May 21, 2023 10:42 AM
خاص

قمة جدة: السعودية تخاطب "الدب الروسي" والحليف الأميركي

يارا أبي عقل

المركزية- سرب كامل من العصافير أصابه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في القمة العربية التي عقدت في دورتها الـ 32 في جدة بنصاب عربي مكتمل من المحيط إلى الخليج، ما خلا غياب رئيس الجمهورية اللبنانية العالق انتخابه في براثن شبكات المصالح السياسية والتحاصصية لأطراف الداخل.  

فالرجل السعودي القوي الذي كرّسه الأمر السياسي والملكي الواقع في المملكة العربية السعودية الآمر الناهي الأول، أراد، على ما تشير إليه مصادر سياسية عبر "المركزية"، أن يستفيد من استضافة بلاده القمة العربية لأهداف عدة أولها تأكيد دور الرياض المحوري في العالم العربي، على رغم إمساك مصر بزمام الأمور والقرارات في جامعة الدول العربية. أما ثاني الأهداف فيكمن في محاولة بن سلمان إصلاح الصورة السياسية السلبية التي أعطاها إلى العالم عقب "اختطاف" أو "اعتقال" الرئيس سعد الحريري وإرغامه على إعلان استقالته من رئاسة الحكومة، في تدخل واضح في الشؤون السيادية اللبنانية، إضافة إلى جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في تشرين الأول 2018.

لكن كل هذا لا يعني أن العبر المستقاة من الصورة العربية الجامعة في جدة يمكن أن تختصر أو تحصر في هاتين النقطتين. ذلك أن من المفترض قراءة القمة وبيانها الختامي من منظار السياق السياسي الذي أتت في خضمه. ذلك أن القمة العربية عقدت في جدة بعد أيام قليلة على انتهاء مهلة الشهرين التي حددها الأطراف الموقعون على الاتفاق السعودي الايراني (10 آذار الفائت) للبدء في تلمس انعكاساته على أرض الواقع. فهذه الخطوة المتقدمة في مسار العلاقات بين الجبارين الاقليميين الايراني والسعودي بدت أولى الإشارات إلى سياسة صفر مشاكل التي يسير بهديها ولي العهد السعودي، بعد شهور قليلة على عودة العلاقات الخليجية مع قطر إلى طبيعتها. وإذا كان أحد لا يشك في أن دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة العربية تعد واحدة من صور هذه السياسة، فإن المصادر تلفت إلى أن في ذلك أيضا رسائل كبيرة ومهمة إلى المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، النائمة على حرير حلفها الوثيق مع الرياض للأسباب السياسية والنفطية المعروفة. وفي السياق، لا بد من الاشارة إلى أن السعودية الراغبة في تهدئة اقليمية طويلة الأمد، ركبت قطار الاتفاق الذي قادته الصين، أحد أهم الخصوم السياسيين العالميين للولايات المتحدة، ومدت يدها لمصافحة الجمهورية الاسلامية الايرانية، العدو الاقليمي الأول لواشنطن على اختلاف إداراتها وسياساتها. وقد رمت المملكة من ذلك إلى تأكيد إمكان الاستدارة نحو ألد الخصوم متى اقتضت المصلحة السياسية العامة ذلك، خصوصا أن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من عام تتجاوز رفض الكرملين رؤية الناتو يتوسع إلى جوار الأراضي الروسية إلى محاولة إعادة خلط أوراق النفوذ السياسي على مستوى العالم.

ولكن بن سلمان بدا حريصا على إضفاء الكثير من التأني على خطواته الكبيرة في خضم موجات التقارب العربي والعودة السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من عقد على تعليق عضويتها فيها. فأكد أنه عمليا يقف في موقع لاعب الوسط في زمن الهجوم على المكاسب. من هنا، يمكن فهم القرار السعودي في تفجير مفاجأة من نوع دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي إلى المشاركة في القمة. فالرياض لا تريد قطع شعرة معاوية مع الغرب، حاولت جر العرب إلى التموضع في الموقع المساند لزلنسكي الذي دفع أعضاء حلف شمال الأطلسي (ومن ورائهم المعسكر الغربي مجتمعا) بلاده إلى القتال بالنيابة عنهم جميعا في مواجهة روسيا. لكن العرب أنفسهم لا يريدون استعداء القيصر الروسي، وهي الرسالة الواضحة من مشاركة الأسد شخصيا في قمة جدة، وهو الرئيس الذي ساعده الوجود العسكري الروسي المباشر في الميدان السوري على الصمود في موقعه لأن ساعة التخلي عنه وعن الحاجة إليه لم تحن بعد.   

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o