May 04, 2021 6:16 AM
صحف

لودريان لردع شياطين التعطيل

تلوح من جديد، على ما تقول مصادر ديبلوماسية من باريس، «فرصة فرنسية» للقابضين على السلطة في لبنان، لحرف المسار اللبناني عن الاتجاه القاتل الذي يسلكه، والانتقال فوراً الى تفاهم على حكومة وفق المبادرة الفرنسية وتلبّي طموحات اللبنانيين ومطالب المجتمع الدولي لناحية إجراء الاصلاحات ومكافحة الفساد. هذا مع التأكيد على انّ هذه الفرصة هي الأخيرة في البرنامج الفرنسي الذي فُتح مع اطلاق المبادرة الفرنسية اواخر آب من العام الماضي، وعلى معطلي الحل في لبنان ان يختاروا بين ان يحيوا بلدهم وبين ان يدّمروه نهائياً عبر استمرار النهج المتّبع حالياً في تعقيد الحلول ومنع تأليف حكومة اصلاحات».

هذه الفرصة، وكما بات معلوماً متمثّلة بالزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت اعتباراً من يوم غد الاربعاء. وعشية وصوله، يطفو على سطح المشهد السياسي سؤال من شقين:

الشق الأول، هل انّ زيارة الوزير الفرنسي تمهّد فعلاً لإنزال لبنان عن اشجار التوترات التي «عربش» عليها القابضون على السلطة، وتقوده في الاتجاه الذي يتمكن فيه من التقاط انفاسه واعادة الانتظام لحياته السياسية وصياغة تسوية سياسية تفضي الى تشكيل حكومة طال انتظارها، يدخل معها البلد الى واحة الإنفراج؟

الشق الثاني، هل أنّ لودريان آتٍ والعصا معه ليلوّح فيها أمام الشياطين المعطّلة للمبادرة الفرنسية، فإن انصاعت كان خيرٌ، وإن لم ترتدع وترضخ، يعلن الوزير الفرنسي بإسم الدولة الفرنسية ورئيسها ايمانويل ماكرون إطفاء محركات المبادرة، ويقول للمعطّلين «من الآن فصاعداً، قلّعوا شوككم بأيديكم»؟.

لا برنامج معلناً حتى الآن لزيارة لودريان، كما لا تحديد رسمياً لجدول لقاءاته التي سيجريها في بيروت، علماً انّ موعدين قد تمّ تثبيتهما للزائر الفرنسي، الأول مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والثاني مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وعلى ما تؤكّد مصادر ديبلوماسية من باريس لـ»الجمهورية»، انّ برنامج لقاءات وزير الخارجية لودريان مفتوح في لبنان وليس مقفلاً، وهناك جهود لأن يشمل الرئيس المكلّف سعد الحريري، من دون ان يتبلور تأكيد لذلك حتى الآن.

على انّ اللافت في ما تعكسه الاجواء الباريسية، هو عدم رفع مستوى التوقعات الإيجابية من هذه الزيارة، خصوصاً انّ الادارة الفرنسية لم تلمس من الجانب اللبناني تغييراً في النهج التعطيلي المُعتمد من اشهر طويلة، واستسلاماً من قِبل بعض القادة في لبنان لإرادة اللبنانيين بالتغيير والانتقال الى زمن اصلاحي لا سبيل سواه لإنقاذ لبنان.

وبحسب هذه الاجواء، فإنّ زيارة لودريان، تأتي من خلفيّة فرنسيّة غاضبة من تعطيل المبادرة الفرنسية، وبمعنى أدق، فرنسا مذهولة من أداء بعض القادة في لبنان ومجافاتهم لمصالح اللبنانيين، ومقارباتهم التعطيلية وغير المبررة لكل الحلول، وفي مقدّمها المبادرة الفرنسية. وزوار الايليزيه يلمسون ذلك من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

يُضاف الى ذلك، انّ هذا الغضب الفرنسي عبّر عنه لودريان نفسه قبل ايام قليلة، حينما تحدث عن انّ باريس انتقلت الى ما سمّاه «خطاً جديداً في مقاربة الأزمة اللبنانيّة». وكشف علناً عن عقوبات على معطّلي تشكيل الحكومة في لبنان، من دون ان يحدّد طبيعة هذه العقوبات، وكذلك من دون ان يحدّد المعطِّلين المستهدَفين بهذه العقوبات. علماً انّ مستويات سياسية وغير سياسية تتداول معلومات غير مؤكّدة، عن انّ العقوبات الفرنسية مركّزة تحديداً على «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل وبعض المستشارين في القصر الجمهوري. ومن دون أن تستبعد هذه المعلومات، غير المؤكّدة ايضاً، شمول العقوبات الفرنسية مقرّبين من الرئيس المكلّف سعد الحريري.

