May 11, 2021 12:43 PM
مقالات

لبنان في مهبّ التطورات الاقليمية... ولودريان يحاول استنساخ "14 آذار"

كتب أديب أبي عقل:

المركزية- المشهد السوريالي اللبناني القائم منذ فترة، مرشح للاستمرار، والمؤشرات تدلّ إلى انزلاقه نحو الأسوأ على كل الصعد، نتيجة العناد والمكابرة والتشبث بالمواقف للمسؤولين المعنيين بتأليف الحكومة الذي بات يشكّل ثغرة في جدار الانهيار، قد يمكن النفاد منها لوقف التردي، قبل البحث في الخطوات الانقاذية التي يتوق اللبنانيون إلى بدء تحقيقها.

والواضح أن هذا الواقع القائم بفعل أداء هؤلاء المسؤولين بات مرتبطا عضويا بمجريات التطورات الاقليمية والدولية، التي تشهد انفراجات وخطوات انفتاحية وحوارات تتّسم بالإيجابية، فيما الداخل اللبناني يشهد اقفالا محكما لمنافذ الحوار لايجاد حلول والجميع ينتظرون نتائج ما يدور حولنا.

وبدلا من أن يكون لبنان أساسيا في حركة اللقاءات والمفاوضات هذه، وضع نفسه، بإرادة حكّامه، على رصيف انتظار تلقي املاءات القرارات والتسويات، من دون أي رأي له فيها، وله في محطات سابقة مشابهة في تاريخه ذكرى ولكن من دون عبرة، لأنه لم يعتبر مرة ممّا حصل منذ اندلاع الحرب على أرضه، وتسويات الطائف والدوحة لاحقا.

فالمسؤولون عندنا أثبتوا عدم فهمهم ومتابعتهم حركة التطورات الجيوسياسية وما تحتها من مصالح للدول الكبرى الراعية للتحركات الاقليمية سياسيا واقتصاديا ونفطيا. وهم "شاطرون" فقط في الحسابات الخاصة المتصلة بالمصالح والطموحات الشخصية، و"شاطرون" أيضا في إطلاق شعارات براقة تدغدغ العواطف، ولكنها عمليا فارغة المضمون ووسائل التنفيذ، ومحاولات العراضات والاستعراضات التي شهدتها الساحة أخيرا لم تفِ بالغرض المطلوب، بل شكّلت إلهاءً للرأي العام، وتغطية لفشل أهل السلطة المستنكفة عن أي أمر يساهم في إراحة الجو الداخلي المأزوم، والذي يهدّد بالتحول من أزمة سياسية إلى أزمة حكم ونظام.

ذلك أن رمي الكلام في السوق السياسي والاعلامي عن ارتباط الفشل في تأليف الحكومة ببدء البحث في تغيير النظام يشي بأن أصحاب هذا التوجه يهيئون منذ الآن الأرضية الداخلية لأي نتائج قد تسفر عنها اللقاءات السعودية-الايرانية والسورية حيال لبنان العاجز عن حلّ مشكلاته، بدءا من تأليف حكومة وصولا إلى محاربة الفساد (!) من دون إغفال العجز عن اجراء تعيينات، أهمّها في السلطة القضائية مع اقتراب ولاية مجلس القضاء الأعلى من الانتهاء، حيث نكون عندئذ بلا سلطة قضائية ضابطة، ويتفلّت بعض القضاة من عقال التصرف بمسؤولية القانون.

والسلطة العاجزة عن توقيف مهرّب أعلن عن نفسه أمام وسائل الاعلام، هي حتما عاجزة عن اجتراح الحلول لمشكلاتها القائمة، خصوصا وأن همَّ المسؤولين يتركز على الاستحقاق الرئاسي المقبل وشخص الرئيس العتيد، أكثر من تركيزهم على ديمومة الجمهورية بشكلها الذي يعرفه اللبنانيون ولا يريدون أي تغيير فيه، وإن كانت هناك حاجة لتطويره مع أشخاص من غير الذين يشكّلون الطبقة السياسية فيه راهنا.

ولعلّ هذا الأمر يعرفه الفرنسيون أكثر من اللبنانيين أنفسهم، وزيارة وزير خارجية فرنسا جان-ايف لودريان ولقاءاته الأخيرة في بيروت، دليل ساطع وفاقع إلى عقم فهم المسؤولين لواجباتهم الوطنية قبل الشخصية. وهو التقى رئيس الجمهورية ورئيس المجلس بروتوكوليا، مع أن مضمون اللقاءين كان غير بروتوكولي، في حين أن الكلام السياسي الحقيقي كان في قصر الصنوبر مع القوى السياسية المعارِضة ومكونات من المجتمع المدني، استقصى الفرنسيون عنها قبل دعوتها إلى اللقاء.

وحتى اللقاء مع الرئيس المكلف سعد الحريري لم يكن مريحا، انطلاقا من أن باريس تحمّله مسؤولية عدم المساعدة في تأليف الحكومة، حيث اكتفى بتقديم تشكيلة رفضها رئيس الجمهورية، من دون أي مسعى للبحث فيها وتعديلها أو تقديم تشكيلة أخرى، ما ساهم في إضعاف زخم المبادرة الفرنسية.

فالدول الراعية لفريق 14 آذار في السابق لم تعد في هذا الوارد، ولم تعد في حاجة إلى المواجهة بالواسطة، وفي لبنان، مع الدول التي تتفاوض معها اليوم حيال نقاط ساخنة، أكثر أهمية وحيوية من الملف اللبناني، خصوصا وأن 14 آذار انفرط عقدها تدريجا والعلاقات بين أبرز أركانها في حدّها الأدنى.

 والوزير لودريان وضع في اجتماع قصر الصنوبر عناوين خريطة طريق المرحلة المقبلة، ركزت على جملة أمور وخطوات تعوّل عليها فرنسا، وأبرزها توحيد قوى الحراك المنتظر، وعمودها الفقري المجتمع المدني، تحضيرا للانتخابات النيابية المقبلة، وسط تشديد على منع تعطيلها أو تأجيلها تحاشيا لفراغ رئاسي جديد، يكون فرصة سانحة لتدخّل القوى الإقليمية وفرض رئيس على اللبنانيين، لا رأي لهم في اختياره، وهو سيكون بالتأكيد خاضعا للقوى التي اختارته – والتجارب واضحة مع بعض الاستثناءات. ولن يكون لبنان عندئذ، مرة جديدة، البلد الذي يطمح إليه أبناؤه ويفخرون بالانتماء إليه، والعيش بحرية وكرامة تحت سمائه.  

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o