Aug 13, 2021 3:27 PM
مقالات

دولة توزيع الاتهامات...

كتب أديب أبي عقل

المركزية- لم يعد في القواميس تعابير أو مفردات لتوصيف الواقع المزري للبنان الرسمي والقيادي في مواقفه وقراراته للإطاحة بالشعب اللبناني، وما تبقّى من مقوّمات الاستمرار في مختلف القطاعات التي يتم إسقاطها في سياسة ممنهجة الواحد تلو الآخر، على رغم المحاولات اليائسة للمسؤولين للحفاظ على الحد الأدنى لهذه القطاعات، علّ المرحلة تمرّ ويحلّ الفرج.

فاللبنانيون الذين يستفيقون صباح كل يوم على أزمة جديدة وموقف جديد لأهل المنظومة الحاكمة، يناقض آخر متخذا قبل يوم، باتوا في حيرة من أمرهم – وهم كذلك منذ سنوات- في كيفية التعاطي مع هذه المواقف والقرارات السلطوية التي تمضي في دكّ مقوّمات الدولة وقطاعاتها، خدمة لمصالحهم وتطلّعاتهم وطموحاتهم الشخصية ومنطق الربح والخسارة.

وفي عرض للعناوين التي لم يستطع المسؤولون ايجاد حلول لها، وقد تحوّل كل عنوان منها أزمة في ذاتها، تبدو الصورة واضحة: لبنان دولة فاشلة في إدارة شؤونها الداخلية، ومعزولة إقليميا ودوليا، والعقوبات الدولية تطاول مسؤولين وقيادات، وهناك رزمة جديدة منها يلوّح بها الأميركيون والأوروبيون، والمسؤولون عندنا يتصرّفون وكأنهم غير معنيين بها على الإطلاق.

فالحكومة، بعد ثلاثة أسابيع من تسمية رئيس مكلّف لتأليفها، لا تزال تحت رحمة المطالب والحصص، خصوصا الحقائب الخدماتية، استعدادا لملاقاة متطلبات الانتخابات النيابية المقبلة، لتكرار تصرفات سابقة معروفة من اللبنانيين، من شأنها طرح تساؤلات حيال نزاهة هذا الاستحقاق.

والمجلس النيابي الذي يحاول الالتفاف على القضاء في جريمة تفجير المرفأ، بـ "نقل" هذا الموضوع من يد القضاء إلى لجنة نيابية تحت عنوان وجوب محاكمة الوزراء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أسقط توجّهه هذا أمس تحرك أهالي الضحايا والجرحى، وتجديد المطالبة برفع الحصانات وإعطاء الأذونات ومثول المستدعين  إلى التحقيق، أمام القضاء. فيخرج من لا تثبت مسؤوليته فيها مرفوع الرأس ناصع الجبين. ومن تثبت مسؤوليته عليه تحمّلها وفقا لما يقرره القضاء. ففظاعة الجريمة أكبر بكثير من التمسّك بحصانات، كان يفترض أن يتخلّى عنها أصحابها المستدعون إلى التحقيق إراديا وذاتيا وبدافع من ضميرهم الوطني والانساني، ويمثلوا أمام القضاء.

وملف المحروقات الذي فتح مجددا أمس بعد قرار رفع الدعم عن هذه السلع، المدعومة أصلا من أموال اللبنانيين، فتح كذلك باب المواقف "العنترية" والبهورات الإعلامية ورمي الاتهامات يمينا ويسارا إلى حد التهديد بقرارات وخطوات عملية، في وقت مطلوب من هؤلاء "الأبطال"، وهم أصحاب نفوذ مباشر وغير مباشر في الحكومة والمجلس، اقتراح الحلول والطلب إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية ضبط الحدود ومنع التهريب واعتقال المهرّبين ومن يحميهم، بحيث يستفيد اللبنانيون من السلع المدعومة، ولا تكون الاستفادة خارج الحدود، وأصحاب النفوذ والمحظيون والمقرّبون يحقّقون الأرباح الطائلة من التهريب.

وما ينسحب على المحروقات ينسحب أيضا على المواد الغذائية والقطاع الطبي والاستشفائي بعد إقفال العديد من المختبرات وامتناع عدد من المستشفيات عن استقبال حتى الحالات الطارئة في ظلّ فقدان الأدوية الأساسية، في وقت يتصرّف بعض المسؤولين المعنيين بهذه القطاعات وكأنّ الأزمة ليست بهذا السوء ولا على هذا المستوى من الخطورة على اللبنانيين في صحتهم أولا.

والحقيقة أن بلدا لا يسمع مسؤولوه صراخ أبنائه ولا يشعرون بألمهم ووجعهم لا يستحق أن يكون له أهل سلطة من هذا الصنف.

إن بلدا لا يصغي المسؤولون فيه إلى مطالبة أبنائه بأبسط حقوقهم في الحياة الحرة والكريمة لا يستحق أن يكون له حكام من هذا النوع.

إن بلدا لا يحترم القضاء ويعرقل التحقيق في جريمة ضد الانسانية كجريمة المرفأ لا يستحق أن يكون له مسؤولون من هذه الطينة.

واللائحة التي تداس فيها مطالب الناس وكراماتهم، وتقمع تحرّكاتهم المطلبية المحقّة، ويتكاتف أهل السلطة، على رغم خلافاتهم واختلافاتهم، ويتضامنون لحماية مصالحهم ومواقعهم، طويلة. وهي تشمل كل مفاصل الحياة اليومية والقطاعات التي تتكوّن منها الادارة اللبنانية.

وإذا كان اللبنانيون ينتظرون حلول ساعة الاستحقاق الانتخابي لتحكيم عقولهم والاقتراع للتغيير والتغييريين، ففي إمكانهم، في الفترة الفاصلة عن اليوم الانتخابي، ممارسة الضغط الديموقراطي المنظّم على السلطة لحملها على تغيير أدائها بعدما عاثت في البلاد فسادا تدّعي محاربته، بينما واقع الأمر على عكس ذلك. واللبنانيون يتّجهون إلى التغيير للنهوض من جديد. عسى ألا يكون الأمر بعيدا.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o