Jun 15, 2021 1:29 PM
مقالات

قيامة الوطن... ثقة مثلثة الأضلاع

كتب أديب أبي عقل

المركزية- بات واضحا باعتراف الجميع، في الداخل والخارج، وإقرارهم بأن المشهد اللبناني البائس والمحزن على كل المستويات وفي شتى المجالات، غير مسبوق في تاريخ لبنان القديم والحديث، ولم يحصل مرة أن كان أولياء الأمر وأهل الحل والربط على هذا الانحدار في تحمّل المسؤولية، والانهيار الأخلاقي في التعاطي مع الذات ومع الآخرين.

فمن المخزي والمعيب والمحزن، في ظل انهيار القطاعات الواحد تلو الآخر، وفي ظل عدم تشكيل حكومة، أن يكون اهتمام المعنيين محصورا في أحقّية تعيين وزيرين مسيحيين، في الشكل، في حين أن المضمون بات واضحا ويصب في خانة الاستحقاق الرئاسي المقبل ومحاولة إبرام صفقة منذ الآن، للإتفاق على تسوية تحدّد هوية الرئيس المقبل للجمهورية.

إلا أن المأزق السياسي، الذي يعطي صورة غير مشرقة وغير مشجّعة للخارج عن المسؤولين في لبنان، وعلى رغم التلويح الأوروبي بعقوبات جديدة، يبقى قابلا للضبط في لحظة معينة لإعادة تصويب بوصلة العلاقات بين المسؤولين.

ولكن المأزق الحقيقي يكمن في الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي للّبنانيين، وغياب الطبقة الوسطى التي انضمّت إلى الطبقات الفقيرة، التي باتت بدورها بين طبقات تحت خط الفقر.

الطبقة الوسطى هي العمود الفقري للاقتصاد، وهي التي تحرّك الأموال في المصارف، وتضخّ العافية في دمها من خلال القروض الاسكانية على وجه التحديد، والمؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم.

لا قيامة للوطن، ولو تعافى سياسيا، من دون المصارف، التي تحرّك، من خلال القروض، الدورة المالية التي تنعش الاقتصاد المنهار.

فلا إعمار لمناطق أو شوارع من دون قروض مصرفية، ولا قيامة لمؤسسات انهارت ودُمّرت بفعل سياسات المسؤولين وتصرفاتهم، إلا من خلال مساعدة المصارف. ولا إعادة إطلاق لمشاريع كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، إلّا من خلال المصارف.. واللائحة تطول.

لذلك، المطلوب من المصارف أن لا تكون "عدوة" للمودعين لديها ومتّهمة بسرقة أموالهم، لأنها في حاجة إليهم، ولا يمكنها أن تكون على خصام مع مصرف لبنان، المسؤول الأول عن حماية النقد الوطني والعملة الوطنية. ومن يراجع تاريخ العلاقة بين المصارف و"المركزي" يجد أن توترها كان ينعكس ضغطا على النقد الوطني وتراجعا في قيمة العملة، وتناغمها ينتج ارتياحا في الوضع الاقتصادي وترسيخا للاستقرار النقدي.

مناسبة الكلام عن المصارف و"المركزي" تأتي على أبواب انتخابات مجلس جديد لجمعية مصارف لبنان، وهذه فرصة لترميم العلاقة المثلثة الأضلاع: المودعون، المصارف، ومصرف لبنان. فالمطلوب بكل وضوح وهدوء وضع المصلحة النقدية للمواطنين اللبنانيين أولوية للمجلس المقبل سواء تجديدا أو اختيارا.

فبدلا من أن يكون المجلس مطيّة في يد مسؤولين أو سياسيين، وهو لم يكن كذلك إطلاقا في السابق، يُفتَرَض، لا بل يجب، أن يكون التعاون كاملا مع مصرف لبنان في هذا الاتجاه.

ويُفتَرَض كذلك تصويب بوصلة العلاقة مع المودعين لاستعادة ثقتهم بالقطاع بحيث يكونون، مع المصارف ومصرف لبنان، في خط واحد وجبهة واحدة، للتصدي للمحاولات المستمرة لضرب هذا القطاع، الذي يمثل التوجّه الاقتصادي الحر للبنانيين، المناقض والمناهض للمحاولات الحثيثة المتواصلة لتدجينه، وتغيير وجهة بوصلته من الغرب إلى الشرق، وهويته من حر إلى موجه، ومحاولات اختراقه بخلق مؤسسات مالية رديفة، غير قانونية في بعض المناطق، قد تكون مغرية وجذابة للناس في الشكل، ولكن سيتبيّن لاحقا أن الشكل لا يطغى على الجوهر، والدولة هي المرجع والملاذ، بكل مؤسّساتها، وكلّ رديف في أي مجال هو إلى اندثار وزوال. والعراضات والاستعراضات والبهورات والمراجل، هي محاولة لرفع المعنويات شكلا، ولكنها في العمق دفن للرأس في الرمال، وكم من الرؤوس الحامية اليوم يدفنها أصحابها في الرمال اللبنانية المتحركة على مد وجَزر اقليمي ودولي منذ عقود.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o