Feb 16, 2022 7:46 AM
صحف

سفير أوكرانيا في لبنان: عواقب مدمّرة لاعتراف بوتين بلوهانسك ودونيتسك والغزو يؤدي إلى حرب عالمية

يستبعد سفير أوكرانيا في بيروت إيهور أوستاش أعمالاً عدائيةً واسعة النطاق ضد أوكرانيا، رغم حشد نحو 140 ألف جندي على حدود بلاده، لافتاً إلى أن أمراً كهذا قد يؤدي إلى إراقة الدماء وسيشكل بداية لحرب عالمية ثالثة.

إلى الأهداف المتعلقة بطموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومنع كييف من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، يرى أوستاش في حديث لـ"النهار العربي" أن عرض العضلات العسكرية على حدود أوكرانيا محاولة  من روسيا لإضفاء الشرعية على احتلالها لشبه جزيرة القرم وضمان مشروع السيل الشمالي 2 (نورد ستريم 2). ويتهم موسكو بانتهاك اتفاق مينسك، ويحذر من "عواقب مدمرة" لدعم من بوتين لقرار مجلس الدوما الاعتراف بـ"جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الشعبيتين". 

وتحدث السفير عن رد فعل "الناتو" وأوروبا وأميركا على التهديدات الروسية، وتطرق إلى صيغة النورماندي لحل سياسي للأزمة، فضلاً عن الجالية اللبنانية في أوكرانيا. وهنا نص الحديث

كثرت التقارير عن 16 شباط موعداً لغزو روسي لأوكرانيا. هل  تبدأ الحرب في أوكرانيا اليوم؟

تتصدر أحداث أوكرانيا الأخبار في وسائل الاعلام العالمية. ففي الواقع، يرابط اليوم حوالي 140  ألف جندي روسي  قرب الحدود الأوكرانية. وليس فقط من جانب روسيا، وإنما أيضًا على أراضي بيلاروسيا وأراضي شبه جزيرة القرم المحتلة، وكذلك في البحر الأسود وبحر آزوف.

من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل أنّ أعمالاً عدائيةً واسعة نطاق يمكن أن تبدأ، فهذا قد يؤدي إلى إراقة الدماء بشكل كبير بل سيشكل بداية لحرب عالمية ثالثة.

يستعد الجيش الأوكراني اليوم لصد الغزو الروسي بشكل حاسم. مقارنة عام 2014، عندما احتل الروس شبه جزيرة القرم وبدأوا الحرب في دونباس. مذذاك، صار الجيش الأوكراني أقوى بكثير.

اليوم، لا يحمي الجيش الأوكراني أمن أوكرانيا فحسب، بل يحمي في الواقع أمن أوروبا بأكملها. لكنني أريد أن أؤكد أنّ أوكرانيا كانت دائمًا دولة مسالمة، لذا فهي لن تشن هجمات مسلحة على شبه جزيرة القرم ودونباس. ونحن نبذل قصارى جهدنا لاستعادة الأراضي الأوكرانية بالطرق السلمية، وخصوصاً، من خلال إنشاء منصة القرم لحل المشاكل مع شبه جزيرة القرم المحتلة. من ناحية أخرى، أنا مقتنع أيضًا بأن الشعب الروسي، مثل الشعوب الأخرى، لا يريد الحرب، لكن للأسف في هذه المرحلة لا أحد يهتم برأي الشعب الروسي.

أما بالنسبة لتاريخ 16 شباط، فقد أعلن رئيس أوكرانيا رسميًا هذا اليوم يوماً للوحدة الأوكرانية، وبالتالي في هذا اليوم سوف يخرج الأوكرانيون إلى الشوارع حاملين الأعلام الوطنية للتعبير عن وحدتهم. كما ندعو جميع أصدقائنا والسياسيين والنواب والدبلوماسيين للتعبير عن تضامنهم مع الأوكرانيين من خلال حضورهم الى أوكرانيا.

