Jan 27, 2023 6:08 AM
صحف

التواطؤ يستكمل الانقلاب على بيطار والتحقيق.. عويدات: "أنا شِلت دم من الشارع لكن…"

هل يتجه لبنان نحو انفجار متعدد الطابع اجتماعيا وامنيا واقتصاديا؟ السؤال، بحسب "النهار"، لم يعد مجرد ترف تحذيري يجري تداوله على منابر الاعلام، بل صار اقرب الى الإنذار المبكر في ظل تدافع تطورات بل كوارث ذات طابع استثنائي تضع البلاد على فوهة انفجار لا احد يملك القدرة والمهابة الكافية لدحض المخاوف منه. ولم تكن نماذج الصدامات والاحتكاكات التي شهدها قصر العدل في بيروت امس سوى بعض مقدمات عما بلغته الفوضى اللبنانية في ما كان يفترض ان يشكل محراب النظام والانتظام والسلوكيات الديموقراطية المحترمة، فاذا باليوم الماراثوني الطويل في “العدلية” يتكشف عن المدى الصادم للسقوط المحقق للقضاء مؤسسات ومقامات واشخاصا. ويكفي للدلالة على عمق الإصابات والتفكك الذي أصاب من القضاء مقتلا غداة “انقلاب” قاده مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات على المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، ان ينتهي اليوم الطويل الى اخفاق مجلس القضاء الأعلى في عقد اجتماع كان الجميع يتطلعون اليه ويحبسون الانفاس في انتظار وضع يده على اخطر انفجار حصل داخل الجسم القضائي. وبدا واضحا ان مجريات الانقلاب على المحقق العدلي والتي يخشى انها أودت تماما بالتحقيق نفسه في مجزرة انفجار المرفأ استكملت فصولها البارحة في افتعال مسببات لمنع انعقاد مجلس القضاء الأعلى بما يتكشف عن اتساع مروحة الانقلابيين من داخل الهرمية القضائية الأعلى في لبنان لكي يضحي ابعاد بيطار والاجهاز على التحقيق امرا واقعا بتواطؤ رسمي وسياسي وقضائي.

واما ما فاقم صورة القلق والشحن النفسي والمناخات المتشائمة فتمثل في تسارع المجريات الصدامية القضائية على وقع مجريات مالية معيشية وحياتية كارثية توغلت معها البلاد نحو المرحلة الطالعة من الانهيار. اذ ان سعر الدولار مضى صعودا ممزقا سقف الـ 62 الف ليرة وتصاعدت معه على نحو جنوني أسعار المحروقات التي ابتدعت وزارة الطاقة اصدار جدولين يوميا لتسعيرها فبلغ الفارق التصاعدي بين تسعيرة قبل الظهر وبعده الخمسين الف ليرة ولا رفة جفن لدى الحكومة ولا أي جهة معنية ومسؤولة!

اذن على مشارف انهيار افلاسي واخطار اضطرابات اجتماعية وامنية تزداد غيومها تلبدا، شهد قصر العدل في بيروت امس أوسع استنفار أمني لم يشهده سابقا تزامنا مع اعتصام أهالي ضحايا إنفجار المرفأ في باحته تأييدا لقرار المحقق العدلي القاضي طارق بيطار. وانتشرت قوة من قوى الأمن الداخلي والجيش في الخارج وتوزعت عناصر من جهاز امن الدولة في محيط دائرة النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بكثافة وصلت الى نصف ردهة الطبقة الرابعة. وازداد التحوط بعد إنتشار خبر اعتداء مرافقين لوزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري على نائبين من التغييرين خلال زيارة له في مكتبه كانا في عداد الوفد النيابي الذي ضمهم والنواب ميشال معوض وسامي الجميل وجورج عقيص، قصداه بعد زيارة نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار ثم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود. ولكن النائب العام التمييزي مضى في تصعيد خطواته الانقلابية فاصدر تعميما استكماليا الى كل الأجهزة الأمنية المتعلق بعدم تنفيذ أي إجراء صادر عن المحقق العدلي، والطلب من رئيس وموظفي قلم النيابة العامة التمييزية وأمانة سر النائب العام لدى محكمة التمييز عدم إستلام أي قرار او تكليف او تبليغ او إستنابة او كتاب او إحالة او مذكرة او مراسلة او اي مستند من أي نوع صادر عن المحقق العدلي في قضية إنفجار مرفأ بيروت، إن ورد مباشرة منه او بواسطة اي مرجع آخر “كونه مكفوف اليد في هذه القضية وغير ذي صفة”. واتبع قراره بكتاب الى التفتيش القضائي تضمن نسخة عن الملف المتعلق بالإدعاء الصادر عنه اول من امس بحق المحقق العدلي، وذلك للإطلاع وإتخاذ ما ترونه مناسبا”. وافاد مصدر قضائي “النهار” ان عويدات احال اوراق الإدعاء بشأن المحقق العدلي على الرئيس الاول لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود لتعيين قاضي تحقيق للنظر في ملف هذا الإدعاء.

