May 07, 2021 1:09 PM
مقالات

فرنسا تنقذ مبادرتها بالعقوبات... والانتخابات

كتب أديب ابي عقل

المركزية- ما الذي يمكن قراءته في زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الذي يغادر بيروت اليوم؟

في الشكل، حمل الرجل العصا في وجه أهل السلطة، الذين اشتكى كل منهم على طريقته من الآخرين، في محاولة لإعادة تعويم نفسه، وغسل ماء وجهه ويديه، ممّا هو حاصل على الساحة الداخلية، وتحميل الغير مسؤولية التردي.

إلا أن الديبلوماسي الفرنسي، الذي يعرف بدقة تفاصيل الوضع، استمع بهدوء إلى ما طرحه المسؤولون الذين التقاهم، ولا يخرج كالعادة، عن التذاكي والخداع، الذي سمعه في زياراته الأربع السابقة. فلا هم تغيّروا، ولا هو-بطبيعة الحال- اقتنع بهذه الألاعيب، وأبلغ اليهم ما هو معلن من توجه فرنسي مدعوم اوروبياً ودولياً، إلى اتخاذ خطوات موجعة، قد لا يشعر هؤلاء بمفعولها، إلا بعد إقرارها، وستكون أشد وقعاً، من تلك التي اتخذتها الولايات المتحدة، واعتبرها من طاوَلَته، غير ذي جدوى، وتصب في تقوية موقعه(!).

في الشكل أيضاً، هل قرأ المسؤولون، الذين يغطّون العراضات والاستعراضات الإعلامية السياسية والقضائية، اجندة لقاءاته غير الرسمية، مع المجتمع المدني وأحزاب المعارضة غير المشاركة في السلطة والمعارِضة لأدائها، ومجموعات من الثورة؟ ام انهم كعادتهم قلّلوا من أهميتها ومغزاها؟

يبدو أن أهل الحل والربط، وأصحاب القرار الفعليين والفاعلين على الساحة، ليسوا في وارد اجراء انتخابات نيابية العام المقبل -عام الاستحقاق الرئاسي أيضاً- والمخاطرة بفقدان أكثرية "في اليد"، هي مفتاح تحكّمهم بالاستحقاق سواء بالتفاوض او الاختيار، على قاعدة امتلاك الغالبية، المعرّضة حتماً للتغيير.

وزيارة لودريان، ايذان ببدء مرحلة ضغط خارجي واسع على لبنان، يزيد تفاقم الأمور سوءاً، وانعكاس ذلك مباشرة على الوضع الاجتماعي، بحيث لن يكون امام المسؤولين سوى الإذعان لقرارات المجتمع الدولي، لإنقاذ لبنان واللبنانيين من براثن حكامه ومخالبهم، التي تنهشهم وتمعن في تدمير ما تبقى من مقومات دولة كان لها احترامها ذات يوم.

فتدابير فرنسا بمنع شخصيات لبنانية من دخول أراضيها، وتجميد اموالها في المصارف الفرنسية ولاحقاً الأوروبية، في ضوء ما ستسفر عنه اجتماعات بروكسل في هذا الشأن، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الإعلان. ففرنسا ستحاسب من تملّص من تعهداته امام رئيسها في قصر الصنوبر، وحاول إفشال مبادرتها الإنقاذية، التي هي الوحيدة المتاحة، في ظل انشغال الدول الكبرى الاخرى بملفات مهمة كالملف النووي الإيراني، فضلاً عن ان الرئيس ماكرون يستعد لخوض معركة رئاسية لولاية ثانية، ويعوّل على مبادرته اللبنانية للمساهمة في إنجاحها.

فهل ستؤدي هذه التدابير والعقوبات، إلى حمل المسؤولين على التبصر بمفاعيلها ووقف التذاكي على الموفدين، والاستهتار والاستلشاق بالمبادرات المساعِدة؟

الجواب شكلاً هو ربما، لكن على أرض الواقع وفي حساباتهم، انه استمرار لسياسة العناد والمكابرة، وعضّ الأصابع وشدّ العصب، ونتيجتها واقع الحال المأسوي الراهن.

فالمطلوب بدء التحضير منذ الآن، لإجراء الاستحقاقات المقبلة في مواعيدها، تمهيداً لانتقال ديموقراطي للسلطة، إذ يكفي لبنان تكرار تجربة الفراغ مرة جديدة، واستجلاب القرار الخارجي بالاختيار عن أهل الداخل، ما يؤكّد مجددا قصور المسؤولين في إدارة البلاد وتقصيرهم في اختيار فريق عمل بعيد من الكيدية والانتقام، حيث طاولت كل القرارات من قد يكون البديل في الاستحقاق الرئاسي المقبل، من خارج دائرة من يجري التفاوض تحت الطاولة لتسويقه.

الفرنسيون أعطوا رسالة واضحة، أنهم لا يعوّلون إطلاقاً على أهل السلطة في لبنان، ويتّهمونهم علناً بالفساد والتقاعس عن تأليف حكومة اختصاصيين تنهض بالوضع، وهم حضّوا من التقوهم في قصر الصنوبر أمس، على توحيد الجهود والصفوف، من اجل إحداث تغيير في الخريطة النيابية، ما يعتبرونه الخطوة الاولى في رحلة إنقاذ لبنان وشعبه، من طبقة سياسية استباحته مدى عقود.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o