تتهم روسيا أوكرانيا بعدم الامتثال لاتفاقيات مينسك. فما هي المشكلة هنا؟

تم توقيع اتفاقيات مينسك خلال معارك 2015. تحتوي اتفاقيات مينسك على 13 نقطة، معظمها لا يثير أي تحفظات من أي طرف. القضية الأكثر إثارة للجدل هي الوضع القانوني لمناطق محافظتي دونيتسك ولوهانسك واجراء الانتخابات فيها . تصر روسيا في المقام الأول على حل قضية الوضع الخاص لهذه المناطق وعلى إجراء الانتخابات. أما أوكرانيا، فبالطبع، تصر على حل القضايا الأمنية أولاً، على سبيل المثال انسحاب القوات الروسية من دونباس، وتمكين أوكرانيا من السيطرة الكاملة على حدودها مع روسيا.

لذلك، في الاجتماعات الأخيرة في باريس وبرلين، كان الهدف الرئيسي للروس محاولتهم جمع أوكرانيا مع ما يسمى بممثلي منطقتي دونيتسك ولوهانسك على طاولة المفاوضات، وهذا ما صرح به ممثل روسيا كوزاك. لماذا تصر روسيا على هذا الموضوع؟ لأنها تريد أن تفعل كل ما في وسعها حتى لا يتم اعتبارها أحد أطراف هذه الحرب، وانما تريد أن تقدم نفسها كوسيط صانع سلام. لكن على الرغم من العبارة الروسية المعروفة "لسنا موجودين هناك"، فإن العالم كله يدرك أن روسيا طرف في هذا الصراع. ففي وقت سابق، حدث الشيء نفسه في القرم، عندما أُطلق على الجنود الروس الموجودين هناك والذين مزقوا شارات الجيش الروسي لكي لا يعرفوا ، لقب "الرجال الخضر". لكن الشيء الأكثر أهمية الآن في الموقف مع اتفاقيات مينسك هو حقيقة أن روسيا، وفي انتهاك واضح لتلك الاتفاقيات، أصدرت بالفعل أكثر من 600 ألف  جواز سفر روسي لمواطنين أوكرانيين في دونباس. إلى ذلك، بعد توقيع اتفاقيات مينسك، تم نقل خط الترسيم بشكل كبير إلى عمق الأراضي الأوكرانية.  إلى ذلك، يفكر مجلس الدوما الروسي في الاعتراف باستقلال ما يسمى بـجمهوريتي دونيتسك الشعبية ولوهانسك الشعبية، مما قد يجعل من المستحيل تقريبًا تنفيذ اتفاقيات مينسك.

ما التبعات القانونية والسياسية المحتملة لموافقة الرئيس الروسي على طلب الدوما الاعتراف بـ"جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين"؟

موقف أوكرانيا لا يزال نفسه وهو أن اعتراف روسيا بما يسمى "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" يعادل انسحاباً متعمداً من اتفاقات مينسك.  ومن شأن خطوة كهذه أن تشكل ضربة خطيرة للتسوية الديبلوماسية-السياسية التي انخرطت فيها أوكرانيا وحلفاءها.

ولن يكون للاعتراف بما يسمى "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" أية آثار قانونية. ولن تنجح روسيا في تقديم الادارة الروسية للاحتلال في منطقتي لوهانسك ودونيتسك على أنهما كيانان مستقلان، ولا إخفاء تورطها كطرف في النزاع المسلح في الدونباس.

ولكن إذا دعم الرئيس الروسي قرار مجلس الدوما، فسيكون لذلك عواقب مدمرة أوسع نطاقاً على سيادة القانون الدولي وهيكل الأمن العالمي. 

لذلك، تبدو روسيا أمام خيارين، البدء في خفض التصعيد والحوار الدبلوماسي أو مواجهة رد موحد وحاسم من المجتمع الدولي.

ندعو موسكو إلى اتخاذ موقف بناء تجاه تحقيق تقدم في إطار صيغ المفاوضات الحالية. وإلا ستتحمل كامل المسؤولية عن إفساد اتفاقيات مينسك وعملية التسوية السلمية للنزاع المسلح.

