Aug 28, 2021 11:42 AM
مقالات

" ليس الوقت للاضراب "

كتب نقيب المحامين السابف نهاد جبر:

" مع الاعتراف بالحق المشروع لكل فئة من فئات المجتمع باعلان الاضراب والتوقف عن العمل كوسيلة تهدف الى الضغط على المسؤولين لتأمين الوصول الى غاية معينة.

ومع تقديرنا للغايات التي هدفت اليها النقابات مؤخراً من خلال سلوكها واختيارها هذا المنحى، وهي غايات لا يشك احداً في أحقيتها،

فان الوقت الحالي تحديداً ليس بالوقت المناسب للجوء الى هذه الوسيلة في التعبير عن استياء او في المطالبة بحقوق،

فمن المعلوم ان الحركة الاضرابية اياً تكن اهدافها، ومهما تحقّق من نتائج مُرضيه للقيّمين عليها، فانها بلا ريب تترك بصمات وقعُها السلبي على الاقتصاد العام للبلاد في ظل اوضاع طبيعية، فكيف الحال اذاً في بلد كاد أن يحتضر كلبنان حيث ما زالت الظروف المصيرية التي يعيشها والتي يتأثّر بسببها، بأي حدث خارجي أو داخلي، سياسي أو اقتصادي أو أمني،

ان عودة سريعة الى العقل ومراجعة للنفس بدون أي تأثيرات أو ايحاءات سوف تفرض على النقابيين المسؤولين عن الاضرابات، التعالي عن المطالب والمساهمة في عملية انقاذ الوطن واعادة الروح اليه وتأجيل البحث في توجّب او عدم توجّب أية حقوق الى حين معافاة لبنان كلياً وانجاز خطوات هامة تتّصل بصميم الحياة اللبنانية على مختلف الصعد، وأكبر مساهمة من النقابات على اختلافها نجد انها تتمثّل في تقديم المصلحة العامة للبلاد على مصالح فئوية او قطاعية تبعاً للأولويات التي تفرضها المرحلة الحاضرة.

ان دعوتنا الى التعقّل والايجابية لا تقتضي بالضرورة إغفال الحقوق التي يطالب بها المضربون أو هدر هذه الحقوق او إِنقاصها، بل على النقيض من ذاك تماماً، فالحقوق هذه مقدّسة لا يجوز لأي كان التنكّر لها او الاستخفاف بها، ولكن الوقت الآن للعمل الجاد والايجابي في مختلف الحقول في بلد يمرّ في مرحلة الاجهاض، مع ما يستتّبع ذلك من مسؤوليات جسام نربأ بالقطاعات النقابية ان تتحمّلها في هذه الحقبة من حياة الوطن. "

- مقتطفات من مقالة للمحامي سليم احمد الطيّارة نشرت في جريدة اللواء في عددها الصادر في 9/5/1991 -

قصدتُ إِعادة نشر هذا المقال الذي يعود تاريخه لأكثر من ثلاثين عاماً، وكأن مضمونه، على العموم، يتطابق مع ما نشهده اليوم في لبنان.

أمّا بالنسبة لإضراب المحامين، وقد مضى عليه نحو سبعين يوماً، وكأنّه في يومه الأوّل، لم يعطِ أي مفعول أو مردود ايجابي لأية غاية منه، وقد تخلّلته استثناءات وتقديم معاملات وتسجيل دعاوى، إن مباشرة من محامين، وهذا من حقهم، وإن بصورة غير مباشرة من أصحاب العلاقة أو معقّبي المعاملات او موظفين لا يطالهم الاضراب، بحيث ان الاضراب شلّ فقط جلسات المحاكمة وأدّى الى تأجيلها لفترة طويلة.

والحال إنّ قرار هذا الاضراب اتخذه مجلس النقابة، في حين ان مثل هذا القرار كان يقتضي طرحه على الجمعية العمومية غير العادية للمحامين، وهي المرجع الاعلى التي يعود لها إما الموافقة عليه أو عدمها، وهو الاجراء الذي كان معمولاً به في السابق بالنسبة لمثل هذه القرارات منذ سنة 1933.

اما المراوحة كما هي حالياً، فتُضاعف من مسؤوليات المحامين تجاه موكيلهم، فضلاً عن الخسائر التي لحقت وتلحق بهم في ظروف صعبة يمرّون بها كما الوطن على كل الأصعدة، جرّاء هذا الاضراب الذي عطّل سير المحاكمات بفعل تغيّب المحامين عن حضور جلسات المحاكمة، او المثول مع موكيلهم ومنهم من بات يمثل دونهم، وأرهق حقوق الناس وحال دون إداء المحامين لمهماتهم.

وبالمقابل،

إنني لا أنكر ان علاقة بعض المحامين مع عدد من القضاة تشوبها تدهور يقتضي تصحيحه،

انما،

وازاء عدم التنكّر لبعض العلاقات المتردّية التي حصلت مع بعض المحامين وبعض القضاة،

وازاء فشل المبادرات الطيّبة التي قام بها العديد من أصحب النوايا الحسنة، ومنهم وزيرة العدل،

وازاء انقسام آراء المحامين بين داعم للاضراب ومنتقد له على انه حق وليس واجب،

أرى، من واقع المسؤولية، ان الحلّ لهذه المشكلة، التي هي تصحيح العلاقة بين نقابة المحامين ومجلس القضاء الاعلى محكومة بالتأجيل الى حين اكتمال عقد مجلس القضاء الاعلى بكامل اعضائه، والى حين معافاة لبنان ونهوضه من المحن التي طالته كياناً وشعباً ومؤسسات، الأمر الذي يستدعي والحال ما هي، انعقاد مجلس النقابة، الذي بيده الحلّ، لمراجعة سلبيات قرار الاضراب التي تفوق ايجابياته، وبالتالي الرجوع عن قرار الاضراب او على الأقل تعليقه، خاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها لبنان.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o