وبحسب ادعاءات أذربيجان، فإن هذا الغاز لن يُستخرج طالما ان شوشا تحت الاحتلال الارمني، علما ان شوشا مدينة أذربيجانية احتُلت بعيدة عن الاقليم. اذاً، حصل الاتفاق وسكت الجميع وأصبحت الحرب على الغاز، حرب أنابيب وطاقة. من هنا كانت اذربيجان تعد العدة طوال الفترة الماضية، من خلال استنهاض جيشها وتسلحها واقامة علاقات عسكرية مع العديد من الدول بما فيهم روسيا في العام 2016 حين وقعت اذبيجان مع موسكو اتفاقا كبيرا لشراء سلاح نوعي وأقامت معها مناورات عسكرية عام 2018. وبالتالي سيطرت لعنة الجغرافيا على لعنة السياسة وتغيرت نوعية العلاقات بين الدول". 

ويتابع العزي: "اما ايران التي لم تستطع مجددا مساندة الارمن نتيجة الظروف السياسية ونتيجة تظاهر نحو 20 مليون نسمة من اهالي اذربيجان الشرقية وقالوا لروحاني "اذا حاولت التدخل الى جانب الارمن سنتدخل ونفتح الحدود ونقاتل مع اهلنا في اذربيجان. وخرج وقتها روحاني في تصريح شهير على الاعلام وقال بأن قضية اذربيجان يجب حلها عبر الاطر الدولية والامم المتحدة، وبأن ناغورني كاراباخ ارض اذربيجانية وسكانها ارمن تم اعطاؤهم  ما يشبه الحكم الذاتي عام 2020 عندما انخرطت اذربيجان وارمينيا داخل الاتحاد السوفياتي. ما أدى الى تراجع ايران. 

كما دخل ايضا عامل جديد على الخط هو الوجود العسكري المتحالف مع ايران والوجود الاسرائيلي الذي يملك علاقات قوية مع اذربيجان وله قواعد عسكرية لتدريب سلاح طيران الدرون، بالاضافة الى الموقف التركي الذي اصبح عاملا ولاعبا اساسيا في منطقة القوقاز ووسط آسيا، والذي أعلن انه دعم اذربيجان عام 2020 بالمسيرات والسلاح النوعي والتدريب العسكري وساهم بانتصارها".  

ويرى العزي ان "التاريخ أثبت اليوم ان اذربيجان خاصرة رخوة ضعيفة جدا. في المقابل، سعت أرمينيا الى إقامة اتفاقية وتوجهت الى بروكسل وواشنطن وعقدت اجتماعات عدة مع اذربيجان حيث اتفقا على ان تكون ناغورني كاراباخ داخل دولة اذربيجان لكن هناك شروط للاندماج وأهمها ضمان حماية الإرث الثقافي والاثني والمالي والمعنوي للارمن.  

لكن اذربيجان استطاعت ان تقول لروسيا الضعيفة في المنطقة بسبب انشغالها بالحرب الاوكرانية، بأنها تريد استرجاع ارضها التي تخلت عنها بالقوة عام 1992 بسببها. كما ان الغرب غير قادر على التأشثير على أذربيجان لأنه لا يملك اوراق تفاوض اكان واشنطن او بروكسل، وفي الوقت نفسه روسيا ضعيفة وايران واقفة على حياد لا يمكنها التدخل، رغم أنها كانت تعلن بين الفينة والاخرى انها مستنفرة وجيشها على الحدود وهي لن تقبل بتغيير الجغرافيا وتخسر ارمينيا التي هي نافذتها للتهرب من العقوبات. 

وبالتالي بدأ الصراع بين الأرمن الموالين للروس في كاراباخ والارمن في أرمينيا الذين يرون بأن روسيا باتت تشكل عبئا عليهم ويجب التخلص منها. ما حصل عمليا هو ان الارمن حقنوا الدماء ولم يدخلوا في صراع مع اذربيجان لأن ميزان القوة اختل، واتخذوا قراراً حكيماً بإنهاء هذا الجمهورية. لكنها انتهت مسببة بخروج اكثر من مئة الف ارمني الى ارمينيا ودخول القوات الاذربيجانية الى ستيباناكيرت من دون اي قتال او عنف. 

 صحيح ان هذه الجمهورية انتهت، إنما يجب الحفاظ على التراث واللغة والكنائس والمقابر الموجودة في كاراباخ، لكي يؤمن ذلك نوعا من الاطمئنان والثقة المفقودة من الجانبين حتى الآن. واعتقد ان للقضية تتمة، وهنا الهجرة قد تكون طوعية لأن الارمن لا يريدون العيش الا ضمن هوية ارمنية ويمكن ان نرى جاليات ارمنية ستعود، وفقا لاتفاق وضغوط دولية على الاذربيجان من خلال حماية الارث الثقافي والاجتماعي والتكلم باللغة الارمنية وحفظ العادات والتقاليد الارمنية". 

ويختم: "ما حصل يُبعد ارمينيا عن خطوط النفط التي ستمر من آسيا الوسطى عبر قزوين عبر الشرق الاوسط وأظن ان الارمن يفهمون ان وجودهم في هذه المعادلة الاقتصادية يوجب عليهم الدخول في اتفاقية مع تركيا واذربيجان".  

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o