ما الذي تحاول روسيا فعله اليوم؟

لقد أوضحت روسيا مطالبها في رسالة إلى الولايات المتحدة، والتي لا تدعو فقط إلى عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، ولكن أيضًا للعودة إلى ما كان الوضع عليه في العام 1997، أي العودة الى تاريخ انضمام بولندا ورومانيا وبلغاريا وإستونيا إلى الناتو. أي أنه يهدد أمن تلك الدول أيضًا.

في العام 1975، تم التوقيع على الوثيقة الختامية لمؤتمر هلسنكي، والتي نصت على احترام السلامة الإقليمية للدول المشاركة في هذه العملية، وكذلك الاحترام الصارم لحقوق الإنسان والتعاون الاقتصادي المفتوح. من خلال أفعالها، تنتهك روسيا القواعد الأساسية للقانون الدولي والأشكال الأساسية للتعاون التي يقوم عليها الأمن العالمي.

أوكرانيا بلد حر وديموقراطي، حيث قمنا على مدار الثلاثين عامًا الماضية بإعادة انتخاب 6 رؤساء، لكن روسيا تشكك في حق أوكرانيا السيادي في اختيار طريقها، وهو أمر منصوص عليه بوضوح في دستور أوكرانيا، الذي يحدد أولويات السياسة الخارجية مثل الاندماج في الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى الناتو. ولا يحق لأحد أن يملي علينا إرادته أو يفرضها علينا.

الهدف الآخر لروسيا هو زعزعة استقرار  في أوكرانيا بحربها الهجينة والمعلوماتية ومحاولة تغيير القيادة السياسية لدولتنا.

كيف تقيّم أوكرانيا رد فعل الولايات المتحدة ودول الناتو على مطالب روسيا؟

من المثير للاهتمام أن إجابات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشمل  مطالب مضادة من روسيا. فشركاؤنا في مفاوضات الضمانات الأمنية يضعون شرطاً، فهم يطالبون روسيا بسحب قواتها من مولدوفا ومن جورجيا، والأهم من ذلك، من أراضي شبه جزيرة القرم المحتلة.

ويعتبر ذكر شبه جزيرة القرم في هذه الحالة ذا قيمة خاصة بالنسبة لنا لأنه يعود إلى مجموعة القضايا المتعلقة بأوكرانيا، بما في ذلك قضية عودة شبه الجزيرة. رغم كل شيء، نحن نفهم جيدًا أن الهدف الخفي لعرض العضلات العسكرية على حدود أوكرانيا هو أيضًا محاولة من روسيا لإضفاء الشرعية على احتلالها لشبه جزيرة القرم وضمان موضوع السيل الشمالي 2 (نورد ستريم 2).

لكن هناك مشكلة خطيرة واحدة بالنسبة لأوكرانيا. يَعِدُ شركاؤنا، الولايات المتحدة وأوروبا، بفرض جميع العقوبات الممكنة، بما في ذلك العقوبات على السيل الشمالي 2، في حال قيام روسيا بغزو أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تبرز حقيقة أننا كنا في حالة حرب مع روسيا لما يقرب من 8 سنوات. وخلال ذلك الوقت، فقدنا حوالي 15000 أوكراني، من العسكريين والمدنيين على حد سواء، ولدينا ما يقرب من مليوني لاجئ داخلي، أي ما يقارب   عدد اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين يستقبلهم لبنان على أراضيه.