وبدا واضحا منذ بدء الاستعدادات لجلسة مجلس القضاء التي كانت مقررة الأولى بعد الظهر لبحث جدول الاعمال وفي عداده قرار القاضي بيطار بإن الجلسة لن تعقد رغم وجود كل اعضاء المجلس، ولاسيما عندما تخطى موعد الإجتماع ساعة ليرجأ عند الثانية والنصف “بعدما إرتأى القاضي عبود هذا الإرجاء “تهدئة للأمور لأن الوضع الأمني لا يسمح بعقده، ولكانت تأزمت الأمور أكثر، وخوفا من إراقة الدماء” وفق زعم عويدات. وفضلا عن ذلك أشارت مصادر قضائية الى ان أعضاء في المجلس كانوا يصرون على طرح موضوع تغيير القاضي بيطار في الجلسة.

وشهد قصر العدل صداما بين نواب ومرافقي وزير العدل هنري خوري بعدما حضر نواب معارضون وعقدوا داخل العدلية اجتماعات مع ‏وزير العدل ومع نقيب المحامين ناضر كسبار ورئيس مجلس القضاء الاعلى ‏القاضي سهيل عبود. وكان النواب خرجوا من اجتماع مع الوزير خوري لم يمر على خير. اذ ‏اثر اعتراض النائب وضاح الصادق على اداء خوري المسيس، اعتدى عليه مرافقو الوزير ‏وكان هرج ومرج في الخارج بين النواب وفريق الوزير الذي رفض الكشف عن هوية ‏المعتدي وزعم انه يأسف “للمشهدية السيئة والمؤسفة التي حصلت أثناء استقباله ‏مجموعة من النواب داخل قصر العدل”. وقال ان “الاشكال تسببت فيه أولاً الأجواء ‏القضائية المشحونة، وثانيا نوايا بعض النواب الذين لم يلتزموا اصول التخاطب واللياقة مع ‏الوزير”‏.

وعلى وقع مواجهات بين اهالي الضحايا والقوى الامنية ‏التي تحمي قصر العدل بعد ان حاول المعتصمون اقتحامه، التقى النواب كسبار فعبود. واشارت مصادر نيابية شاركت في اللقاء مع عبود الى ان “الإجتماع كان جيّداً وموقف عبود كان ‏إيجابيًّا لناحية أنّه سيحمي المحقّق العدلي القاضي بيطار من الهجمة الشّرسة التي يتعرّض ‏لها ولن يسمح بسحب الملفّ من يده أو بإزاحته من منصبه”. وقال عضو تكتل الجمهورية ‏القوية النائب جورج عقيص “جميعنا في مركب واحد وعلينا كنواب سياديين ‏اليوم استعادة الدولة من الدويلة واستعادة ملف قضية المرفأ ولن نسمح بتهديد القاضي ‏بيطار والقرار الاتهامي سيصدر قريبا”. اما عضو كتلة الكتائب النائب الياس حنكش فقال: ‏”كتلة النواب الموجودة هنا اليوم “رح تكبر” وسيكون هناك تحركات بالشارع ولن يكون ‏هناك قاض رديف للقاضي بيطار”. وقال النائب ميشال معوّض: ”لسنا هنا لنتدخّل بالقضاء ‏لكن هناك تدخلات سياسية من السلطة عرقلت عمل القاضي البيطار وما يحصل هو انقلاب ‏على العدالة”‎ .‎‏واعتبر ‎ النائب وضاح الصادق ان “قصر العدل اليوم تحت الاحتلال. وما سمعناه من ‏وزير العدل غير مقبول بأي منطق”. ‏

ميت رئاسيًا فانشطرت قضائيًا: من جهتها، أشارت "الجمهورية" الى ان التطورات تلاحقت أمس سياسيا ورئاسيا وقضائيا على وقع استمرار الجنون في السوق المالية حيث تجاوز سعر الدولار الاميركي عتبة الستين الف ليرة وصفيحة البنزين المليون ليرة والحبل على الجرار... وكذلك على وقع انفجار غضب الشارع، من دون أن يسجل اي تطور ملموس يَشي بلجم الازمات المتصاعدة والمتناسلة تمهيدا لتوفير المعالحات الناجعة، وبَدا ان التصعيد يجر التصعيد والبلاد تمضي الى مزيد من الانهيار فيما القوى السياسية على اختلافها تمضي في مناكفاتها ومشاحناتها غير آبهة بعذابات الناس ومعاناتهم اليومية في معيشتهم.

