11:46 AM
خاص

"المتوقع" و"المستبعد" و"المحظور" ما لم يأت رد "الممانعة" دون "الحرب الشاملة"!؟

طوني جبران

المركزية - كما فعلت تل ابيب عندما اغتالت كلا من فؤاد شكر واسماعيل هنية في الضاحية الجنوبية وطهران ليل الثلاثاء – الأربعاء الماضي وما قبلهما من عمليات نوعية، فهي لم تبلغ أحدا حتى أقرب الحلفاء إليها قبل الإعلان عن حصيلتها بقليل. ولذلك لن يفعل محور الممانعة العكس، ولكن ما خلا قدرته على الاحتفاظ بساعة الصفر على دقتها، لن تكون هناك قدرة على حمايتها حتى مراحلها الاخيرة فتسقط معها  وقائع ومواعيد سرية. فالمسافات التي على الصواريخ والمسيرات أن تقطعها من مصادرها البعيدة الى اهدافها تفضح نفسها بنفسها ولا قدرة على اخفائها.

على هذه المعادلة البسيطة التي لا تخضع لأي نقاش ، بنت مراجع سياسية وديبلوماسية عبر "المركزية" مجموعة من التوقعات التي تتناول السيناريوهات المحتملة التي يمكن اعتمادها في الرد على العدوان الاسرائيلي  وما تفرضه من قواعد لا بد منها. فالقدرات التي في حوزة الجيش الإسرائيلي مفقودة لدى الجانب الآخر الى درجة يغيب فيها الحديث عما يسمونه "توازن الرعب" في موازين القوى المختلة في جوانب متعددة. فالشعارات المتداولة لم ولن تقنع سوى اقطاب هذا المحور وجمهوره على امتداداته الواسعة ومعهم بعض الحلفاء. والقدرات بمعاييرها العسكرية والتقنية والتجسسية التي عبرت عنها العمليات الاسرائيلية  العابرة للدول  باتت واضحة في حجمها ونوعيتها وما يمكن ان تؤدي اليه في وقت لا يعاني منها العدو الاسرائيلي سوى ما تسببت به من شرخ في المجتمع الاسرائيلي وجبهته الداخلية دون المس بالقدرات البشرية والعسكرية. ليبقى اي رد مواز ومحتمل اقل بقليل مما انتهت إليه حملة الاغتيالات والغارات المدمرة القريبة المدى  في قلب قطاع غزة والبعيدة منها التي شملت مساحات واسعة امتدت الى ساحات المحور  المشتعلة حتى عمقه في ايران واطرافه من اليمن الى لبنان مرورا بقطاع غزة  كما على باقي الساحات وصولا الى العراق وهو ما ترجمته عملية "اليد الطولى" في الحديدة اليمنية.

من هذه الخلفيات بالذات، انطلق الحديث عن السيناريوهات المحتملة للرد الذي تعهد به "محور الممانعة" على خلفية قدراته المتوفرة على قاعدة  "وحدة الساحات" من دون النظر الى ما يمكن أن يكون عليه رد الفعل لدى الحلف الدولي الذي وعد اسرائيل بالدعم في اي مواجهة تتجاوز قدراتها الذاتية وخصوصا ان استخدمت مرة أخرى الصواريخ البالستية العابرة لآلاف الكيلومترات ومعها الطائرات المسيرة مهما كان عددها. وكل ذلك يجري على الرغم من مجموعة الانتقادات الشديدة اللهجة  التي وجهت الى رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو وبعض الوزراء المتشددين بعدما امعنوا فتكا بالمدنيين والحجر والبشر، ونصح احدهم باستخدام السلاح النووي طريقا إلى إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن.

وعليه، فان المراجع الديبلوماسية لا ترى في أشكال الرد ما هو غير متوقع ومألوف ما لم يأتِ بما هو غير متوقع. فالاهداف التي تستطيع اسرائيل الوصول اليها لا تشبه أيا من تلك المستهدفة على ساحتها. فلا قدرة حتى اليوم لأي طرف آخر على ان يطال رؤوسا وقادة عسكريين او امنيين أو سياسيين ولا اي من الشخصيات المحصنة في مواقعها والقادرة على التحرك في جبهتها الداخلية بسرية مطلقة لا ترافقها كاميرات الإعلام ولا قدرات تجسسية على مواكبتها لتكون هدفا على لائحة المكشوفين امنيا في اي لحظة.

والى هذه المعطيات، فإن ما هو متداول حتى اليوم في الكواليس وعبر وسائل الإعلام المقربة من قادة المحور ،حديث عن ضربات صاروخية بعيدة المدى اقصرها من لبنان وابعدها من اليمن والعراق وإيران من دون اي اشارة واضحة الى استراتيجية دقيقة عن كيفية ادارة هذه المعركة التي ستكون مكشوفة نظرا لبعد المسافات بين مصادرها واهدافها والتي ستكون في مدار المراقبة الدقيقة. وليست صعبة مواجهتها وتدمير اكثريتها قبل بلوغ اهدافها بالنظر إلى القدرات النارية المخصصة لهذه الغاية.

لذلك، يجمع الخبراء العسكريون على أن ما يكون عليه اكثر ايلاما من العمليات العسكرية بالنسبة إلى إسرائيل سيكون مصدره لبنان وهو ما يتهيبه "حزب الله" قبل غيره. وقد اثبتت التجارب ان المسافات القصيرة الفاصلة عن مصادر النيران  واهدافها لا تسمح بالتعطيل الكامل لها. ولكن ما يحول دون ذلك الحديث عن رد مهما كان مؤلما وصاعقا، يجب الا يؤدي الى "حرب شاملة" ان بقيت الاطراف جميعها ملتزمة بهذه التعهدات التي يتسع الهامش بشأنها ويضيق قياسا على نتائج اي عملية من هذا النوع,. ذلك أن هناك ما يبقى منها - على الرغم من قوته – ما يمكن ان يبقى من ضمن "قواعد الاشتباك" المعترف بها من طرفي الصراع وبخاصة إن طالت هدفا عسكريا او قياديا سياسيا سبق ان وضع على لائحة الاستهداف سواء إن  كان يتشرف بذلك ويتمناه بالنظر الى استعداده للاستشهاد في اي لحظة او العكس.

على هذه القواعد، لا يخف الخبراء العسكريون ان اكبر الاحتمالات الواردة، بالإضافة إلى امكان استهداف مصالح اسرائيلية او مقار ديبلوماسية في العالم قد تفتح نيرانا صديقة او محايدة اضافية على المحور، أن تكون القواعد العسكرية الإسرائيلية التي جاء باحداثياتها مسلسل "الهدهد 1 و2 و3" الهدف الاول من اي رد بعدما "انتهكت حرمتها" وتصدعت الثقة بما يحميها الى درجة غير مسبوقة. ذلك أن استهداف منصات النفط ومنشآتها في البحر والبر ومعها المصانع الكبرى وصولا الى كل ما هو نووي يشكل ايذانا بـ "الحرب العالمية الثالثة" على حقيقتها. فلا تبقى تهديدا مطروحا من وقت لآخر وحديثا عن نذير شؤم على طاولات البحث. وستتحول امرا واقعا يعلم الله موعد بدايتها ولن يستطيع أحد التكهن بنهايتها. ولا بما يمكن أن يرافقها من تداعيات تهدد السلم الدولي، فلا تقتصر التداعيات على الساحات الملتهبة حصرا، وستغير في قواعد السلوك الدولية  التي أرستها اتفاقيات ومعاهدات دولية كبرى ليس اوان المس بها او ان يطالها اي تشكيك بقدرتها على حماية العالم أجمع.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o