في العديد من دول الشرق الأوسط، يرى الخبراء أن الصراع الأوكراني الروسي هو نتيجة مواجهة روسية أميركية، ويقارنون الوضع بسوريا، على سبيل المثال. ما رأيك؟

أنا لا أتفق مع وجهة النظر هذه، لأنه أولاً وقبل كل شيء، ترتبط هذه المشكلة بالعلاقات التاريخية بين أوكرانيا وروسيا، وهناك العديد من الأمثلة في التاريخ الأوكراني عندما قاتلنا روسيا من أجل استقلالنا. فعلى سبيل المثال، في العام 1709، حاول الزعيم الأوكراني إيفان مازيبا بالتحالف مع الملك السويدي تشارلز الثاني عشر ضد القيصر الروسي بيتر الأول، الحصول على استقلال الدولة. ولسوء الحظ، انتهى هذا الأمر بنا الى الوقوع تحت الحكم الروسي لمدة 300 سنة.  المثال الأخير كان في أوائل القرن العشرين، عندما أعلنت الجمهورية الشعبية الأوكرانية في العام 1918، لكن بعد سنوات قليلة فقدنا استقلالنا بسبب هجوم جارتنا، وقتها كانت روسيا الشيوعية. لكن بعد 70 عامًا، وتحديداً في العام 1991، أعدنا بناء دولتنا.

علاوة على ذلك، حدث وضع مماثل في العام 2014 عندما حاول رئيس أوكرانيا الدمية الموالي لروسيا رفض التوقيع على اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وحاولت روسيا شراء تخلي أوكرانيا عن الخيار الأوروبي من خلال تقديمها ما يسمى بقرض بقيمة 3 ملايين دولار ليانوكوفيتش. وانتهى ذلك بالثورة الأوكرانية الثانية، التي نسميها ثورة الكرامة، عندما خرج ملايين الأوكرانيين إلى ساحة ميدان الاستقلال وقدموا  مئات الضحايا في سبيل الدفاع عن حقنا في اختيار مصيرنا. الآن نرى المحاولة نفسها، لكنني متأكد من أن أوكرانيا لن تتخلى أبدًا عن حرية الاختيار وستناضل من أجلها حتى النهاية.

نقطة أخرى مهمة في المواجهة مع روسيا هي أنه بالإضافة إلى الولايات المتحدة، فإن شريكنا الرئيسي هو الاتحاد الأوروبي، حيث أن أوكرانيا جزء مهم من البعد الأمني لأوروبا. ولهذا نرى في صيغة نورماندي أن الوسيط الرئيسي في تسوية النزاع الروسي الأوكراني في دونباس، هو ألمانيا وفرنسا، وليس الولايات المتحدة. ونرى كيف زار قادة ألمانيا وفرنسا الأسبوع الماضي كييف وموسكو بحثًا عن حل دبلوماسي للوضع. خلال زيارته لأوكرانيا، أكد المستشار الألماني مجددًا حقيقة أن سياسة الباب المفتوح في حلف شمال الأطلسي مهمة للغاية للدول الأعضاء في الناتو ولا يمكن تغييرها.

+هل أنتم على تواصل مع الجالية اللبنانية في أوكرانيا؟

يتصل بي اللبنانيون المقيمون في أوكرانيا كل يوم، قلقين من إمكانية بدء الأعمال العدائية في أوكرانيا، بما في ذلك طلاب الجامعات الأوكرانية. بالطبع، أحاول تهدئتهم ودعمهم قدر الإمكان. كما نطلب من إدارات الجامعات الأوكرانية إيلاء أقصى قدر من الاهتمام للطلاب الأجانب وتقديم كل الدعم اللازم. هناك أيضًا طلب وزارة الخارجية اللبنانية الى جميع المواطنين اللبنانيين التواصل مع السفارة اللبنانية في أوكرانيا، وكذلك الامتناع عن السفر إلى أوكرانيا. لكن أود بشكل خاص أن أشكر المواطنين اللبنانيين والسوريين الذين يعربون عن دعمهم لأوكرانيا كل يوم، وحتى بعضهم مستعد للذهاب إلى أوكرانيا للانخراط في الدفاع عن بلدنا، وخاصة الأطباء. ومع ذلك، نعتقد أننا سنكون قادرين على صد العدو.

حالياً، يقوم الأوكرانيون بإنشاء نظام دفاع إقليمي في كل مدينة، وكان من أوائل الذين تم تسجيلهم في كييف بطل العالم للوزن الثقيل فولوديمير كليتشكو.

المصدر - النهار العربي

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o