Jan 19, 2023 6:36 AM
صحف

لبنان يصارع الفوضى والخارج يحسم: الحل لبناني

من الأخطاء الشائعة على المسرح اللبناني، انّ لبنان مهدّد بتَدحرج وضعه الى الفوضى، ويقترب من أن يُعلَن دولة فاشلة، ذلك أنّ خطأ هذا التوقّع، تؤكّده حقيقة أنّ لبنان هو في قلب الفوضى فعلاً؟!

في موازاة هذا الخطأ تنبري مجموعة الاسئلة التالية: ماذا يعني الاهتراء السياسي؟ وماذا تعني الانقسامات والاصطفافات؟ وماذا يعني صراع الاجندات؟ وماذا يعني إخضاع البلد لطبقة سياسية تحفر في أزمته، وتتشارَك في إعدامه وتحرمه حتى من نسمة هواء يتنفسها؟ وماذا يعني الهروب المتعمّد من التوافق والتلاقي الى ساحات الافتراق والطلاق؟ وماذا تعني عودة التمَوضع خلف مفردات الحرب الاهلية وميليشياتها؟ وماذا يعني استحضار النعرات والغرائز والحساسيات؟ وماذا يعني تعميم الانقسام والكراهية؟ وماذا تعني اعادة رفع المتاريس الطائفية والمذهبية؟ وماذا يعني إطلاق العنان لمنصات التحريض والتجييش؟ وماذا تعني اعادة ترويج منطق التقسيم والتفتيت؟ وماذا يعني التشبيح السياسي والشعبوي؟ وماذا يعني انهيار الاقتصاد؟ وماذا يعني الافلاس؟ وماذا يعني فلتان الدولار؟ وماذا تعني محميّات السوق السوداء؟ وماذا يعني السطو على اموال المودعين؟ وماذا يعني إفقاد اللبنانيين أبسط مقومات حياتهم؟ وماذا يعني تحلّل الدولة بالكامل وتداعي كل قطاعاتها ومؤسساتها واداراتها؟ وماذا يعني فقدان الأمان؟ وماذا يعني الانهيار الاخلاقي؟ وماذا يعني ارتفاع معدلات الجريمة واللصوصيّة؟ وماذا يعني الخوف الذي يُقرأ على وجوه كل الناس؟ أليس المُرادف الوحيد لكل ذلك هو الفوضى؟!

مع هذه الفوضى العارمة، لم تعد ثمة حاجة الى اي تصنيفات، وايّ تصنيفات سلبية او سوداوية آنية او لاحقة، باتت بلا أي معنى، فلبنان بانهياراته السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية و«الفلتانية»، استبَقَ كل التصنيفات، وأصبح بالفعل دولة فاشلة، يُصارع خطراً وجودياً، تذخّره طبقة سياسيّة بأداء يَدّعي الوطنية، وعقل مدمّر يرتدي شعارات مزيفة، فيما هو في جوهره يمارس التضليل والنفاق، ويقامر بلا شفقة ولا رحمة بِحاضر اللبنانيين ومستقبلهم، ويمنع قيامة وطن مهدّد.

لبنان في نظر العالم يزحل من مكانه على خريطة الدول، وكلّ المستويات الدوليّة الشقيقة والصديقة باتت تنظر بعين الرأفة إلى هذا البلد، والشفقة على اللبنانيين، وسئمت من طبقة سياسية أطاحت فُرص النجاة للبنان، وكل النصائح والتمنيات والتوسّلات لاعتماد السبيل المؤدي الى استعادة دولة باتت غير موجودة. ومثل هذا الكلام، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، ورد على لسان سفراء دول كبرى صديقة للبنان، في لقاء جمعهم قبل ايام قليلة، مع مجموعة من الشخصيات اللبنانية، حيث جاءت مقاربات السفراء أقرب الى النعي الكلّي للواقع اللبناني.

أخطر ما قاله السفراء، وفق المعلومات الموثوقة، هو «انّ لبنان يتعرّض للتدمير الذاتي، والمسار الذي يسلكه السياسيون بصراعاتهم المتمادية وزراعة مباعث القلق في الواقع اللبناني، وقفزهم فوق الازمة الحقيقية والتعمية على أسبابها ونتائجها، وهروبهم الدائم من توفير العلاجات الجذرية والفورية التي تتطلبها، سيؤدي حتماً الى التدمير الكلّي، وخلال فترة، ندرك كما ينبغي ان يدرك اللبنانيون بأنها لم تعد بعيدة، تِبعاً لما يشهده لبنان من تطورات وتداعيات سلبية خطيرة في المجالين السياسي والاقتصادي».

وبحسب السفراء فإنّ «انتخاب رئيس للجمهورية أمر يجب ان يبادر اليه اللبنانيون فوراً ومن دون إبطاء، على اعتبار انه يشكل مدخلاً لإعادة انتظام الواقع السياسي والحكومي في لبنان، ولكن المؤسف انّ هذا الامر مضيّع في التجاذبات الداخلية. والمؤسف اكثر عدم استجابة السياسيين لدعوات المجتمع الدولي الى تنحية مصالحهم، والتوافق فيما بينهم على انتخاب رئيس جديد للبنان، ونعترف اننا بتنا لا نفهم هذا السلوك المناقِض لمصلحة لبنان، وهو سلوك مُستنكر من قبل كل من يريدون للبنان ان يغادر أزمته». وحذّروا من «أن ما نشهده من تعقيدات وتوترات سياسية يجعلنا نخشى من انزلاق الامور في لبنان الى وقائع اكثر دراماتيكية وخطورة، قد لا يكون في إمكان بلدكم ان يتحمّلها».

