Mar 11, 2023 11:53 AM
خاص

لقاء الهوية" يضع أسس دولة "مدنية لامركزية حيادية".. فهل تبصر النور؟

يولا هاشم

المركزية – أعدّ "لقاء الهوية والسيادة" وثيقة وطنية وسياسية، وجال على الأحزاب والكتل النيابية الوازنة، لعرضها. ترتكز الوثيقة على دولة "مدنية لامركزية حيادية" انطلاقا من العناوين العريضة لاتفاق الطائف، وعلى سد الثغرات التي ظهرت خلال تطبيقه على مدى العقود الماضية، ومعالجة أسباب الأزمات البنيوية والوجودية التي عانى منها الشعب اللبناني منذ قيام دولة لبنان الكبير والتي أوشكت أن تطيح بالوطن وتصيب الكيان. فما تفاصيل هذه الوثيقة؟ 

رئيس لقاء الهوية والسيادة الوزير السابق يوسف سلامة يوضح لـ"المركزية" ان "اللقاء انتقل من لقاء ذو وجه مسيحي عام 2007 الى وطني تكرّس بعد ثورة 17 تشرين. وانضمت إليه شخصيات وازنة من كل الطوائف".

ويضيف: "حاولنا في الوثيقة السياسية التي عرضناها على الكتل النيابية الوازنة الإجابة على سؤال أساسي: منذ قيام دولة لبنان الكبير والبلاد تعاني من نقص في ولاء اللبنانيين لدولتهم ووطنهم، وهذه الظاهرة غير موجودة في أي دولة أخرى في العالم، فلا نجد دولة في العالم تعاني من ازدواجية الولاء  كلبنان.

تساءلنا عن السبب وحاولنا الإجابة وايجاد العلاج. فالجميع يعلم ان مع ولادة دولة لبنان الكبير، رغب قسم من اللبنانيين بالانضمام الى حكومة فيصل في سوريا. ولدت الدولة وكان للبطريرك الياس الحويك دور أساسي في ذلك، واستفاد لبنان من نتائج الحرب العالمية الاولى التي كرست الانتصار للحلفاء ولفرنسا تحديدا.

اختزلت الطائفة المارونية عمليا كل مفاصل الدولة الاساسية، الامر الذي لم يساعد اللبنانيين الذين كانوا يعانون أصلاً من "نقزة" من الانضمام الى دولة لبنان الكبير لأسباب طائفية او غيرها من تعزيز ولائهم الكامل للدولة وللوطن، وأصبح اللبناني يعيش بقلق وحذر وقلة ثقة من الآخر. وعند اول فرصة، مع بروز الناصرية والزعيم الاقليمي الكبير جمال عبد الناصر، والعطف الذي حظي به بعد ولادة اسرائيل لأنه رفع شعارات شعبوية تطالب بتحرير فلسطين، تعاطف معه قسم من اللبنانيين على حساب سيادة الدولة والولاء الكامل لها، ترافق ذلك مع ولادة منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني الذي نال عطفا على حساب الجيش اللبناني، وكان اتفاق القاهرة الذي ضرب المسمار الاساس في الكيان الوطني. على أثره اندلعت حرب الـ 75 التي تسببت بتشظي صيغة الحياة المشتركة، فحصل تهجير داخلي مريع، وطالت الأزمة حتى فرض اتفاق الطائف على حساب مقومات دولة ١٩٤٣.

ويضيف سلامة: "عام 1٩٥٦ طرح "كمال جنبلاط" في دار الندوة في محاضرة حول إصلاح النظام السياسي اعتماد الفيدرالية، فرفضها الموارنة لأنهم كانوا يستفيدون من الدولة المركزية. ومن ثم طرحت الجبهة اللبنانية الفيدرالية عام 1977 على أثر حرب الـ75، فرفضها المسلمون لأنهم كانوا يستفيدون من سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية. وتبيّن ان الطوائف الكبيرة في لبنان كلها إلغائية، ولن يتوانى أي منها عن وضع يده على البلد إذا سنحت له الفرصة بذلك علما أنه تجدر الإشارة الى ان زمن ما قبل الـ75، أي زمن ما كان يسمى بالهيمنة المسيحية جعل من لبنان دولة نموذجية في الشرق عرفت الرخاء الاقتصادي واحترمت ولو نسبيا ضوابط العدالة والقانون.

