Aug 03, 2021 3:27 PM
مقالات

الخطوة الرئاسية يتيمة إلا إذا...

كتب أديب ابي عقل

المركزية- في غمرة استعدادات أهالي ضحايا وجرحى جريمة الرابع من آب، تحضيراً لإحياء الذكرى السنوية الاولى، وفي ظلّ عدم توصل التحقيق العدلي إلى الإمساك بطرف خيط يقود إلى الحقيقة في ليل الجريمة المظلم منذ سنة، جاء استعداد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للإدلاء بشهادته أمام القضاء ليشير إلى أمرين أساسيين في هذه الجريمة.

فعلى الصعيد الإنساني أولاً، لقيت خطوة رئيس البلاد صدىً طيباً ومحموداً، ولو متأخراً عن الوقت الذي كان يُفترض حصولها فيه، لتبلسم الجروح والجراح من غير أن تشفيها بعد, وهذا يدلّ بوضوح إلى أن تأتي العدالة متأخرة خير من أن لا تأتي ابدا. ويبقى الجرح في النفس والغصّة في القلب، على أحبّة غادروا قسراً وظلماً، جرّاء جريمة موصوفة هي حتماً جريمة ضد الانسانية.

وعلى الصعيدين القضائي والعدلي ثانياً، وبعد رفض المستدعين، من مسؤولين حكوميين وأمنيين وإداريين المثول أمام القضاء بذريعة الحصانات من جهة، وعدم إعطاء الأذونات من جهة ثانية، ما زاد ليل التحقيق سواداً، جاء موقف رأس الدولة والمسؤول الأول، ليُسقط كل هذه الحجج بالحصانة والأذونات والاجتهادات "غب الطلب" ويضع هؤلاء المستدعين امام مسؤولياتهم الوطنية وضميرهم الإنساني، لكشف الحقيقة في جريمة أودت بأكثر من مئتي ضحية وآلاف الجرحى ودمَّرت ثلث "ست الدنيا".

ما يطلبه الرئيس لنفسه يسري حكما على الآخرين. فعندما يبدي رأس الدولة، رئيس كل السلطات والمؤسّسات، استعداده للإدلاء بما يعرفه من معلومات وما يملكه من معطيات، قد تكشف التفاصيل التي أدّت إلى هذا التفجير، فعلى الآخرين، من باب أولى، وهم محط شبهة من القضاء، من خلال مسؤولياتهم في مواقعهم، ومستدعون ومدعى عليهم، أن يحذوا حذو الرئيس، ويمثلوا بقرار ذاتي وإرادي امام القضاء، للإدلاء بما يعرفون أيضاً، بحيث يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بما من شأنه أن ينير التحقيق، تمهيداً للتوصّل إلى العدالة التي تريح أرواح الضحايا وتفرج كربة الأهالي. ويثبت المسؤولون بدءاً من رأس الدولة إلى سائر المواطنين، أن لا أحد فوق القانون مهما علا شأنه وسما موقعه على خريطة المسؤولية في لبنان.

غير أن الخطوة الرئاسية قد تبقى يتيمة ومعزولة وصوتاً من غير صدى، اذا لم تستكمل وتقترن بالطلب إلى المحقق العدلي الحضور إلى القصر الجمهوري، لسماع شهادة الرئيس وما لديه في هذا الموضوع، ما يشكّل الضوء الذي ينير طريق التحقيق في هذا النفق المظلم، للتوصل الى الحقيقة، ومعرفة كل التفاصيل والمعطيات المتعلقة لهذه الجريمة، وأهمّها، لا بل بيت القصيد فيها، كشف هوية صاحب النيترات ووجهته بعد مرفأ بيروت، بعدما ثبت بالمراسلات والإفادات الرسمية، أن لا حاجة، وليست مطلوبة، لأي جهاز عسكري أو إدارة مدنية في الدولة اللبنانية إليها. وبخلاف ذلك فان الأمور مرشحة للبقاء في دائرة الغموض والمراوحة قضائياً، وسط تكرار مواقف واجتهادات وتشاطر في تفسير القانون، لا تكون نتيجتها في المرحلة المقبلة، سوى المساعدة قصداً او عن غير قصد، في طمس الحقائق وإخفاء الوقائع والدوافع، وتالياً ابقاء الجرح مفتوحاً ونازفاً.

وهذا الوضع، قد يدفع الأهالي، وهذا حقهم، الى استمرار التحرك وعدم الاستكانة في المطالبة بمعرفة من قتل ابناءهم، وسيتضامن معهم جميع اللبنانيين، لأن ما حصل يمكن أن يتكرر في أماكن اخرى، ويحصد أبرياء آخرين، بفعل تهرّب بعض المسؤولين من مسؤولياتهم، وتلطيهم خلف حجج واجتهادات واهية، في حين أن فظاعة الجريمة يُفترض أن تحرّك ضمائرهم قبل أي شيء آخر، لأن دولة الحق والحريّة والعدالة، لا يمكن أن تقوم وترى النور في وجود أصناف مسؤولين من هذا النوع.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o