Jun 24, 2021 8:21 AM
مقالات

حقوق المسيحيين من حقوق اللبنانيين

كتب الرئيس ميشال سليمان في "اللواء": ‏

سألني ذات مرة أحد رؤساء الدول الكبرى خلال لقاء ثنائي، لماذا يطالب مسيحيو ‏لبنان دائماً بالمناصفة في كل المناصب والمواقع وهم يتغنون في نفس الوقت ‏بالديموقراطية وعراقتها في بلادهم؟

أجبته على الفور إن «لبنان أكثر من وطن إنه رسالة» وفقاً لوصف البابا القديس ‏يوحنا بولس الثاني. من أجل ذلك، الاعتماد ليس على عدد المسيحيين المقيمين في ‏لبنان. أما إذا أخذنا بالاعتبار دور لبنان الرسالة، فهو صيغة تفاعل حضارات ‏وعلى هذا الأساس يستحق المسيحيون المشاركة في النصف بجدارة ولا بدّ من ‏الإشارة إلى أن حجم هذه المشاركة هو مطلب ورغبة المسلمين اللبنانيين قبل كل ‏شيء، في حين أن بعضهم لا يرى ضيراً في تخطي النصف.‏

في عز الشعبوية التي تجتاح المجتمع السياسي اللبناني للظهور بمظهر الدفاع عن ‏حقوق الطوائف، لا بل حقوق التيارات والعائلات في إطار أقضية مستقلة أو أقل، لا ‏بد من قراءة هادئة متجردة لحقوق اللبنانيين تحت عنوان حقوق المسيحيين. ‏

فعلاً أن لبنان صيغة تشاركية للحضارات عبر تاريخه وجغرافيته وكما أراده ‏المؤسسون، من البطريرك الياس الحويّك عام 1920 عرّاب دولة لبنان الكبير الذي ‏حقق الكيان، إلى ميشال شيحا أب الدستور اللبناني، إلى الميثاق الوطني الذي تفاهم ‏عليه بشارة الخوري ورياض الصلح بعد الاستقلال عام 1943 والذي تم تثبيته في ‏وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف 1989).‏

تفاعل الحضارات هو صلب صيغة لبنان، كما وصفه ميشال شيحا، معتبراً أن ‏مجلس النواب عندنا ليس وليد مفهوم ديموقراطي للحياة الوطنية وحسب. المجلس، ‏قبل أن يكون واحة تعبير ديموقراطية، هو نقطة الالتقاء الضرورية بين المذاهب ‏المتحدة في لبنان.‏

إنه «المظهر الرسمي لإرادة الحياة المشتركة، بل إرادة الحكم المشترك»... ‏وأردف في مكان آخر «مجلس تلتقي فيه الطوائف ولو لتتقاتل بدل أن تتقاتل خارج ‏المجلس، في ظل الكنيسة والجامع».‏

من غير المنطقي حصر حقوق المسيحيين بمنصب أو مناصب أو بالانتماء السياسي ‏للمرشحين المسيحيين لأي موقع كان، ومن المعيب أن نقسِّم المسيحيين في لبنان ‏إلى مسيحي أصيل ينتمي إلى حزب معين ومسيحي «تقليد» لأنه ليس من ذاك ‏الحزب... ناهيك بالتمييز المقيت الذي يُفرّق بين مسيحي مُنتخب بأصوات مسيحية ‏ومسيحي مُنتخب من قبل المسلمين، أو بين المرشحين للوظائف الإدارية من قبل ‏الأحزاب المتنافسة. ‏

المسيحي كما المسلم قيمته بحضارته وليس بسياسته، وإلا سنصبح أسرى العددية ‏وليس التعددية. هكذا يتعثر لبنان كما يقول ميشال شيحا «إذا كانت كل طائفة تعيش ‏والميزان في يدها، تضع وزيراً قبالة وزير، وحاجباً قبالة حاجب، فتسوق لبنان إلى ‏حدود الحلول المستحيلة». والعدالة إذا أكثرنا من موازنتها تنقلب ظلماً لأنها تُبعدنا ‏عن مكسب الطائفية الوحيد، الذي تعلمناه عبر الأجيال: «التسامح والتعايش».‏

ولأن لبنان مجموعة أقليات حديثة وقديمة فإن حقوق المسيحيين وغيرها تؤمّنها ‏دولة القانون، فالمسؤول المسلم الكفوء والنزيه يحرص على حماية حقوق ‏المسيحيين أكثر من المسيحي نفسه والعكس بالعكس. ‏

في هذا السياق، نجد في تحالف الأقليات، كما في القانون الأرثوذكسي وما يشبههما، ‏‏«مقبرة المسيحيين وحضارتهم»، ناهيك بالصوت التفضيلي الواحد الذي استنسخ ‏منه واعتُمد في دوائر لا تَناسُبَ فيها.‏

أما التفاهمات الثنائية، وعلى رغم عدم الالتزام من أفرقائها والتي اعتمدت على ‏تسويات وتقاسم للمناصب بين الأحزاب المعنية، وتوزيع المواقع الإدارية ‏محاصصة بنسبة عدد النواب الذي حصل عليه الحزب نتيجة الانتخابات، فهي من ‏أحدث البدع التي يجري إقناع الناس بضرورتها، وكأننا قبائل لا دستور ولا قانون ‏يحميها.‏

صورة لبنان ليست بخير، علماً أنه «لم يشهد خلال السنوات العشر الأخيرة ما ‏شهدته دول المنطقة وبعض دول الغرب من حوادث طائفية أو مذهبية»، عندما ‏تزامن الفراغ الدستوري لمدة سنتين ونصف السنة على مستوى الرئاسة مع نشوء ‏‏«دولة داعش» في الإقليم، وقبلهما التمديد غير الدستوري للمجلس النيابي على ‏الرغم من طعن رئيس الجمهورية تلاه تعطيل نصاب المجلس الدستوري، كذلك ‏تعطيل تشكيل الحكومات وجرّ لبنان إلى صراعات المحاور عبر مشاركة «حزب ‏الله» في الحرب السورية وغيرها.‏

ومع ذلك، الفرصة لا تزال متاحة للعودة إلى منطق حقوق المسيحيين التي تُستعاد ‏باستعادة قوّة الدولة وسيادتها وتحييد لبنان، باستعادة ثقة المجتمع الدولي والناس ‏بمنظومة الحكم، بتطبيق الدستور وإجراء الاستحقاقات في مواعيدها، بعدالة ‏القاضي واستقلالية القضاء، بتجرّد المسؤول وشفافيته، بحصر امتلاك السلاح بيد ‏الدولة، بتكافؤ الفرص واعتماد آلية موحّدة للتعيينات، لاختيار الرجل المناسب ‏للمكان المناسب، بقانون انتخاب يعتمد النسبية ودوائر كبرى، بعيدٌ كل البعد عن ‏النموذج الأرثوذكسي وعن أحادية الصوت التفضيلي، بالإنماء المتوازن وبمعدل ‏نمو اقتصادي معقول، بالدبلوماسية المتوازنة، بالحرية وإبقاء لبنان ملاذاً ‏للمضطهدين، بالحوار والروح السمحة، بالتزام «وثيقة الأخوّة الإنسانية»، ‏بالحرص على حقوق المسلمين قبل كل شيء وحقوق اللبنانيين، باستكمال تطبيق ‏الدستور. وأخيراً وليس آخراً، بدولة المواطنة.‏

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o