بعد ذلك وقع لبنان تحت احتلالات عديدة وجاء اتفاق الطائف، وبرزت هيمنة لطائفة على أخرى، ودخلنا في عصر الوصاية السورية المباشرة وبمسار إفلاس الدولة. عام 2005 خرج السوري من لبنان بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وانتقل لبنان من هيمنة ذو وجه عربي سنّي الى هيمنة شيعية عن طريق حزب الله وايران"، مشيرا الى ان "لبنان لم يعرف مرة توازنا يوصله الى استقرار، لذلك لاحظنا في لقاء الهوية والسيادة أن جميع الطوائف التي هيمنت انتهت خاسرة وخسر معها الوطن فعملنا في لقاء الهوية والسيادة على طروحات تعيد بناء الدولة انطلاقا من العناوين العريضة لدستور الطائف بشكل تستعيد معه التوازن بين المؤسسات وتحمي النكهة اللبنانية التي تجسد ثقافة الحياة المشتركة فقلنا ببناء دولة مدنية لامركزية حيادية حيث يشعر كل مواطن بأنها دولته يحميها بقناعاته وقدراته وطموحاته فيتأمن معها الاستقرار الذي على اساسه يمكننا ان نحلم بمستقبل واعد".

على ماذا ارتكزت هذه الدولة، يجيب سلامة: "اولا دولة مدنية لأن لبنان لا يمكنه ان يكون دولة دينية في ظل وجود 17 طائفة فيه ما يشكّل نموذجا ليس فقط في الشرق بل في العالم. وثانيا دولة لامركزية لإعطاء مساحة حرية لكل المكوّنات كي تشعر بأمان، لكن جعلنا السلطة والقرار السياسي مركزيا حفاظا على وحدة البلاد فحصرنا اللامركزية في الامور الانمائية والاجتماعية حماية للتكامل والتنافس الايجابي بين المناطق بعدما عانينا في الدولة المركزية من سرقة الخزينة تحت غطاء التنافس الالغائي فيما بين المنظومة الحاكمة على مساحة تنوعها الطائفي، وبذلك، نعطي مجالا للامركزية الانمائية والمالية المتوازنة والمتكاملة ضمن دولة القرار السياسي الواحد.

أما بالنسبة للحياد، فإن لبنان دولة صغيرة جغرافيا، تحدّها دولتان، دولة لم تعترف به أصلا إلا مرغمة وهي سوريا ودولة لم يعترف بها إلا مؤخرا وهي إسرائيل، لذلك، أمامنا طريقان إذا أردنا حماية أرض وكرامة وسيادة لبنان: إما ان نتحول الى شعب انتحاري كاميكازي ونخسر ثقافة الحياة او نلجأ إلى الحياد، لأن لا مجال بمقدرات لبنان الذاتية ان نتمكن من تكوين دولة مقاتلة. وعندما نتحدّث عن الحياد، حسب مفهومنا، هو حياد عن كل المحاور، وليس ارتهان لمحور معين دون الآخر.
صحيح أننا ننتمي ثقافياً إلى حضارة الغرب لكننا في الوقت نفسه شعب هواه شرقي أيضا، لذلك عندما نلتزم بالحياد نصل الى سلام واستقرار داخلي. كما ان الحياد يشكل ضمانة لسيادة لبنان وأمنه واستقراره وانفتاحه على كل العالم بشكل كبير".

ويضيف سلامة: "انطلاقا من هنا، اتجهنا نحو المشروع السياسي وقررنا، كمقدمة للوصول الى الدولة المتوازنة العابرة للطوائف، ان نلغي المذهبية السياسية. فرئاسة الجمهورية أعطيت بحسب العرف إلى المسيحيين الموارنة ورئاسة الحكومة للمسلمين السنّة ورئاسة المجلس للمسلمين الشيعة. لذلك اقترحنا انشاء مجلس شيوخ. وبما ان رئاسة الجمهورية أعطيت للمسيحيين فلتكن مفتوحة لكل المسيحيين وليس فقط للموارنة، رئاسة الحكومة تكون مفتوحة لكل الشعب غير المسيحي اي الدرزي والسني والشيعي ورئاسة المجلس كذلك الأمر، وتركنا مجلس الشيوخ لكل المذاهب الاسلامية والمسيحية. كما منعنا أي مذهب من الحصول على رئاستين من الرئاسات الأربعة. ومن ثم، اعتمدنا إنشاء مجلس نيابي غير طائفي كي نبدأ بالتأسيس لثقافة المواطنية اللبنانية، فحددنا عدد أعضاء المجلس النيابي بـ٦٠ عضو يتوزعون على أقضية لبنان ومدنه وينتخبون وفق النظام الاكثري ومجلس الشيوخ بـ٦٠ عضو أيضا يتوزعون على جميع المذاهب على أن ينتخبهم أبناء كل مذهب على أساس لبنان دائرة واحدة ووفق النظام النسبي. وفي هذا الاطار، قسمنا الأقضية كما كانت عام 1960 قبل بدء الحروب الداخلية وقبل الهجرة الداخلية والخارجية، أخذنا الاقضية التي كانت بأكثريتها مسلمة مثلا وقسمناها الى اثنين وألغينا الكسور. فإذا كان في هذا القضاء خمسة نواب، جعلناهم نائبين وليس ثلاثة. المناطق والاقضية التي بأكثرية مسيحية، عندما قسمنا جعلناها غالبية بشكل اذا أجرينا الانتخابات خارج القيد الطائفي، يفوز نحو 26 نائباً مسيحياً من أصل 60 لان هناك أقضية أكثريتها مسيحية، ويؤمّن نواب الشوف وعاليه توازنا نسبيا فنكون قد حافظنا على التنوع السياسي الذي يحمي لبنان الرسالة وبالتالي نكون قد حافظنا نسبيا على التوازن في مجلس النواب دون ان ننتخب ضمن القيد الطائفي والمذهبي. مثلا المواطن في عكار، المسيحي لا يمكنه ان يكون نائبا ولكن اصبح صوته بأهمية المسيحي في جونية لأنه أصبح يرجح الصوت السني المعتدل، والسني الذي يترشح ضد سني آخر للفوز بمقعد نيابي عليه ان يفوز بأصوات الأقلية المسيحية، وبالتالي أصبح  عليه لزاما اعتماد خطاب وطني وغير طائفي. وهكذا، الشيعي في جبيل ايضا. والمسيحيون متواجدون كأقليات منتشرون في كل لبنان. بهذه الطريقة نجبر الجميع او على الأقل الطوائف الكبيرة ان يكون خطابها وطنيا وليس طائفيا".

