May 03, 2021 10:29 AM
مقالات

محمد بن سلمان: تحقيق المصالح بدرء مفاسد التطرّف

جاءت مقابلة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأخيرة على شاشة mbc شاملةً لكل سياسات التغيير والنهوض بعد مضيّ خمس سنواتٍ على انطلاقة التجربة الكبرى لرؤية وخطّة: 2030. وللمرّة الأولى خصّ وليّ العهد التحدّيات ذات الغطاء الدينيّ بجانبٍ معتبرٍ من مقابلته.

قال وليّ العهد: "لا نستطيع أن ننمو ونجذب رؤوس الأموال، ولا أن نتقدّم بوجود فكرٍ متطرّف في السعوديّة. إذا أردتَ ملايينَ الوظائف وخفض معدَّل البطالة ونموّاً اقتصاديّاً ملحوظاً، يجب أن تستأصل هذا المشروع لمصلحةٍ دنيويّة، ناهيك عن المصلحة في أنّ هؤلاء لا يصحّ أن يمثّلوا ديننا الحنيف ومبادئنا السمحة بشكلٍ أو بآخر".

من هم هؤلاء الذين يتحدّث عنهم وليّ العهد، والذين يعطّلون المصالح الكبرى، إذ يضعون الدين الحنيف الذي يدّعون تمثيله في مواجهة الدولة الناهضة، والمجتمع الشابّ الذي يريد التغيير نحو الأفضل بالوسطيّة الدينية الرحبة التي دعا إليها الكتاب والسنّة، وبالتنمية المستدامة التي تفتح الآفاق للأفراد والجماعة؟

يحسب متابعو المقابلة لأوّل وهلة أنّ المقصود بـ"التطرّف" فرقة معيّنة أو تيّار معيّن. لكنّ الواقع أنّ وليّ العهد يقصد الظاهرة التي استفحلت وانتشرت وشبّ أُوارُها منذ خمسينيّات القرن العشرين لتشمل وتضمّ أفراداً ومجموعات وتيارات تحمل جميعاً عناوين الحاكميّة وتطبيق  الشريعة والدولة الإسلامية، ومُلاعنات البراء والتكفير، والصدام مع المجتمعات الإسلامية، ومع العالم.

في أحاديث ومقابلات سابقة كان وليّ العهد قد حدَّد تاريخ انفجار هذه الانشقاقات بالعام 1979. وهو يشير بذلك إلى ثلاثة أحداثٍ كبرى شهدها ذلك العام الفاصل: قيام الثورة الإيرانيّة، وإغارة جهيمان على البيت الحرام، وانطلاق "الجهاد" الأفغاني/العربي بعد دخول الجيش الروسيّ إلى أفغانستان لمساندة النظام الشيوعيّ هناك. فالثورة الإيرانية عنتْ ثوراناً على نظام الدولة الوطنية الحديثة، وذلك باسم الدين وتحت غطائه. وإغارة جهيمان على الحرم المكّيّ عنتْ اختراقاً لأقدس المقدّسات القرآنية والإسلامية بشأن الحرم الآمن. و"الجهاد" الأفغاني عنى إطلاقاً للأصوليّة الدينيّة لاصطناع تطرّف دينيّ يُناظر الأصوليّة الإيرانيّة، وإنّما هذه المرّة لتخريب الدنيا باسم الدين في عالم الإسلام السنّيّ.

وليّ العهد كان يقول بالعودة إلى ما قبل العام 1979 لاستعادة الدين ممّن اختطفوه بغياً وانشقاقاً. لكنّه في مقابلته الأخيرة مضى قُدُماً باتّجاه تحديد منهجٍ للإصلاح الجذريّ، تعظيماً للفوائد ومضيّاً في الإنجاز:

- أوّل معالم هذا المنهج أنّ الدولة السعوديّة هي المؤتمنةُ على الدين، ودستورها الكتاب والسنّة. وهكذا فإنّ المتطرّفين والإرهابيّين ليسوا هم الذين يمثّلون الدين، وتجاربهم كلّها في السنوات الثلاثين الماضية تشير إلى الفشل الذريع، بل وإلى العداء لصحيح الدين ومُحكَمات الكتاب وصحاح السنّة.

- وثاني معالم هذا النهج هو الاجتهاد المنطلق والرحب والمتعدّد، بخلاف نهج المتطرّفين الذي يقوم على ادّعاء الأوحديّة الحرفيّة في قراءة النصّ وتطبيقه. فهؤلاء ليسوا حَرفيّين وحُروفيّين يتّخذون القرآن عِضين فقط (يؤمنون ببعضه ويكفرون ببعضه). بل  وهم إلى ذلك يدّعون احتكار النصّ والدين، ويسيئون الفهم بدون تدبُّرٍ ولا إصغاءٍ للفهم الصحيح أو لمناطات صلاح الدين والدنيا.

- وثالث معالم هذا المنهج: الإصغاء بحكم ولحكم وسطيّة الدين والشريعة في إحقاق المصالح العامّة للمسلمين ودولهم ومجتمعاتهم.

- ورابع معالم هذا المنهج الاتّجاه من خلال هذا الفهم الرحب للإسلام وشريعته لملاقاة العالم على دعوة السلم والإنصاف والانتصاف، والمصالح الكبرى المتبادلة.

لكن ما هي الشريعة؟

هي بحسب علماء أصول الفقه: درء المفاسد وجلب المصالح. وقد قال وليّ العهد إنّه بدون درء مفاسد التطرّف والانحراف باسم الدين والتمذهب المتوحّد والمستبدّ، لا يمكن السير على سبيل الإنجاز واعتبار المصالح ورعايتها. وإذا كان هذا النهج الوسطيّ والواسع ينبغي أن يسود في سائر الأنحاء من ديار الإسلام، فإنّه النهج الأَولى والأَوجب في المملكة العربية السعودية بالذات المؤتمنة على الحرمين، وعلى الكتاب والسنّة، ومهوى أفئدة وآمال العرب والمسلمين وتطلّعاتهم.

حدّدت مقابلة وليّ العهد إذن ولجهة "فقه الدين" المعالم الكبرى والرئيسة للنهج القائم على درء مفاسد التطرّف واتّباع نهج الوسطيّة والاعتدال والمعلوم من الدين بالضرورة. وإذا كان العلماء والإصلاحيّون في العقود الأخيرة قد أكّدوا تحت وطأة التطرّف والإرهاب على ضرورات الخروج من الغلوّ ومن التطرّف، فإنّ وليَّ العهد يطرح هنا بدائل باتّجاه الفهم المنفتح للكتاب والسنّة، والفهم السديد لواجبات الدولة ومسؤوليّاتها اتّجاه الدين، واتّجاه المصالح العامّة.

لقد كانت عقود التطرّف شديدة المحنة والعسر على الدين وعلى الدولة. وخطّ وليّ العهد للتنمية الكبرى، وللتغيير الكبير، وللرؤية الجديدة والندّيّة والمنفتحة على العالم.

كلُّ ذلك يشير إلى تجاوزٍ واثقٍ لرهانات الحصار وارتهانات الإنكار، لصالح الثقة بالله عزّ وجلّ، ثمّ بالوطن، وبالشباب المندفع لإنجاز المستقبل الزاهر من وراء قيادةٍ قويّةٍ ومستنيرة: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.

المصدر: رضوان السيد - اساس ميديا

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o