Jul 30, 2021 11:27 AM
مقالات

ذكرى ٤ آب: 17 تشرين... طبعة جديدة...

كتب أديب ابي عقل

المركزية- بعد خمسة أيام بالضبط، تحلّ الذكرى السنوية الأولى لجريمة مرفأ بيروت، وهي جريمة ضد الانسانية، أودت بأكثر من مئتي شهيد وآلاف الجرحى الأبرياء ودمَّرت ثلث العاصمة، في مشهد سوريالي هو الثالث في التاريخ بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين.

وتحلّ الذكرى، بعد سنة من القهر والوجع على أحبّة غادروا قسراً وظلماً، ومن الغصّة في القلوب على الفراق، والحرقة في النفوس على استمرار غياب الحقيقة لغاية الآن، والسخط والغضب من مسؤولين تعاطوا ويتعاطون بلا مسؤولية مع جريمة من هذا النوع وبهذا الحجم.

وفيما يتحضّر الأهالي المفجوعون، ومعهم الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، لرفع الصوت في الرابع من الشهر المقبل، رفضاً لكل ما من شأنه عرقلة التحقيق أو الالتفاف عليه، يبدو أن السلطة، التي قمعت الأهالي لدى تحرّكهم أمام منازل المسؤولين الذين تعاقبوا منذ ادخال النيترات إلى العنبر الرقم ١٢، وأمام منازل المسؤولين عن إعطاء الأذونات التي طلبها التحقيق العدلي لملاحقة موظفين إداريين وأمنيين، تعدّ العدة  لتكرار السيناريو نفسه في يوم الذكرى، خصوصاً وان صرخة المطالبة بالحقيقة وكشف المسؤولين عن هذه الكارثة، ليست مسموعة من حكومة راحلة، ولا من حكومة لم تتألف بعد، مع العلم أن الجميع، من مستقيلين ومقبلين، سمعوا ما فيه الكفاية، ولكنهم مستمرون في سياسة إدارة الظهر ....

ويُفترض في التحرك المرتقب، أن يعيد، إلى جانب المطالبة بالحقيقة، إحياء ثورة ١٧ تشرين بروحها الوطنية العارمة، التي أعطتها الزخم لدى انطلاقها على قاعدة "كلّن يعني كلّن"، وان لا يكون فيه مكان لأي مطالبات باستثناءات، كي لا يفقد هذا التحرّك جوهره وقيمته ومعناه، وكي لا يسهل اختراقه.

والتعويل يبقى على توحيد كل قوى التحرّك وغالبيتها الساحقة من المجتمع المدني، واستثناء جميع الذين يريدون استثناء أنفسهم من المسؤولية، بحيث يكون التحرك وطنياً ومواطنياً، توحيدياً وموحّداً، لا مكان فيه لأحزاب أو فئات أو تيارات معروفة بشعاراتها الشعبوية والفئوية والطائفية، ولا مكان فيه لأي موقف له ارتباط، تنفيذاً أو انتظاراً، بأوضاع وتطورات خارجية إقليمية ودولية، بل يكون محصوراً في الداخل اللبناني، ارتكازا إلى خريطة طريق يضعها منظّمو التحرّك السلمي المطالِب بجلاء الحقيقة، والهادف تالياً إلى رسم الأهداف والخطوات الآيلة إلى قيام دولة الحق والحريّة والعدالة.

الرابع من آب، محطة مفصلية ونقطة انطلاق في مسار بداية قيامة لبنان الجديد. فلا مكان للشعبوية بل للواقعية والحقيقة.

لا مكان للشعارات الطائفية، بل للمواطنة والحق والهوية الوطنية.

لا مكان للفساد والفاسدين والمفسدين، بل للأنقياء المؤمنين بالقوانين واحترامها.

لا مكان للمرتهنين للغير، بل للسياديين الأحرار المؤمنين بقدرة أبناء بلدهم.

لا مكان للانتهازيين المطأطئي الرؤوس، بل للمستقلين المرفوعي الهامات والناصعي الجبين.

لا مكان للمتهربين من الحقيقة والعدالة او الهاربين منها، بل لمناصري الحق الذي يوصله الى أصحابه القضاء المستقل لا الاستنسابي.

لا مكان للمطالبين بحقوق طائفية لتحقيق زعامات زائفة وغايات ومصالح خاصة وأنانيات شخصية، بل للمطالبين بحقوق المواطنين والمتمسكين بسيادة روح المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.

لا مكان لفتاوى وتشريعات"غب الطلب"، بل لاحترام الدستور والقانون نصاً وروحاً.

لا مكان للعنف في التعبير، بل للضغط الديموقراطي المنظم، على قاعدة الحوار الهادىء الهادف المجدي، انطلاقاً من احترام مباديء الآخر.

لا مكان لمنظومة عفنة مهترئة، بل لطبقة سياسية قيادية شابة مؤمنة بوطن سيد حرّ سيّد ومستقل، يحترم ابناءه ويؤمن لهم العيش الحر والكريم.

الرابع من آب، يُفترض أن يكون محطة أساسية لإعادة اضاءة شعلة الأمل للخلاص من طبقة سياسية متوارثة، عاثت فساداً وظلمت وطناً وقهرت شعباً، تمهيداً لقيام طبقة جديدة، تضع أسس النهوض لدولة عصرية حديثة، قوية بأبنائها وقدراتهم الكفيلة بالوصول الى وطن يستحقه اللبنانيون ويفخرون بالانتماء اليه.

انها مهمة صعبة ولكن غير مستحيلة. من هنا الأمل ... والأمل كبير.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o