على مستوى رئاسة الجمهورية، يقول سلامة: "الجميع يعلم انه منذ تأسيس دولة لبنان الكبير حتى اليوم، لم يصل رئيس للجمهورية من دون تأثيرات وتدخلات خارجية لتعيينه، حتى بعد الاستقلال. لتحرير لبنان من هذا الامر، اقترحنا انتخاب الرئيس من الشعب، وفي الوقت نفسه، حتى نتمكن من إقامة توازن وعدم وصول رئيس لا يمثل بيئته، قلنا، من يريد ان يترشح الى رئاسة الجمهورية يجب ان يكون احد أعضاء مجلس الشيوخ ويحصل على تواقيع عدد معين من مجلس الشيوخ. اي يتمتع بصفة تمثيلية مسيحية، لأنه وصل الى مجلس الشيوخ بأصوات المسيحيين. وفي الوقت نفسه ليصل الى الرئاسة يجب ان ينجح بأصوات كل الشعب اللبناني اي بأصوات المسلمين أيضا، وهكذا لا يمكن لخطابه ان يكون إلا وطنيا، لأنه لا يترشح الى الرابطة المارونية انما الى رئاسة جمهورية لبنان، بهذه الطريقة تتحوّل كل خطابات قيادات الطوائف الكبرى من خطاب مذهبي الى وطني. وهكذا عند المسلمين، فإذا اتخذت مثلا، طائفة كبيرة من المسلمين موقفا يتجاوز حدود السيادة والوطن، تصبح مهددة بخسارة أي موقع في السلطة لأنها تصبح مفتوحة وليس لديها أي شيء حكر لها، أصبح الجميع ملزم اعتماد خطاب وطني ليتمكن من كسب ثقة باقي الطوائف والمذاهب. اذا أردنا أن يكون رئيس الجمهورية حكما بين المؤسسات ورمزا لوحدة الدولة عليه أن نعطيه صفارة الحكم فعملنا على سد الثغرات الموجودة في دستور الطائف وحددنا المهل التي ترعى العلاقة بين المؤسسات بهذه الطريقة، يصبح رئيس الجمهورية حَكَما وضابط إيقاع. اليوم مع اتفاق الطائف، إذا لم يتفق رئيس الجمهورية مع رئيس الوزارة لا يمكن تأليف حكومة. ولاحظنا بعد انسحاب السوري وتوقف التدخل المباشر، ان نصف الزمن مرّ بحكومات مستقيلة وتصريف أعمال، لأن كل خلاف بين رئيس الجمهورية والوزارة يجمد الحياة السياسية. فحلينا كل هذه الأمور بسدّ الثغرات الموجودة في اتفاق الطائف".

وختم سلامة: "قام اللقاء بجولة على كل الكتل الوازنة عنيت (اللقاء الديمقراطي، كتلة الوفاء للمقاومة، الجمهورية القوية، لبنان القوي، الكتائب اللبنانية ودولة رئيس المجلس النيابي نبيه بري) ولقي ترحيبا غير مسبوق، وأملنا كبير ان نصل الى نتائج ايجابية. والحوار الذي تعذّر على مستوى مركزي، بسبب الصراعات والتحاصص، قمنا به بالمفرق، ونتأمل ان نضعه قريبا في خدمة الوطن".     
 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o