Aug 28, 2021 9:55 AM
مقالات

الثورة عندما تتركنا وحيدين

كتب أديب ابي عقل

المركزية- لا يبدو في الأفق ما يشير إلى إرادة لدى المسؤولين لإخراج البلاد من الهوة السحيقة التي وضعتها فيها ممارساتهم اللامسؤولة، ولا ما يشي بأن اللبنانيين على طريق فكّ أسرهم من مشوار البؤس الطويل الذي يعيشونه، بفعل أداء هذه الطبقة الحاكمة، التي بات المجتمع الدولي برمّته يشير إليها صراحةً، ويحمّلها مسؤولية الأوضاع التي وصل إليها وطن الأرز في الداخل والعزلة العربية والدولية غير المسبوقة في تاريخه القديم والحديث.

ولا حاجة إلى تكرار المواضيع وتسمية القطاعات التي تمّ ويتمّ إسقاطها الواحد تلو الآخر، وكلّها بلا استثناء، تفتك بالحياة اليومية للشعب اللبناني الصابر، والذي لم يعد يستطيع الصمود بفعل فقدان المقوّمات الأساسية التي تؤمّن صمود الشعوب عادةً، فضلاً عن أن الحركات الاعتراضية المعارضة والمعترضة، والرافضة أداء المسؤولين، أصبحت هي الأخرى "موسمية" أو "على القطعة"، وكأنّ منطق الطوابير فرض نفسه عليها أيضاً.

وباستثناء تحرّك أهالي ضحايا وجرحى مجزرة المرفأ، ومحاولات السياسيين المستدعين للمثول امام القضاء، تطويق خطوات المحقق العدلي وقراراته، بهدف الافلات من سيف العدالة، الذي سيبقى مسلّطاً بفعل إصرار القاضي البيطار على قراراته، والدعم الذي يلقاه من الأهالي أساساً ومن غالبية اللبنانيين تالياً، تبدو مكوّنات ثورة ١٧ تشرين شبه غائبة عن الصورة والحركة، على رغم  مواقف تصدر عن قادة من فصائلها، وتحركات متنقلة يقوم بها بعض الثوار تنتهي بشغب نتيجة اختراق السلطة لها، بهدف منه تشويه الصورة النقية والوطنية لهذه الثورة في يوم انطلاقها.

وإذ نستذكر موضوع فرض ضريبة بضع سنتات على خدمة خلوية، ألهبت الشوارع والساحات في مشهد وطني تضامني رائع، نفتقد اليوم هذه الصورة حيال مواضيع أكثر ضراوة وشراسة وقساوة في حق اللبنانيين، الذين يبدون مستسلمين لمشيئة من في يدهم السلطة والقرار، وعدم الضغط لمعاقبة من يحجب عنهم الماء والدواء والغذاء والمحروقات، المدعومة من أموالهم وتعبهم، تخزيناً وتهريباً إلى خارج الحدود، وهم معروفون بالصوت والصورة، بهدف جني الأرباح الطائلة على حساب حياة الأطفال وصحة المواطنين وعيش أبناء المجتمع بكرامة.

أين الثورة من موضوع المحروقات بكل تفاصيله ومعطياته وطوابير الذل؟

أين الثورة من قضية الدواء واحتكاره وتخزينه؟

أين الثورة من إخفاء حليب الأطفال في المستودعات؟

أين الثورة من تخزين المواد الغذائية في الأقبية تحت الأرض؟

أين الثورة من تكديس الأدوية وخصوصاً أدوية السرطان والأمراض المزمنة والمستلزمات الطبية وحرمان المحتاجين إليها منها؟

أين الثورة من عدم تسليم أبراج الاتصالات الخلوية المازوت لتأمين استمرار خدمات التواصل الاجتماعي ومنع انقطاع لبنان وأهله عن العالم؟

أين الثورة من عدم وجود أوراق طباعة إخراجات قيد للّبنانيين في السرايات والدوائر الحكومية؟

أين الثورة من مسألة عدم تأمين المازوت للمستشفيات وكذلك لأصحاب المولّدات الذين بدأوا تطبيق نظام تقنين قاسٍ على غرار شركة الكهرباء. تصوّروا أن هذا الأمر أصبح مطلباً، في وقت يجب الا يكون هناك مولّدات على الإطلاق بعد أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب؟

أين الثورة من المماطلة، بفعل الخلاف على المحاصصة، في تأليف حكومة، هي مطلب المجتمع الدولي ولا سيما منه الدول المانحة، وخصوصاً تلك التي رصدت مساعدات مالية للشعب اللبناني، وتنتظر، لا بل تطلب، تأليف حكومة تبدأ الإصلاحات؟

أين الثورة لقطع الطريق على تأليف حكومة تعيّن الأحزاب أعضاءها، في وقت المطلب الداخلي والخارجي واضح لجهة الإتيان بحكومة اختصاصيين "غير حزبيين"، كع العلم أن قادة الأحزاب كانوا التزموا هذا التوجه في اجتماع قصر الصنوبر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعادوا وتراجعوا عن هذا الالتزام وطائرته لم تكن غادرت الأجواء اللبنانية بعد؟

أين الثورة حيال القضاء الاستنسابي والعراضات القضائية، وسط صمت مجلس القضاء الأعلى عن ذلك، بعد صمته عن عدم إصدار التشكيلات القضائية التي تؤمّن حسن سير العدالة؟

المطلوب أن تشكّل هذه العناوين التي تقهر اللبنانيين في طوابير الذلّ اليومية، برنامج ثورة تستجمع قواها، وتوحّد صفوفها في مواجهة سلطة جائرة، لا تهتم ولا تبالي بحياة أبنائها، بل تحصر اهتمامها في الحصول على حصص ومواقع ضامنة في الحكومة العتيدة، إذا تألفت، تحسباً لاستحقاقات المرحلة المقبلة النيابية والرئاسية، وهي تركّز على تشويه صورة كل مرشح محتمل، يقطع الطريق على الطامحين الذين ثبت وقوفهم خلف كل المحن والمصائب التي حلّت وتحلّ باللبنانيين، على قاعدة "أنا أو لا أحد".

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o