هل جاء دور القضاء؟ سؤال ارتسم مباشرة في موازاة الحرب القضائية ـ القضائية التي شبّت منذ يومين وعلى ضفافها ملفات رئاسية واقتصادية ونقدية تزودها الاسلحة الثقيلة وتسعر نيرانها في اخطر سيناريو يمر على البلد منذ بدء الانهيار… انهيار، ذهب مصدر سياسي رفيع الى إعلاء شأنه ليرفعه الى مرتبة «الارتطام» بدأت تجهز له الارضية حيث بات يرصد بسهولة ان ثمة شيئاً ما يحضّر لانفجار يحقق الاهداف التي لم يحققها انفجار المرفأ نفسه ولا التحقيق واستهدافاته المسيسة، وهو ما استثمرت عليه جهات داخلية وخارجية.

وسأل المصدر كيف ان الاحداث تتزامن بعضها مع بعضها من دون محرك لها او تقاطع لمستفيدين من الاحداث؟ مسار ارتفاع غير مسبوق للدولار وتدهور تراجيدي لسعر الليرة، وفد قضائي اوروبي للتحقيق في جرائم مالية، تطور في ملف الاستحقاق الرئاسي، قطع طرق وتحضير لانفجار اجتماعي… كلها احداث ولاّدة لوضع القوى السياسية امام واقع تعجز فيه عن التعامل مع تسارع الانهيار، فترضخ لما سيقرّر لها وينتزع منها دور «الطبخ» وهي أصلاً كانت عاجزة عنه الا بما رشح في الايام الاخيرة من امكانية قيادة حركة داخلية تحضر لوصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى بعبدا بأصوات الأكثرية المطلقة في المجلس النيابي، وهذا ما برز اليوم من خلال الاعلان غير الرسمي «شكلياً» والرسمي «واقعياً» لفرنجية من بكركي. ليخلص المصدر الى القول: «حميت رئاسيا فانشطرت قضائيا، وهذا الانشطار في العدلية هو تمهيد للانهيار الشامل بحيث بقي من سيبة الصمود الثلاثية «الامن»، بعد ان انكسر الاقتصاد والتحق به القضاء.

وعن المعركة الدائرة بين عويدات والبيطار أشارت معلومات «الجمهورية» من مصدر قضائي الى ان وفد نواب التغيير والكتائب و«القوات اللبنانية» حضروا الى قصر العدل بناء على طلب رئيس القضاء الاعلى سهيل عبود، وتساءل المصدر: «هل كانت النية تعطيل جلسة مجلس القضاء الاعلى وترحيل إمكانية البت بطلب وزير العدل النظر في القضية؟.

كذلك علم ان الوفد النيابي، وقبل ان يتوجه الى مكتب وزير العدل، اجتمع مع عبود وكان التوجّه واحدا بينهما وتطابق في مقاربة القضية والخطوات التي ستلي. واكد المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات لـ«الجمهورية» انّ ما قام به هو «لتجنيب الشارع سقوط الدم»، قائلاً: «أنا شِلت دم من الشارع لكن لا اعرف اذا كنت قد أجّلته»، اذا استمرت الحال على ما هي عليه».

واشار الى انه ليس متنحياً عن صلاحياته وعن مواجهة مخالفة القانون «فأنا المدعي العام للتمييز المسؤول عن كل الملف وصلاحياتي مطلقة، أُلاحِق ولا اُلاحَق. اما البيطار فلا صفة له وغير صالح لاستكمال المهمة التي كفّت يده عنها، فكيف يقف امام المرآة ويتخذ قراراً مع نفسه؟؟؟ وليعلم كل من تم تضليله ان البيطار لا يحق له العودة الى الملف ومزاولة عمله الذي تركه منذ سنة وثلاثة اشهر الا بعد البَت بكل المراجعات بقرار من الهيئة العامة ومحاكم التمييز، وطالما لم يصدر عنها شيء فتبقى في القانون يده مكفوفة»…

وختم عويدات: «المحقق القضائي هذا يحتاج الان الى محقق قضائي في تجاوزاته وهذه مهمة الرئيس الاول لمحكمة التمييز رئيس مجلس القضاء الاعلى، واتمنى ان لا يتأخر في المعالجة».

وكان عويدات قد اصدر امس قراراً طلب فيه «عدم تسلّم أي قرار او تكليف او تبليغ او استنابة او كتاب او إحالة او مذكرة مراسلة او أي مستند من اي نوع صادر عن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، لكونه مكفوف اليد وغير ذي صفة». وكلّف قسم المباحث الجنائية المركزية «ضبط ما ورد ذكره اعلاه في حال وروده الينا وتنظيم محضر بذلك وفقا للاصول ومخابرتنا لإجراء المقتضى القانوني».

كذلك أودع عويدات، رئيس هيئة التفتيش القضائي نسخة من الملف المتعلق بالادعاء الصادر عنه في حق القاضي البيطار، وطلب الاطلاع عليه «واتخاذ ما ترونه مناسبا».

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o