وإذ قلّلت المصادر الديبلوماسية في باريس من فرضية نعي المبادرة الفرنسية في حال اصطدم لودريان بحائط التعطيل من جديد في لبنان، اكّدت انّ الرئيس ايمانويل ماكرون اعلن في زيارته الاولى الى لبنان على إثر انفجار مرفأ بيروت انّ فرنسا لن تتخلّى عن الشعب اللبناني، والمبادرة الفرنسية قدّمها الرئيس ماكرون كفرصة لإنقاذ لبنان والشعب اللبناني، وبالتالي هي لن تستسلم للمعطلين، ولن تتسامح معهم.

الى ذلك، قالت مصادر سياسية مسؤولة لـ»الجمهورية»، انّ زيارة لودريان احدى ابرز المحطات الفرنسية في لبنان، فهي تأتي في توقيت سقط فيه لبنان الى القعر وانحدر حاله من سيئ الى اسوأ. ولودريان نفسه قال انّ لبنان سفينة تايتانيك تغرق بلا موسيقى. كما انّها تأتي على تراكم من الإخفاقات السابقة، سواء حول المبادرة الفرنسية او حول تشكيل حكومة وفق مندرجاتها. وبالتالي، فإنّ الغاية الاساس منها هو التأكيد انّ كيل فرنسا قد طفح بالكامل، وكبح مسار الإخفاقات هذا والدفع بالمبادرة الفرنسية الى الامام بوصفها قاطرة الحل للبنان.

ومن هنا، تضيف المصادر، فإنّ لودريان لا يأتي الى لبنان كسائح للاستجمام في ربوع بلد قلق وملوث بيئياً وسياسياً، بل هو آتٍ في محاولة فرنسية جديدة لسوق اللبنانيين الى الحل وتشكيل حكومة. الّا انّ الخشية التي تبرز في هذا الجانب تكمن في انّ الفشل إن تكرّر هذه المرة، قد يجعل هذه المحاولة أخيرة لا تتكرّر في المستقبل. علماً انّ التجربة من التعطيلات المتتالية للحلول منذ آب الماضي، وهروب القوى السياسية في لبنان من مسؤولياتهم حيال بلدهم، باتا يحتمان سلوك سبيل وحيد، وهو ان يُساق المعطلون بالعصا ويُفرض عليهم الحل رغماً عنهم.

وبحسب مراسل "النهار" في باريس فان فرنسا تسعى من خلال هذه الزيارة الى زيادة الضغط على النخبة ‏السياسية، متسلحة هذه المرة باجراءات عقابية بغية اخراج لبنان من المازق السياسي الراهن عبر الرافعة ‏الاوروبية التي تتحاور حول ما سمي بـ "ورقة خيارات". وتسعى المجموعة الاوروبية وفق مصادر ديبلوماسية ‏فرنسية بناء على طلب فرنسي والماني الى اتخاذ تدابير لوقف التدهور، بعد ان ازداد الوضع سوءا. فحضرت ‏امانة سر الاتحاد الاوروبي ورقة عمل حول الخيارات المتوفرة لرفعها الى وزراء الخارجية لاتخاذ القرار ‏المناسب قبل تصديقها من اجتماع اوروبي على المستوى الرئاسي في اوائل شهر حزيران المقبل. وما زالت ‏المداولات مفتوحة داخل الاتحاد الاوروبي. وتتضمن الورقة وفق المصادر الديبلوماسية افكارا حول الحوافز، التي ‏تتمحور حول مساعدات مالية واقتصادية وحث الادارة اللبنانية على التعاون مع صندوق النقد الدولي والتهديدات، ‏اي اجراءات عقابية، بعبارة اخرى "جزرة وعصا‎".‎
‎ ‎
وقد تصل هذه الاجراءات الى فرض عقوبات في حال استمرار الطبقة السياسية في المراوحة والتعطيل. وتكثفت ‏المشاورات داخل المجموعة الاوروبية بهدف التوصل الى "نظام عقوبات خاص بلبنان" يحدد الاطر القانونية ‏للتحرك لمكافحة الفساد وارتكاب المجازر وسوء استعمال المال العام والاصول المكتسبة بشكل غير شرعي. غير ‏ان المداولات ما زالت مستمرة، لوجود مواقف متفاوتة داخل الاسرة الأوروبية. وسيوضح الوزير الفرنسي ان ‏الاجراءات الفرنسية لن تكون محصورة بفريق سياسي معين وانه منذ طرح الرئيس ماكرون خريطة الطريق، ‏تعمل باريس على المساعدة وتسهيل التوصل الى حل كحكم وليس كطرف‎.‎

الى ذلك، أفادت "نداء الوطن" ان وزير الخارجية الفرنسي يزور لبنان مساء الأربعاء آتياً من لندن حيث ‏سيشارك اليوم وغداً في اجتماعات وزراء خارجية دول "مجموعة السبع"، بحضور ‏وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وقد يتطرق لودريان معه إلى موضوع الملف ‏الإيراني وإلى زيارته المرتقبة إلى لبنان‎.‎

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o