Oct 11, 2022 6:23 AM
مقالات

إتّفاق الترسيم والإستحقاق الرئاسي

فاجأ رفض الحكومة الإسرائيلية ملاحظات لبنان على بنود إتّفاق الترسيم الرؤساء المفاوضين الذين ناموا على حرير إنجاز الإتّفاق ويقين إقتناع اللبنانيين بقدراتهم على تحقيق المصلحة العليا للبنان. أثارت الملاحظات اللبنانية حفيظة الوسيط الأميركي قبل الحكومة الإسرائيلية، وربما جاءت ردة الفعل الإسرائيلية ترجمةً لذلك وبطلب أميركي. فالملاحظات التي أبداها لبنان لم تكن جذرية وقد حاول من خلالها تحاشي أي تفسير خاطئ لنص الإتّفاق وتجنب أي غموض أو إزدواجية قد تعتري التنفيذ. ما لم يقدّره الفريق الرئاسي المفاوض أنّ مسوّدة الإتّفاق هي تعبير عن ميزان القوى الراهن بين المتفاوضين وإنّ ما كتب على الورق هو ترجمة للرؤية الأميركية وإنّ تحويل الملاحظات الى مادة إعلامية يندرج في خانة التشكيك المعلن بالنوايا الأميركية ووضع الشروط وهو ما لا تقبله قوة عظمى كالولايات المتّحدة وما لا يفقهه الفريق الرئاسي المفاوض الطري العود في إدارة المفاوضات.

الرد الذي تلقاه لبنان من الوسيط الأميركي بإقفال باب النقاش حول العرض الأميركي لترسيم الحدود والتوجّه لتقديم صيغة نهائية للإتّفاق، إنما يعكس العزم الأميركي على الخروج من المراوحة وإلزام إسرائيل ولبنان ومن خلفه حزب الله بقبول ما سيعرض عليهم. وما نأي حزب الله عن التعليق على الرد الإسرائيلي من جهة وتصريحات وزير الدفاع «بيني غانتس» من جهة أخرى برفض الملاحظات اللبنانية وبأنّ إسرائيل ستمضي قدماً في خطط استخراج الغاز من حقل كاريش «حتى بدون اتّفاق» مع لبنان وتهديده برد «حازم» على أي هجوم لحزب الله، في حالة عدم  التوصل لإتّفاق، سوى إعلان الوقوف على عتبة مرحلة جديدة ستؤول الى السير بالإتّفاق على أن تتم معالجة الشوائب على عاتق الراعي الأميركي في حينه. ويمكن إدراج ما أعلنته شركة «إنرجيان»، أنّ عملية الضخ التجريبي العكسي من الشاطئ إلى منصة «كاريش»، هي لاختبار جاهزية منظومة التوصيل البحرية وأنّ «إسرائيل لن تستخرج الغاز من حقل كاريش»، سوى إشهار تل أبيب بإلتزامها بالتقييدات الأميركية والتنصّل من مسؤولية التسبب باندلاع صراع عسكري على الحدود مع لبنان.

الإنضباط الإسرائيلي حيال الإستقرار في شرق المتوسط يقابله إنضباط إيراني في ظلّ تشتت الجهد الأميركي على أكثر من ميدان من المحيط الهادئ المثقل بالأزمات المستجدة بين كوريا الشمالية واليابان مروراً ببحر الصين وأزمة تايوان، وليس انتهاءً بصعوبات توحيد الموقف الأوروبي حيال الصراع في أوكرانيا. تدرك طهران كذلك أنّ رصيدها الأوروبي والأميركي قد تقلص بعد فشل مفاوضات فيينا، وأنّ هامش الحركة الذي كان متاحاً لها قد ضاق كثيراً لا سيما بعد الموقف الصلب الذي اتّخذته دول الخليج العربي من مسألة التجاوب مع طلبات الغرب بتعويضها عن الغاز الروسي، وآخرها قرار أوبك بلاس تخفيض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يومياً.

السؤال البديهي المتبقي بعد مسار التفاوض ـــ الذي لم يؤتِ ثماره كما أشتهى الرئيس عون وحزب الله ـــ وفي ضوء ضيق الأفق أمام طهران، هو متى سيودع هوكشتاين لبنان الصيغة النهائية للإتّفاق ومن سيحدّد تاريخ ومكان إجراءات التوقيع، وبمعنى أدق هل سيتيح التوقيت المرتقب للرئيس عون استثمار الإحتفالية إياها لوقف المسار الإنحداري الحاد، لا سيما بعد أن دخل العهد عشرينيته الأخيرة وسط تشتت الخيارات بين الإستمرار بتعطيل تشكيل الحكومة، وعدم القدرة على توجيه مسار الإنتخابات الرئاسية بما يضمن استمرار قيادة البلاد من الخلف لتعذّر تسويق النائب جبران باسيل، وبين رفض الرضوخ للدستور بقبول إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بحكومة تصريف الأعمال؟.

لقد أصبح التوقيع على الإتّفاق هو الحدث المتبقي الذي يمكن للرئيس عون أن يبني عليه لإلتقاط الأنفاس قبل الإرتطام الكبير في 31 تشرين الأول، وبعد فشل مغامرة التهديد بتفجير الموقف عسكرياً. وفي ضوء انسداد الأفق لاستنساخ رئيس للجمهورية يكرّر تجربة العهد الحالي هل يصبح الفراغ الرئاسي هو الفرصة الوحيدة لعون لقيادة فريقه السياسي من الضفة المقابلة لحكومة تصريف الأعمال، وهل يصبح الرهان على الإنقسام السياسي الحاد هو الفرصة المتاحة أمام فريق الممانعة لتعزيز موقعه في النظام السياسي بالرغم من جسامة المخاطرة التي قد تبلغ حدود الإنتحار؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o