ويلفت السفراء الى انّ الازمة الاقتصادية والمالية في لبنان عميقة جداً، وعلاجها ممكن عبر المسار الذي حدّدته المراجع والمؤسسات الدولية، والاساس فيه تشكيل حكومة جديدة تُباشر في اتخاذ إجراءات إصلاحية واسعة وجذرية في مختلف قطاعات الدولة، وعلى نحوٍ يمنع انزلاق الازمة الى مَهاوٍ شديدة الخطورة، وهذا الامر حذّرنا منه في بدايات الازمة، وقلنا للبنانيين: وضعكم صعب وماليتكم على وشك ان تهترىء، فإن لم تعجّلوا بالاستفادة من الوقت المُتاح أمامكم، وتبادروا الى مساعدة أنفسكم، فقد تصلون الى وقت لن تجدوا فيه من هو مستعد لمساعدتكم، لا بل قد لا تجدون أحداً يعيركم اهتمامه. وها أنتم وصلتم الى ما حذّرناكم منه، فلم تعودوا تملكون لا المال، ولا الوقت».

وعَكسَ السفراء انّ تعاطي السياسيين في لبنان مع مبادرات ونصائح المجتمع الدولي وتحذيرات المؤسسات المالية الدولية، أخرجَ لبنان من دائرة أولويات الدول واهتماماتها. وباتت الاولويات والاهتمامات في مجالات واماكن اخرى. وصارَحَ سفير دولة كبرى الحاضرين قائلاً ما مفاده: آسف أن ابلغكم بأنّ اهتمام ادارتنا ببلدكم بات في حدوده الدنيا، والسبب طبيعي هو انكم لا تهتمون ببلدكم ولا تتحملون مسؤولياتكم تجاهه، حتى انّ تقاريرنا التي نرسلها الى ادارتنا حول الوضع في لبنان باتت لا تجد من يعيرها اهتماماً».

وأكد السفير عينه «انّه لا توجد اي مبادرات جاهزة تجاه لبنان، كما انه لا يوجد في اجندة الدول الكبرى الصديقة للبنان اي توجّه ضاغط لإنجاز الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية»، بل انه عَكسَ ما يفيد بِتَرك اللبنانيين يتخبطون في أزمتهم حتى يصلوا الى الوقت الذي يقتنعون فيه بأنّ عليهم ان يتحملوا مسؤوليتهم تجاه بلدهم». ونقل السفير عن احد كبار المسؤولين في دولته، قوله رداً على تقرير أرسله السفير الى ادارته: «دعنا نراقب.. اهتماماتنا في مكان آخر». وكرّر السفير ما قاله المسؤول بالانكليزية، وفيه ما حرفيّته: «Let Them Rott In Their Mud». ومفاده بالعربية «دعهم يفسدون في وحولهم».

أما رئاسياً، فيستأنف اليوم العدّاد الرئاسي في إحصاء جلسات الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، مع انعقاد الجلسة العامة للمجلس النيابي التي ستسجّل اليوم الفشل الحادي عشر في انتخاب الرئيس، مع استمرار الدوران في الحلقة المفرغة واجترار ذات الوقائع التي شهدتها الجلسات السابقة، وتكرار اسطوانة ترشيح النائب ميشال معوض، في مواجهة الاوراق البيضاء وترشيحات متفرّقة من جانب نواب يصنّفون أنفسهم بالمُستقلين والتغييريين. على ان تنتهي بتحديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري جلسة انتخابية جديدة الخميس المقبل.

واذا كانت الصورة الداخلية قد ثبتت نهائياً كما يبدو في المربّع التعطيلي لانتخاب الرئيس والمانِع لأيّ فرصة توافق حوله، فإنّ مصادر سياسية مسؤولة اكدت لـ«الجمهورية» انّ هذا الانسداد، وتِبعاً لمواقف كل الاطراف ومزايداتها، سيبقى مفتوحاً الى آجال طويلة، ذلك انّ إرادة التعطيل هي الأقوى حتى الآن. وخصوصا من قبل اطراف سياسية هي الاكثر من معنية بالملف الرئاسي».

وفي إشارة الى ما يُحكى عن اجتماعات خارجية لمقاربة الملف الرئاسي ومواصفات الرئيس الجديد للجمهورية، قالت المصادر: اعتاد بعض اللبنانيين ان يراهنوا على سراب، وها هم يكررون رهانهم على متغيّرات خارجية او تطورات خارجية او مبادرات خارجية، وثمة من ينتظر ما سيُسفر عنه الاجتماع الرباعي الاميركي الفرنسي السعودي القطري في العاصمة الفرنسية. لا شك انّ الخارج يشكّل عاملا مساعدا، لكن الحل الرئاسي مَنشأه لبناني، ورئيس الجمهورية يختاره اللبنانيون، ومواصفاته تتحدد بتوافق اللبنانيين فيما بينهم، وليس باستيراد رئيس أو مواصفات من الخارج».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o